القنبلة البشرية القادمة للعراق عبر الحدود

القنبلة البشرية القادمة للعراق عبر الحدود

809BDD12-8669-4E9E-8363-A6BE45601607

إذا صدقت الأخبار الآتية من طهران فإن العراق مُقبل على قنبلة بشرية تنتظره مع حلول الزيارة الأربعينية القادمة، والتي يحل موعدها في يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) من هذه السنّة. حيث قال الناطق باسم منظمة الحج والزيارة الإيرانية، محسن نيظافاتي، إن «المنظمة بدأت اليوم، بتسجيل أسماء الزوار الراغبين بأداء مراسم زيارة الأربعين المرتقبة بالعراق». وأشار إلى أن «المنظمة اتخذت الاستعدادات للبدء بإرسال وجبات الزائرين للمشاركة بمراسم تلك الزيارة بدءًا من تشرين الأول 2016»، ويعني ذلك، أن تلك الحشود البشرية سوف يستمر تدفقها للعراق على مدى شهر كامل قبل موعد تلك الزيارة. وتوقع نيظافاتي، أن «يشارك أكثر من مليوني زائر إيراني في زيارة الأربعين المقبلة».

ومع هذا الخبر، تعود بنا الذاكرة إلى السنّة الفائتة، عندما نجحت إيران بزج أعداد غفيرة من الزوار غير الحاملين للأوراق الثبوتية إلى العراق، قدرت أعدادهم بـ500 ألف، بعد أن اقتحموا المنافذ الحدودية للعراق بالقوة، وتخلف من أولئك الداخلين للعراق، مئات الآلاف عن الخروج من العراق، وذلك من خلال تنسيق إيراني مع المليشيات المتنفذة بالبلد، ونخص بالذكر منها، مليشيا بدر التابعة لهادي العامري. حينها كانت وزارة الداخلية العراقية قد أكدت أن تدفق الحشود بطريقة غير منضبطة، كان متعمدًا من قبل الجانب الإيراني، بحجة عدم سيطرة الجانب الإيراني على الداخلين من الحدود الإيرانية، وذلك للضغط على مسؤولي المنفذ العراقي لفتح الحدود بشكل غير قانوني.

كان الغرض من تلك العملية كما هو معلوم للجميع، هو محاولة استيطان تلك الجموع الغفيرة لأحداث تغير ديمغرافي كبير في العراق، وأيضاً الاستفادة منهم من خلال تجنيدهم مع المليشيات العراقية، لتعويض النقص البشري الحاصل بأعداد تلك المليشيات، نتيجة المعارك الجارية في العراق وسوريا وعزوف كثير من الشيعة العرب عن الانضمام لصفوفها.

وهناك نقول إذا كانت السنّة الماضية والتي كانت أعداد الزوار الإيرانيين فيها أقل من هذه السنّة، حسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين، ومع ذلك دخل للعراق بحدود الـ500 ألف شخص، فكم سيكون عدد هؤلاء لهذه السنّة؟

ووفق حسبة بسيطة يمكننا إن نجزم بإنَّ الأعداد الداخلة لهذه السنّة بشكل غير نظامي، سوف لا تقل عن الأعداد التي دخلت السنّة الماضية، إذا لم يتضاعف العدد. وهذا يعني إن العراق وبظرف سنين قليلة (إذا أستمر الوضع على هذا المنوال) سيتعرض إلى أكبر عملية لإعادة تشكيل تركيبته السكانية، ليس فقط في المناطق السنية كما هو جاري الآن على قدم وساق، وإنما حتى في المناطق الشيعية العربية بوسط وجنوب العراق. فالزائر الآن للمناطق الشيعية وبالأخص المناطق التي تحتوي على المقدسات الشيعة منها، مثل كربلاء والنجف والكاظمية ببغداد وحول مراقد الأئمة الشيعة بمناطق سامراء، سيلاحظ بشكل دقيق حجم التواجد الإيراني في مختلف مرافق الحياة الاقتصادية، بالفنادق والمتاجر وشركات النقل السياحية وإلى آخره.

لكن الخطورة لهذه السنّة كما في السنّة السابقة، هو إنَّ إيران تريد تصدير وافدين للعراق من نوعية مختلفة هذه المرة، الغرض منهم ليس مسك المفاصل الاقتصادية بالعراق فحسب، وإنما لغرض إدماجهم في المجتمع العراقي. حيث إنَّ كثيرًا من الذين قدِموا السنّة الماضية والذين سيقدمون هذه السنّة والسنوات التي سوف تلي، هم من فقراء الشيعة الإيرانيين والأفغان والباكستانيين والبنغال، والذين يعتبرون الحياة بالعراق على الرغم من قساوتها، هي حياة ترف وبذخ مقارنة بحياتهم في بلدانهم الأصلية، وبالتالي فإنهم سوف يتشبثون ببقائهم بالعراق. وستقوم المليشيات المسيطرة على الدولة العراقية، بتسهيل أمور إقامتهم بالعراق، من خلال إصدار الأوراق الثبوتية العراقية لهم، ودعم عمليات الزواج والمصاهرة لهم، من زوجات الذين يقتلون من صفوف الميليشيات أو الجيش العراقي، بالترغيب أو الترهيب لهنَّ، لغرض دمجهم في المجتمع العراقي. وهذا الذي رأيناه في كثير من مناطق الجنوب وصدرت تقارير إعلامية كثيرة لرصد هذه الحالة.

المحاولة الإيرانية الأخيرة ليست محاولة جديدة في تعاملها مع العراق أو البلدان الخليجية، حيث كانت للحكومات الإيرانية التي تعاقبت على حكم إيران على اختلاف أيدولوجياتها عبر السنين، لها طموحات قوية بتشيع العراق والدول الخليجية، بسكان ذوي أصول إيرانية أو قريبة من العنصر الفارسي أو شيعية ذات ولاء إيراني، والغاية منها خلق مناطق نفوذ قوية في تلك البلدان.

وفي الثمانينيات من هذا القرن وقبل بداية الحرب العراقية الإيرانية، قام صدام بعملية غربلة لكثير من هذه العناصر التي دخلت للعراق وذات أصول إيرانية، وقد فاقت أعدادهم الآلاف ورمى بهم عبر الحدود العراقية الإيرانية. وعلى الرغم من عدم موافقتنا تمامًا على تصرفات صدام في حينها، إلا إنَّ ظروف الحرب مع إيران كانت قد دفعته لفعل ما فعل. وكان من الأولى للحكومات العراقية السابقة أن تنفذ خيارات أخرى للتعامل مع العراقيين ذوي الأصول الإيرانية وقبل وقت طويل، من مثل صهرهم ضمن الثقافة العراقية السائدة في البلد وإكسابهم لتلك الثقافة، وهذا الأسلوب تتبعه كل البلدان التي تستقبل أعدادًا كبيرة من المهاجريين الأجانب، فأمريكا تصرف جهدًا وأموالًا كثيرة لإكساب لاجئيها الثقافة الأمريكية، ونفس العمل تقوم به ألمانيا أو كندا. إلا إنَّ في بلادنا يحدث العكس، فالوافدين يبقون على معتقداتهم وثقافتهم، بل ويؤثرون على ثقافة البلد الأصلية، وهذا ناتج عن سوء تدبير من قبل الحكومات السابقة.

الجديد بالحالة العراقية اليوم، إنَّ القائمين على الأمر بالعراق، والمتمثلين بالحكومة والمليشيات العاملة فيه، هي من تقوم باستقدام هذه الأعداد الغفيرة. كون إنَّ الكثير من رموز السلطة والمليشيات في العراق، هم من أصول إيرانية أو موالين لإيران، فتراهم متحمسين للقيام بعملية التغير الثقافي والعقائدي لأبناء هذا البلد لصالح إيران.

ومن الأمثلة البارزة على عمليات التغيير الديمغرافي التي حدثت في العراق، هو التغيير الذي حصل في مدينة البصرة، ثالث أكبر المدن العراقية، والتي كانت الغالبية العظمى من سكانها من العرب السنّة، ولكن بعد أقل من 90 سنة من الهجرات المتعاقبة على هذه المدينة، تحولت إلى مدينة غالبيتها من الشيعة، ونسبة كبيرة منهم ذوو أصول فارسية، ولم يتبق في هذه المدينة من السنّة العرب إلا أقل من 10%.

ومن المتوقع إن علميات استقدام الشيعة من شتى أرجاء العالم لغرض توطينهم في المناطق السنية، ستستمر على دول من مثل سوريا ودول الخليج العربي فضلا عن العراق، وبطريقة مشابهة لما تفعله إسرائيل في فلسطين. ونجد الآن في التركيبة السكانية لدول الخليج العربي، يمثل فيها الشيعة غير العرب نسبة لا يستهان بها، وهي مؤثرة في الشأن الخليجي اقتصاديًّا وسياسيًّا.

نحتاج إلى وقفة جادة ضد هذا التدفق البشري على العراق، كون العراق الآن في أضعف حالاته، بل يعتبر في حالة احتلال غير معلن من قبل إيران. يجب الاحتجاج ضد إيران وضد ميليشياتها التي تتعاون معها في هذا الموضوع. وفضحهم في المحافل الدولية، إعلاميًّا وسياسيًّا، وأن يتم العمل على إصدار قرارات الإدانة من المنظمات والهيئات الدولية، لمحاولات إيران بتغير التركيبة السكانية للعراق، واعتبار إنَّ كل تغير للتركيبة السكانية يتم تحت الظروف التي يعيشها العراق حاليا، هو تغير باطل لا يستند إلى القانون بشيء، ويستدعي من كل الشرفاء في العالم فضلًا عن العراقيين الوقوف ضده والتصدي له وبكل الوسائل الممكنة.

نظير الكندوري

موقع ساسة بوست