حلقةٌ جديدةٌ في مسلسلِ فضائِحنا !

حلقةٌ جديدةٌ في مسلسلِ فضائِحنا !

NB-122090-635570795773359239

بعد كلّ ما جرى لنا وحلّ بنا على مدى السنين الثلاث عشرة المنصرمة من موت جماعي يومي ومن خراب ودمار في الممتلكات والمنشآت العامة والخاصة،نكتشف أنّ دولتنا وكأنّ لا علم لها ولا خبر بكلّ هذا الذي جرى وحدث في هذي البلاد وأهل البلاد، بل إنها تعمل لإبقائنا في حال المحنة هذه إلى الأبد.

وزارة الصحة أعلنت أخيراً عن فتح باب التعيين في دوائرها لعدد من الوظائف. الذين سعوا لاقتناص الفرصة الثمينة صُدم الكثير منهم بأنّ استمارة المعلومات التي كان عليهم تعبئتها بالبيانات المطلوبة تضمّنت بنداً يسأل عن ديانة طالب الوظيفة!.. الأشنع من هذا أن الاستمارة حدّدت ثلاث ديانات فقط للإبلاغ عنها: الإسلام والمسيحية والصابئية، بما يعني أن غير هؤلاء غير مسموح لهم بطلب الوظائف!

بالتأكيد هذه الاستمارة لم تكن من اختراع وزارة الصحة. ثمّة جهة في الدولة معنيّة بنظام التعيين في الوظائف هي التي أعدّت الاستمارة وألزمت الوزارات باعتمادها. الأمر الكارثي أنّ أحداً في وزارة الصحة وسائر الوزارات التي يمكن أن يكون نموذج الاستمارة قد مرّ من بين أيدي المسؤولين فيها وتحت أنظارهم، لم يصدمه البند الخاص بالديانة. لم يصدمه السؤال عن الديانة، ولم يصدمه أنّ هذا البند ينطوي على عدم اعتراف الدولة بديانات نصّ عليها الدستور واعترف بها صراحة، وبخاصة الديانة الإيزيدية التي تعرّض أتباعها في السنتين الأخيرتين إلى محنة رهيبة على أيدي عناصر تنظيم داعش الإرهابي، فضلاً عن ديانات أخرى يدين بها عدد لا يستهان به من العراقيين، كاليهودية والكاكائية والبهائية والزرادشتية، عدا عن اللادينيين الذين أفاد تقرير نُشٍر أخيراً بأنّ نسبتهم في المجتمع العراقي تتجاوز الآن 20 بالمئة.

المعلومات المتداولة أمس بشأن هذه الواقعة الرهيبة في مغزاها أفادت بأنّ وزيرة الصحة أمرت في الحال، عندما عرفت بهذا الأمر، برفع بند الديانة من استمارة طلب الوظيفة والتحقيق في القضية لمعرفة مَنْ وضع هذا البند. هذا أمر جيد، لكنه لن يكون في حدّ ذاته علاجاً ناجعاً، فالمشكلة الحقيقية تتمثل في العقلية التي كانت وراء اقتراح هذا البند وفي العقلية التي قبلت بالاقتراح وفي العقلية التي سكتت على الاقتراح وفي العقلية التي نفّذت الاقتراح ولم تعترض عليه أو تُبدي ملاحظة بشأنه. إنها عقلية مئات الآلاف من الموظفين في الجهاز البيروقراطي للدولة الذين دمّرت الدولة أو أضعفت، في أحسن الأحوال، أيَّ حسٍّ بالوطنية لديهم.

هذا بالذات ما يحتاج إلى علاجات ناجعة أكثر من مجرّد الأمر برفع بند الديانة من استمارة التعيين في وظائف الدولة.

نريد أنْ نهزم داعش، ونريد أنْ نستأصل الإرهاب من جذوره، ونريد أنْ نكافح الفساد الإداري والمالي، ونريد أنْ نحقّق السلام والاستقرار والتنمية، ونريد لمواطن الدولة أنْ يتحلّى بالشجاعة والإيثار والنزاهة والمهنيّة. لا يمكن لهذا كلّه أو حتى لبعضه أنْ يكون من دون الوطنيّة، ولو بأدنى الحدود والمستويات.. عقلية بند الديانة السائدة في جهاز الدولة لا تسمح بهذا أبداً.

عدنان حسين

موقع المدى