التوازنات الإقليمية والداخلية لإيران تترنح على قاعدة همدان

التوازنات الإقليمية والداخلية لإيران تترنح على قاعدة همدان

_88211_ii4

شكّلت صور الطائرات الحربية الروسية في القواعد العسكرية الإيرانية مفاجأة كبيرة بالنسبة إلى المهتمين والمتابعين لشؤون المنطقة؛ باعتبارها تطورا عسكريا استراتيجيا يدخل الحرب السورية مرحلة جديدة، وأيضا لأنها المرة الأولى التي تسمح فيها إيران، منذ الثورة الإسلامية، لقوة أجنبية بشن عمليات عسكرية من أراضيها.

لكن، في خضم الجدل الذي أثاره الإعلان عن استخدام سلاح الجو الروسي قاعدة همدان غرب إيران لشن ضربات ضد مواقع في سوريا، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، الاثنين، أنه تم تعليق استخدام روسيا للقاعدة الإيرانية، لتنهي فجأة عملية لم يسبق لها مثيل قوبلت بانتقادات إيرانية ودولية.

تحوّل التركيز من الاهتمام بخلفيات خبر استخدام روسيا لقاعدة همدان إلى الاهتمام أكثر بردة فعل إيران التي عبرت عن استيائها من الطريقة التي نقلت بها موسكو خبر استخدامها للقاعدة المتواجدة في غرب البلاد، لا فقط لأن إتاحة قاعدة عسكرية لقوة أجنبية مخالفة للدستور في إيران، بل أيضا لأن طهران أتاحت لموسكو استخدام قاعدتها الجوية شرط عدم الإفصاح عن الأمر.

وانتقد وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان روسيا لأنها كشفت عن استخدام القاعدة الجوية في همدان لشن ضربات في سوريا ووصف ذلك بأنه فعل “استعراضي” وينم عن “عدم الاكتراث”. وتأتي الانتقادات نتيجة للضغوط التي يواجهها من عدد من الخصوم السياسيين في الداخل بسبب السماح لروسيا باستخدام القاعدة العسكرية.

وفي الواقع، ينبغي النظر إلى حدث منح الروس قاعدة نوجه العسكرية في مدينة همدان والذي تناقلته وسائل إعلام أجنبية يوم 16 أغسطس الجاري، بعد بضعة أيام فقط من فك الحصار الذي كان يفرضه النظام السوري على مدينة حلب (شمالا)، على أنه تطور مهم في التوازنات الإقليمية والداخلية لإيران. وتكمن أهمية المسألة، من ناحية التوازنات الداخلية، في صعوبة شرح وجود قوات أجنبية في بلد معروف بحساسيته تجاه التواجد الأجنبي على أراضيه ويمتلك ذكريات سيئة تاريخيا في ما يتعلق بالتدخل الروسي (السوفييتي) في بلاد الإيرانيين خلال الحرب العالمية الثانية.

خسائر مادية ومعنوية لحزب الله من حرب سوريا
اسطنبول – المئات من القتلى والآلاف من الجرحى، ضغوط مادية وأخرى داخلية، وخروج من دائرة “المقاومة” وخطر التحول إلى مجرد ورقة في تسويات إقليمية ودولية، تلك أبرز خسائر حزب الله المادية والسياسية التي يدور الحديث عنها اليوم.

وبحسب دراسة صادرة عن “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” حوّل الحزب سوريا إلى “حقل تجارب” مفتوح لمختلف الأسلحة، و”ميدان تدريب” للآلاف من المقاتلين على تكتيكات لم يعتدها الحزب من قبل.

وتقد أعداد قتلى الحزب وجرحاه، بـ1600 قتيل و5000 جريح، إلا أن الأمر لا يقف عند إحصاء الأرقام، حيث تؤثر تلك الخسائر نفسياً على حاضنة الحزب الشعبية وإيمانها بمهمته في سوريا، والذي يفاقمه عجز الحزب في الكثير من الأحيان عن نقل جثامين قتلاه لدفنهم في لبنان.

كما تضم قوائم قتلى وجرحى الحزب قادة ميدانيين وكوادر مخضرمين.

ولا تقف تداعيات تلك الأرقام عند ذلك الحد، حيث يلتزم الحزب بدفع تعويضات لأهالي القتلى والجرحى للحفاظ على تلك الحاضنة ولبث الطمأنينة لدى المقاتلين بأنه لن يترك عوائلهم في حال “استشهادهم”، إضافة إلى الأموال التي يتم ضخها في أجهزة الحزب الإعلامية للحفاظ على حماس أنصاره وقدرته على تجنيد المزيد من الشباب.

يشكل كل ذلك ضغوطا مادية كبيرة على الحزب الذي يعاني أصلا من نفقات الحرب، ومن تردي الاقتصاد اللبناني، وتأثيرات انخفاض أسعار النفط على الدعم السوري والإيراني، فضلا عن العقوبات الأميركية والأوروبية، وأخيراً وليس آخراً، العقوبات الخليجية، الأمر الذي حدا بالحزب إلى تقليص رواتب العديد من كوادره، وخفض المبالغ المقدمة لجهات داخلية من أجل الحصول على ولائها السياسي.

مسرحية الرفض

في خطوة لرفع الحرج قالت إيران إن روسيا أوقفت استخدام قاعدتها الجوية لقصف أهداف داخل سوريا. ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي قوله “ليس لروسيا قواعد في إيران ولا تتمركز هنا. قاموا بهذه العملية وانتهى الأمر في الوقت الحالي”.

فيما ادعى مسؤولون، بينهم رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، ورئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى، علاء الدين بروجردي، أن الحكومة الإيرانية لم تمنح الروس قاعدة نوجه الجوية في همدان، بل استخدموها بشكل مؤقت فقط.

ورغم هذه التفسيرات “المطمئنة”، فإنها لا تبدو مقنعة. وبينما يقول محللون إن صراع البرلمان مع وزير الدفاع هو صراع مع المؤسسة العسكرية الإيرانية ومن ثمة فهو صراع مع الحرس الثوري الذي يهيمن على هذه المؤسسة، يذهب الباحث السياسي في الشؤون الإيرانية سوران خدري إلى القول في تصريح لـ “العرب” إن اعتبار تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول قانونية أو دستورية تواجد طائرات روسية في القاعدة الإيرانية “مسرحية سياسية من أجل إيجاد شرعية قانونية للتغطية على تواجد الطائرات الروسية داخل إيران”.

وأشار خدري إلى أن منح الإيرانيين قاعدة همدان العسكرية لطائرات الروس ليس بالقرار الهين، الذي يمكن أن توافق عليه السلطات الإيرانية خلال مدة قصيرة. ويعتقد أن الروس والإيرانيين كانوا على تواصل حول هذا الموضوع منذ توتر العلاقات الروسية التركية السنة الماضية.

بدوره، يؤكد المحلل الإيراني الكردي منصور برزوي لـ”العرب” أن التوافق الروسي الإيراني حول استخدام القواعد العسكرية يقع خارج عمل الدستور الإيراني ومجلس الشورى، فالقرارات التي تتعلق بأمن الدولة يأخذها المرشد الأعلى علي خامنئي. ويضيف أن إيران تشعر بتراجع في سياساتها الخارجية والداخلية لذلك هي مضطرة لأن توافق على قبول مختلف أنواع التعاون مع الروس حتى لو أدى الأمر إلى فتح قواعدها لهم.

اعتبر الكاتب في صحيفة “دايلي تلغراف” ديفيد بلير أن فتح القواعد العسكرية الإيرانية للروس نتيجة طبيعية للانسحاب الأميركي من الأزمة والمنطقة، وسيؤدي في نهاية المطاف إلى المزيد من الاستقواء الإيراني والروسي فيها على أنقاض النفوذ الأميركي المتراجع.

ومن الممكن طرح العديد من التفسيرات المختلفة، المتعلقة بالتعاون الروسي الإيراني، لكن من الواضح أن استخدام الروس للمجال الجوي والمطارات الإيرانية يوفر لهم مساهمة لوجستية كبيرة في العمليات الجارية بسوريا.

فالطائرات الحربية الروسية تتمكن من قطع مسافات أقل بكثير مما يتيح لها توفير الوقود وإجراء عمليات جوية أطول في سماء سوريا. ومن ناحية أخرى يتيح التعاون إمكانية تزويد المقاتلات الروسية بكمية أكبر من الأسلحة والعتاد العسكري، وهنا يفرض سؤال نفسه، وهو لماذا لم يفضل الروس قاعدة حميميم في اللاذقية (شمال غربي سوريا)؟

يشير الخبراء العسكريون إلى أن استخدام قاعدة همدان الإيرانية يضمن المزيد من الأمن للطائرات الروسية أثناء قيامها بعمليات الإقلاع والهبوط، مقارنة بقاعدة حميميم، التي تقع، خلافا لهمدان، قريبا من مسرح الأعمال القتالية. ويؤكد الخبراء عدم قدرة حميميم على استيعاب القاذفات الثقيلة مثل “تو 22 ام3” الإستراتيجية؛ حيث تحتاج تلك القاذفات لمدرج طويل، وهذا ما لا يتميز به حميميم. واللافت في الموضوع أيضا هو مشاركة مقاتلات روسية من طراز سوخوي- 34، القاذفات المدمرة في قصفها مواقع بسوريا ما يعطي انطباعا بأن القضية ليست عبارة عن ضرورات تقنية فقط.

إيران تشعر بتراجع في سياساتها الخارجية والداخلية لذلك هي مضطرة لأن تخضع للروس حتى لو أدى الأمر إلى فتح قواعدها لهم

وأبرز البعض من المسؤولين الروس، استياءهم من تصريحات رئيس النظام السوري، التي أوضح فيها أن أولويته هي السيطرة على كامل الأراضي السورية، فضلا عن قصف الطيران الحربي الروسي عن طريق الخطأ بين الفينة والأخرى مواقع لميليشيات موالية للنظام. وفي هذا الإطار يتحدث بعض الخبراء عن احتمال إقناع روسيا إيران باستخدام قاعدة همدان، بدعوى تراجع فاعلية عملياتها العسكرية في سوريا.

وليس من الوارد أن تبقى المقاتلات الروسية في إيران، لكن يتوقع المراقبون أن تتكرر استعمالات الروس للقواعد الإيرانية.

ويقول الباحث سوران خدري، في تصريحاته لـ”العرب”، إن الروس أمسكوا بفرصة تاريخية من خلال وجودهم العسكري في دولة تطل على الخليج العربي وشريان سوق منتجات الغاز.

ويذهب آخرون إلى القول إنه وفي حال عادت موسكو واستخدمت قاعدة نوجه، فإن بإمكان سلاح الجو الروسي أن يثبّت وجوده في منطقة الخليج حتى اليمن، وهذا الأخير لا يشكل نقطة تفاهم بين الروس والإيرانيين، حيث تتجنب موسكو اتخاذ موقف داعم لطهران حتى اليوم، رغم محاولة إيران، منذ بداية الأزمة، جر روسيا وتوريطها فيها.

التقارب الروسي التركي

رغم التعاون الإيراني الروسي في سوريا، فإن التقارب الروسي التركي له تأثير على الأمن الاستراتيجي الإيراني في المنطقة. وتعد إيران في مقدمة دول المنطقة التي تتابع عن كثب التقارب الروسي التركي، وانعكاساته على الأزمة السورية، حيث تدرك طهران أن أي تفاهم بين موسكو وأنقرة من شأنه أن يغيّر قواعد اللعبة في سوريا، ولهذا السبب تسعى جاهدة إلى تفهم أبعاد هذا التقارب وتأثيراته.

ورغم التصريحات الرسمية الواردة من إيران حول دعمها للتقارب بين أنقرة وموسكو، إلا أنها تخشى الوضع الجديد، الذي يمكن أن يظهر عبر تفاهم تركيا وروسيا حول سوريا، والذي من شأنه أن يجعل استمرار الوجود السياسي للرئيس السوري بشار الأسد، في المدى المتوسط، أمرا مستحيلا.

صحيفة العرب اللندنية

مساهمة لوجستية