الموصل… معركة الأجندات الدامية

الموصل… معركة الأجندات الدامية

349
تأخرت، أو ربما تكون قد بدأت فعلياً، معركة الموصل التي يفترض أنها تسعى إلى إعادة تحرير المدينة من قبضة تنظيم الدولة الذي سيطر على المدينة في يونيو/ حزيران عام 2014، معركة يراد لها أن تكون قاصمة للتنظيم، إلا أنه أيضاً يراد منها أن تحقق أهدافاً عدة على أجساد أبناء المدينة وجثثهم، وربما حتى على حساب مستقبل أجيال الموصل القادمة، فكلٌّ يغني على مصالحه.
يبدو أن معركة الموصل التي تقول بغداد إنها لم تبدأ بعد قد بدأت عملياً، والأمر ليس سراً، فقوات البيشمركة الكردية، وبدعم وإسناد من القوات الأميركية، على الأرض وفي الجو، تسارع الخطى لاستعادة أكبر مساحة جغرافية، لأنها تدرك جيدا أن الأرض في عراق اليوم لمن يمسكها، خصوصاً أن أغلب عمليات قوات البيشمركة تتركز فيما تعرف بـ “المناطق المتنازع عليها”، وهي التي يراها الأكراد تابعة لهم، وأن التقسيم الإداري للمحافظات والمدن العراقية اقتطعها من الإقليم، خصوصاً أنها مناطق ذات أغلبية كردية.
في المقابل، تسعى وزارة الدفاع العراقية إلى تحرير الأراضي الواقعة جنوب الموصل، في إطار عملية المقص التي تقوم بها بالتنسيق مع القوات الكردية.
وبعيداً عن المعارك الجارية في محيط الموصل، فإن نار إيران المتمثلة بالمليشيات التابعة لها في بغداد، ويبلغ عديدها أكثر من 100 ألف مقاتل، وفقا لمسؤول إيراني، تتلظى، وهي ترى أن الموصل تضيع من يدها، بعد أن باشر الأكراد تحرير الأرض، من دون انتظار ساعة الصفر التي تطلقها بغداد.
إيران، ومليشياتها في العراق، تريد أن يكون لها هي الأخرى حصة في تحرير الموصل، لأنها تدرك جيداً أهمية المدينة، فهي تسعى إلى فتح خط بري آخر يربطها بسورية، لأنها تدرك جيداً أن خط الأنبار محفوف بالمخاطر، حتى لو استتب مؤقتاً لها عقب تحرير المدينة من سيطرة التنظيم.
إيران، وبحجة حماية التركمان الشيعة، سكان تلعفر ، في الموصل، تدفع باتجاه تعزيز مشاركة الحشد الشعبي في تلك المعركة، وأن يكون للحشد وجود كبير في المعركة التي تعتبر لدى بعض ساسة ايران، قبل ساسة بغداد، مصيريةً في تحديد طبيعة النفوذ الإيراني في المرحلة المقبلة.
لذا، كانت تصريحات قادة الحشد الشعبي بأن وجودهم في معركة تحرير الموصل سيكون حتمياً، وهو ما دفع بالبيشمركة الكردية إلى الإسراع في تحرير المناطق التي تراها أربيل مناطق كردية.
في المقابل، لا يبدو أن تركيا ترغب في أن يجري تحرير الموصل بعيداً عنها، على الرغم من انشغالاتها الداخلية عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة، فالقوات التركية موجودة في معسكر بعشيقة القريب من الموصل، وهي القوات التي ثارت عليها ثائرة بغداد قبل أشهر، على الرغم من أن تلك القوات موجودة بالاتفاق مع بغداد وأربيل.
ترى تركيا أن الموصل التي اقتطعت منها، بحسب وجهة نظر أنقرة إبان عصبة الأمم المتحدة عام 1932، مدينة محورية، فبالإضافة إلى أهميتها لكونها من أكبر المدن العراقية، وقربها من الحدود التركية، فإن المدينة تتمتع بموقع جغرافي مميز، فمن يملك اليد الطولى في الموصل يمكن أن يكون له الصوت الأعلى في العراق مستقبلاً، ناهيك عن جواره الإقليمي، وهو ما تعرفه أنقرة جيداً، وتخشى أن يكون لإيران أو الأكراد يد طولى في المدينة. وبالتالي، فإنها لن تترك تحرير المدينة يتم بعيداً عنها، مهما كلف الثمن.
أميركا التي نزلت قواتها بقوة على الأرض تمهيداً للمعركة الحاسمة في الموصل، تبدو، هي الأخرى، مستعجلة على إنجاز التحرير، أولاً هدية يقدمها الرئيس الحالي، باراك أوباما، لجمهوره الأميركي قبل أن يودع البيت الأبيض. وثانياً، حتى تمنع مشاركة الحشد الشعبي في المعركة، خشيةً من تكرار مشاهد القتل والاعتقال والحرق التي تعرّضت لها مناطق ومدن عراقية أخرى شارك في تحريرها الحشد.
وبين صراع أجندات الدم، يعيش أبناء الموصل، ومنذ أشهر، لظى القصف اليومي لطائرات التحالف الدولي، والتي قتلت عشرات المدنيين، بينهم أطفال، ناهيك عن حالة الخوف التي يعيشها أبناء المدينة من العمليات العسكرية التي يمكن أن تؤدي إلى نزوحهم من مدينتهم.
هناك اليوم أكثر من مليون ونصف مليون إنسان في الموصل، لا يبدو أن أحداً من أصحاب الأجندات المعنيين بتحريرها معني بهم أصلاً، ولا يبدو أن أحدا من الأطراف الدولية يرغب حتى بالتفكير في مصيرهم، الأمر الذي سيعني مشردين جدداً، ونازحين كثيرين، ستغص بهم صحاري العراق من جديد.
إياد الدليمي
صحيفة العربي الجديد