‘تصدير’ المدارس الإيرانية إلى العراق

‘تصدير’ المدارس الإيرانية إلى العراق

images

استغل نظام ملالي طهران كل ثغرة في حياة العراقيين والعرب للنفاذ منها تنفيذا لبرنامجه التوسعي مشروع “تصدير الثورة”، وفيه من الترغيب والتهديد مزيج غريب لا يجيد خلطته إلا من امتلك التفويض البراغماتي من ولي الفقيه للوصول إلى أهدافه في صناعة الأزمات، أو شراء الذمم، أو استثمار مواطئ الأقدام في الفراغات.

لأن منطقتنا أصبحت ساحة مفرغة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بسبب الحرب الباردة التي قد تتحول إلى دافئة أو ساخنة قليلا بين الدول الكبرى ومصالحها وإراداتها، بعد أن وجدت في الحرب على الإرهاب فتحا لا سابقة له لزج قطعاتها العسكرية وخرائطها في لعبة إيصال الرسائل المتبادلة.

إيران بنظامها الحـاكم تلعب دور السوسة في نخر الاستقرار والسلم الأهلي، فهي تسعى لتحقيق مآربها ضمن سياق العلاقات الدولية العامة، لكنها تؤسس لقواعد مشروعها من خلال الواجهات وأكثرها سياحة دينية ومكاتب صيرفة وأعمال خيرية كبناء الوحدات الصحية واستغلال الفقر في بلدان معينة، والأخطر بناء المدارس.

تتزايد التصريحات الدولية والإقليمية لدحر الإرهاب وإيقاف نزيف الدم المستمر، ويتجاهلون نزيف العقول الذي أدت إليه الهجرة الواسعة للكفاءات ونزيف التجهيل والتضليل الذي تقوده إيران في بلداننا، باتباعها سياسة التطوع لملء الفراغات، خاصة بعد أن قدم لها الأميركان هدية حكم العراق لأتباع الولاية من ساسة الأحزاب الطائفية، وأغلبهم يمارسون بفخر دور الملالي في الوزارات والمؤسسات وإدارة المحافظات.

كانت أحاديثنا تنصب على نقد ومواجهة مأزق إعداد جيل من طلاب المدارس يتهيأ للفصل النفسي الطائفي العنصري، ويبدو أن محاذيرنا كانت “رومانسية” وأحيانا تجميلية، لأننا في العراق، الكثير منا مازال يحارب على جبهة ترفض التسليم والقبول بالطائفية كحقيقة مفروغ منها، إنما يتعاملون معها كواقع مرفوض، ويحاولون هز أركانها لدفعها إلى توقيتات مرحلة ينحسر فيها تأثير المد الإيراني في العراق والمنطقة، وزوال العملية السياسية التي جاء بها المحتل وسعت إليها معظم أحزاب المعارضة ثم في مجلس الحكم وترسيخها للمحاصصة الطائفية، وما لحق من تبعات سقوط الأنظمة في فخاخ المشروع الإيراني الذي لقي رواجا ودعما أميركيا رغم التناقضات الظاهرة، وتعاونا روسياً ربما نفهم خلفياته الطائفية أيضا، إضافة إلى تجاذبات منافع السياسة، فالميول الروسية لإيران لا علاقة لها بالعقيدة أو الأديان إنما ترتبط بالحركات الدينية الإسلامية المناهضة لسياسة بوتين، وهي لا تنسجم مع إيران قطعا.

ظاهرة بناء المدارس الإيرانية، ليست جديدة في العراق أو الدول العربية خاصة في دول الخليج العربي، ومشاكلها وأزماتها معروفة بما سببته من تدهور في العلاقات مع إيران وبالتأكيد مع الجماعات الطائفية التي تأتمر بأمرها، وهي مدارس في بنيتها الأساسية تنهض بمسؤولية تربية أجيال تنتمي إلى إيران ومشروعها على حساب كيان الدول وأمنها الوطني والقومي، وغايتها التجنيد النفسي قبل التجنيد الفعلي في المؤسسات الاستخباراتية والحرس الثوري، مستغلة سماحة القوانين التربوية والعلاقات في تدريس المناهج الإيرانية وما تحتويه من تلغيم فكري لتحويل الانتماء المذهبي إلى انتماء جوهري لإيران تتراجع فيه مفاهيم الوطن أمام الطائفة.

كنا نجد الأعذار لتصرّف معلمة أو معلم، أو لسلوك تلميذ أو مجموعة تلاميذ يتصرفون بطائفية مقيتة، لكن ماذا نتوقع وهناك عمل ممنهج لزيادة أعداد المدارس الإيرانية في العراق من بداية العام الدراسي المقبل.

سبق لحكومة نوري المالكي أن سمحت بتشييد المدارس الإيرانية، وهي بادرة استغلتها إيران لمعرفتها بتردي نسبة بناء المدارس وحاجة العراق المتزايدة إليها، وبالذات في الأرياف، واعتبرتها “هدايا” للشعب العراقي؛ وما أكثر الهدايا.

بعض تلك المدارس لكافة المراحل، الابتدائية والمتوسطـة والإعـدادية، تحمـل اسـم الخميني ويشـرف عليهـا مكتـب خامنئي وتتلقى منه المساعدات مباشرة، العراق يتصدر قائمة الدول التي افتتحت فيها المـدارس الإيـرانية على أمل أن تتضاعف في السنوات القادمة، ويقدر أن تصل إلى 40 مدرسة ومركزا تعليميا وتدريبيا هذا العام.

الكارثة الأكبر توقعات ضخ الأموال، حتى الخاصة، لتمويل بعض أوجه الإنفاق في التعليم الخاص؛ معنى ذلك أننا نعبئ الأزمات للأجيال القادمة، وأن ما يجري الآن هو مجرد محاضرة أولية لعملية واسعة تستهدف إدامة الصراع الطائفي، وإلغاء عروبة العراق، وتحجيم دوره الثقافي والإنساني لصالح الأهداف التوسعية للملالي وسعيهم الجاد لتهيئة العراق ليكون قاعدة واسعة في سياسة إطلاق متتالية لمشروعهم، وما يجري من وقائع على الأرض يؤكد النيات المبيتة.

الغزو الثقافي الإيراني يتجسد في الاتفاقيات الرسمية لتبادل التعاون متعدد الاهتمامات وفتح الدورات التعليمية؛ ومن يتابع النشاط بين الجامعات العراقية وأساتـذتها وبين نظـرائهم الإيـرانيين يكتشف أن بعض الأطروحات لرسائل الماجستير والـدكتوراه يشـرف على منـاقشتها زوار من الجانبين حتى ولو كأعضاء شرف، مع مهرجانات ومسابقات مشتركة ومعظمها تتعلق بقضايا النزوع الطائفي، والتماهي كثيرا ما يكون ليس في تطبيع العلاقات، إنما في إلغاء الهوية الثقافية والحضارية للعراق وتقسيط سلخه من أمته، ودمجه كليا في غسل دماغ جماعي يرافقه زرع مفاهيم مطلوبة في جيل أطفال الحاضر.

كل الفعاليات تؤكد أن نزيف الدم لن يتوقف؛ لأن ممثلي نظام ملالي طهران يؤدون أدوارهم بكل الأقنعة، وتحت كل الأغطية للمرور إلى غاياتهم وأهدافهم التي استثمرت الفراغات لتدخل بين صفوفنا محملة بهدايا مدارس الأقبية والسراديب.

حامد الكيلاني

العرب اللندنية