ماذا وراء عملية “درع الفرات” العسكرية التركية في سوريا؟

ماذا وراء عملية “درع الفرات” العسكرية التركية في سوريا؟

xfa15787f-13ad-414e-b305-59ea2306de80_16x9_600x338.jpg.pagespeed.ic.OvYZbN7S-j

أعلنت تركيا، في تصريحات رسمية، أن العملية العسكرية التي تنفذها قوة المهام الخاصة المشتركة في القوات المسلحة التركية، والقوات الجوية للتحالف، على مدينة “جرابلس” في محافظة حلب شمالي سوريا، تهدف لتأمين الحدود التركية، ودعم قوات التحالف في حربها ضد “تنظيم الدولة”، وضمان وحدة الأراضي السورية.

واستخدمت القوات التركية، في عملية “درع الفرات”، المدافع وراجمات الصواريخ التركية المتمركزة على الحدود مع سوريا، كما عملت القوات على “فتح نقاط للمرور على الخط الحدودي”، بالإضافة إلى تنفيذ غارات جوية بطائرات “F-16” تركية.

“درع الفرات”، تعد أول عملية عسكرية للجيش التركي داخل الأراضي السورية، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها فئة من قيادات الجيش في 15 يوليو، وفي أعقاب التفجير الدموي الذي وقع في “غازي عنتاب” واستهدف عرس كردي، أوقع أكثر من 50 قتيلا ونحو 100 مصاب، وإخلاء بعض المدن الحدودية التركية، بسبب سقوط قذائف عليها من داخل الأراضي السورية، لكن وسائل إعلام عربية، قالت إن العملية التي بدأتها تركيا، صباح أمس، تستهدف “الأكراد”، الذين حققوا تقدمًا على حساب “تنظيم الدولة” وجيش النظام السوري، ويطمح الأكراد الذين يحصلون على دعم من الولايات المتحدة لتأسيس دولة كردية في سوريا، وهو ما ترفضه تركيا.

وأكد نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في تصريحاته في أثناء زيارته لأنقره، تفهمه لعملية “درع الفرات”، وقال إن على تنظيم “ي ب ك”، وقوات سوريا الديمقراطية، ألا يعبرو إلى الجهة الأخرى للنهر (نهر الفرات) بأي شكل من الأشكال، وفي حال عبروا النهر فإن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقدم الدعم لهم.

كانت القوات المسلحة التركية، بدأت صباح أمس الأربعاء، عملية عسكرية مدعومة جوا، ضد تنظيم “داعش” في محيط مدينة جرابلس بمحافظة حلب، ردًا على الهجمات التي يشنها التنظيم على المناطق التركية الحدودية مع سوريا، والتي تكثفت خلال الأسبوع الأخير.

ووفقا للمعلومات، شهد يوم 17 أغسطس/ أب الجاري، سقوط 5 قذائف هاون، أطلقها عناصر من “داعش” من الأراضي السورية، على بلدة “ألبيلي” التابعة لولاية كليس، جنوبي تركيا، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي لفترة من الزمن، دون وقوع إصابات بين السكان، كما سقطت يوم الثلاثاء 3 قذائف صاروخية، أطلقت من منطقة إعزاز في سوريا، على أراضٍ خالية وسط مدينة كليس، وتبع ذلك تشديد الإجراءات الأمنية على الخط الحدودي، كما قصفت القوات المسلحة التركية المنطقة التي تم إطلاق الصواريخ منها.

وشهد قضاء “قارقامش” الحدودي في ولاية غازي عنتاب جنوب شرقي تركيا، سقوط عدد من قذائف الهاون، التي أطلقت من الأراضي السورية، حيث سقطت 9 قذائف هاون في القضاء يوم 20 أغسطس/ أب الجاري، على أرضٍ خالية في القضاء، ما أدى إلى إجلاء سكان المنطقة، وتبع ذلك تشديد الإجراءات الأمنية في مداخل القضاء ومخارجه، وسقطت 9 قذائف هاون على القضاء، أصابت إحداها منزلا وأصابت أخرى سور أحد المساجد، في مركز القضاء. وتبع ذلك قيام المدفعية التركية المتمركزة على الحدود، بقصف 4 أهداف تابعة لداعش في مدينة جرابلس بمحافظة حلب، وطلبت مكبرات الصوت التابعة للبلدية في القضاء، من السكان، التزام منازلهم، وعدم فتح المحال التجارية، وفضل بعض سكان المنطقة التي شهدت سقوط القذائف، ترك منازلهم، واللجوء إلى أقاربهم الذين يقطنون في مناطق أكثر أمنًا.

ومنتحت ولاية غازي عنتاب، الموظفين الحكوميين في قضاء قارقامش، إجازة إدارية لمدة يومين، بسبب سقوط القذائف، وقال رئيس بلدية قارقامش، نوح كوجا أصلان، إنه طلب من أهالي القضاء عبر مكبرات الصوت التابعة للبلدية، عدم الخروج من منازلهم إلا للضرورة، ونتيجة لرغبة بعض الأهالي في الانتقال إلى منازل أقاربهم القاطنين في مناطق أكثر أمنًا، وفرت البلدية لهم عربات، نقلتهم إلى حيث يرغبون، وشهد القضاء سقوط قذيفتي هاون، سقطت إحداهما أمام مبنى قيادة قوات الدرك في القضاء، والأخرى أمام مبنى البلدية.

ونوّهت مصادر تركية، بسيطرة الجيش السوري الحر على مركز جرابلس من الجهة الغربية، وحرر عددًا من النقاط التي كان يستخدمها “تنظيم الدولة” كمراكز رئيسية له في المدينة.

وأشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى أن العملية التي بدأها الجيش التركي شمالي سوريا، تستهدف المنظمات الإرهابية، موضحًا أن العملية، التي أطلق عليها اسم “درع الفرات”، تستهدف المنظمات الإرهابية مثل “داعش”، و”ب ي د”.

وأضاف أردوغان، أن “درع الفرات” بدأت لوضع حد للهجمات التي تستهدف تركيا من داخل الأراضي السورية، مشيرًا إلى أن بعض الأشخاص (لم يسمهم) يتحدون تركيا، ويقولون إن سوريا ستمثل مشكلة بالنسبة لتركيا.

ووجه أردوغان، حديثه إلى هؤلاء قائلًا “عليكم أن تفكروا في مصيركم أنتم”، مؤكدًا أن تركيا بشعبها وجيشها وشرطتها، ستقف في مواجهة أي عنصر يمثل تهديدًا لها.

وأكد أن المرء لا يصبح مسلمًا بربط عِصابة على الرأس أو حمل راية مكتوب عليها كلمة التوحيد، أو باستغلال لفظ الجلالة، هؤلاء (تنظيم داعش) لا علاقة لهم بالإسلام، على العكس إنهم مصيبة عليه.

واستنكر أردوغان اكتفاء قادة العالم بانتقاد الهجمات الإرهابية التي تستهدف تركيا، مضيفًا أنه إذا لم يتوصل العالم إلى توافق دولي بخصوص مكافحة الإرهاب، ستكون البشرية بأكملها مسؤولة عن ذلك، لذلك فإن المواجهة المشتركة واجبة، موضحًا “منذ البداية لم يكن لدينا نية أخرى سوى تقديم العون الخالص إلى أشقائنا السوريين الذين تربطنا بهم روابط تاريخية قوية، ولم نفعل إلا ذلك”.

وشدد أردوغان على أن تركيا لن ترضى بالمكيدة التي يُراد تنفيذها في سوريا، ولن تقبل بفرض الأمر الواقع، مؤكدًا “سنستخدم جميع إمكاناتنا لحماية وحدة الأراضي السورية، بما في ذلك تولي الأمر بشكل فعلي في حال الضرورة، نحن مصرون على أن تُدار تلك الدولة (سوريا) بإرادة شعبها”.

وقال إنه على المنظمات الإرهابية التي تستهدف تركيا، سواء “بي كا كا” أو “ي ب ك”، أو “داعش” أو منظمة فتح الله غولن، أن يفهموا أنه “تم كشف هذه المكيدة”، مشيرًا إلى أن الهجمات الإرهابية المتلاحقة التي شهدتها تركيا في الآونة الأخيرة، لن تنجح في تحقيق أهدافها، ولن تتمكن من التفرقة بين أبناء الشعب التركي، أو من تقسيم تركيا، وأن كل هجوم تتعرض له تركيا يزيدها قوة.

وبيّن أردوغان، أن تركيا ستتخذ الخطوات اللازمة من أجل مستقبلها، ومن أجل أمن وسلام “إخوتنا السوريين”، مشيرًا إلى أن تركيا أبلغت قوات التحالف، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وروسيا، استعدادها لاتخاذ خطوات مشتركة في المنطقة.

ونوّه أردوغان بأنه لم يعد من الممكن لأحد أن يفكر أو يتصرف، في “المسألة السورية”، باعتبارها مستقلة عن الشأن الداخلي التركي، مشيرًا إلى أن ما يحدث في سوريا هو السبب الأساسي وراء الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها تركيا حاليًا، سواء من قبل بي كا كا أو داعش أو منظمة فتح الله غولن، وأن حل مشكلة الإرهاب، مرتبط بحل أزمتي سوريا والعراق.

وأكد وزير الخارجية التركي، “مولود جاويش أوغلو”، أنّ الهدف الرئيسي من عمليات قوات بلاده في شمالي سوريا، هو إبعاد تنظيم “داعش” الإرهابي من شمالي سوريا، وإجباره على التراجع نحو الجنوب.

وأوضح “أوغلو”، في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الأستونية، مارينا كولجراند التي تزور العاصمة التركية أنقرة، أنّ بلاده خطّطت لهذه الخطوة مع الولايات المتحدة الأمريكية فترة طويلة، معربًاش في هذا الصدد عن أسفه لعدم إرسال الأخيرة منظومة الدفاع الصاروخي “هيمارس” إلى تركيا حتّى الآن.

وأفاد “جاويش أوغلو”، بأنّ استهداف تنظيم داعش لتركيا، سببه أنّ الأخيرة تعدّ من أكثر الدول صرامة وحزمًا في مكافحة العناصر الإرهابية، مشيرًا إلى أنّ بلاده منعت عبور المقاتلين الأجانب من أراضيها، وتمكّنت من القضاء على أكثر من 650 مقاتلًا للتنظيم في العراق عبر ضربات وجهتها له من معسكر بعشيقة في الموصل، إضافة إلى الدعم التي قدّمتها لقوات التحالف الدولية لمكافحة التنظيم.

وتساءل أوغلو عن المصادر التي تزوّد “داعش” بالأسلحة قائلًا: “لنفرض أنّ داعش كان يحصل على السلاح في البداية من المواقع الجديدة التي كان يسيطر عليها، لكن الآن وبعد مرور عامين فإننا نلاحظ بشكل واضح أنّ الأسلحة التي بحوزة التنظيم لا تنقص، فمن يعطيهم هذه الأسلحة ومن أين يصلون إليها”.

وعن عملية “درع الفرات”، بقيادة قوات المهام الخاصة التركية، قال أوغلو، إنّ العملية تسير وفق مخططات هيئة الأركان التركية، وأنّ الدبابات التركية تعمل على تأمين الممرات التي تعبر منها قوات المعارضة السورية المعتدلة باتجاه مدينة جرابلس.

وتعليقًا على تصريح “صالح مسلم” رئيس منظمة “ب ي د” (الذراع السوري المسلح لمنظمة بي كا كا)، بشأن عملية “درع الفرات”، أكد أن تركيا ستخسر الكثير في المستنقع السوري، مضيفًا: “أستغرب من موقف مسلم المشكك لعملية درع الفرات، ألم يكن هو من يدّعي بأنه يكافح داعش، فلماذا يستاء من مكافحتنا لهذا التنظيم، والحقيقة علينا أنّ نشكر مسلم على مساهمته في كشف نواياه الحقيقية أمام المجتمع الدولي، فهذا الشخص لا يهمه مكافحة داعش بقدر ما يهمه إقامة دولته الكردية في شمالي سوريا، وهنا لا بد أن أذكّر بأنّ على عناصر (ب ي د) المنضوية ضمن قوات سوريا الديمقراطية، التي حررت مدينة المنبج من تنظيم داعش، الانسحاب إلى شرق نهر الفرات بأسرع وقت، وإلّا فإننا سنقوم بما يجب فعله لإخراج هذه العناصر من غرب الفرات”.

وأوضح وزير الداخلية التركي، أفكان آلا، أنّ تركيا لا يمكنها ان تظلّ مكتوفة الأيدي حيال ما يجري في شمالي سوريا، من تهديد مباشر على أمن حدودها ومواطنيها، مبينًا أنّ منطقة “قارقاميش” المتاخمة لمدينة جرابلس السورية، تلقّت في يوم واحد 9 قذائف هاون أُطلقت من قِبل تنظيم “داعش”.

وأوضح أنّ الخطر المتعاظم على تركيا من هذه المنطقة (شمالي سوريا) صريح وموجود، وأنّ تركيا لا يمكن أن تسكت على ذلك ولن تمنح فرصة للمنظمات الإرهابية بتهديد أمنها واستقرارها، مشيرًا إلى أن عملية “درع الفرات” ستضمن أمن حدود تركيا ومواطنيها، وأنها تقوم بما يجب وتأخذ زمام المبادرة، مع وضع الحساسية الدولية في هذا الخصوص بعين الاعتبار”، وأن هذه العملية بمثابة دعمٍ للمعارضة السورية المعتدلة.

وأكد أنّ المبادرة العسكرية، التي أطلقتها أنقرة ستستمر في المنطقة، حتى إزالة التهديد الموجود على حدودها، منوّهًا بأنّ العديد من المنظمات الإرهابيية تمركزت في مدينة جرابلس، وأنّ تنظيم “داعش” يأتي في مقدّمة هذه التنظيمات، وأنّ بلاده تمتلك مشروعًا وصلاحية كاملة في تنفيذ العملية العسكرية في شمالي سوريا، مشيرًا إلى استمرار العمليات في هذا الإطار، وشدّد أنّ الهدف الرئيسي لتركيا هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وتحقيق طموحات شعبها، وتابع “لم تبقَ سوى تركيا في المنطقة تستطيع عرقلة المخطط الجديد الذي يحاك، ولذلك يتم استهداف استقرار تركيا، ويكثّفون هجماتهم ضدّ بلادنا عندما يعتقدون بأنّ استقرارنا قد تزعزع”.

وتخشى تركيا من سيطرة الأكراد على المزيد من المدن السورية، في ظل تراجع “تنظيم الدولة”، والخسائر التي مني بها، خصوصًا بعد معركة الأيام الستة في الحسكة السورية، تلك التي وقعت بين القوات الحكومية، والقوات الكردية المسيطرة على منطقة شمال شرق سوريا برعاية واشنطن وحماية طيرانها، وتفاقم الخلاف بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وبين دمشق، والتحالف بين حزب الاتحاد وحزب العمال الكردستاني، والتوصل إلى اتفاق هدنة بين الأكراد والنظام السوري، أهم بنوده قبول النظام السوري بالمساعدة بخصوص حل المشكلة الكردية بشكل نهائي، وخروج الجيش السوري وقواته الرديفة من مدينة الحسكة، لتتولى قوات الأمن الداخلي الكردي الأسايش حماية المدينة.

وطرح “اتفاق الحسكة”، تداعياته سياسية وإقليمية، خصوصًا العملية العسكرية التركية “درع الفرات” التي تستهدف “تنظيم الدولة” و”قوات سوريا الديمقراطية”.

عبداللطيف التركي – التقرير