لقاء غربي-عراقي سري في بيروت

لقاء غربي-عراقي سري في بيروت

xRTX21NI3.jpg.pagespeed.ic.iBEC1ymgDW

 من دون إعلام ولا تصاريح صحافيّة، شهدت بيروت بين 8 و11 آب/أغسطس 2016 لقاء من نوع خاصّ. على مدى أربعة أيّام، كان أحد فنادق العاصمة اللبنانيّة، مسرحاً لخلوة مطوّلة، بين طرفين قادمين من جهتين مختلفتين: الأوّل هو وفد دبلوماسيّ غربيّ مكوّن من عدد من الدول الغربيّة، فضلاً عن ممثّلين لمنظّمات غير حكوميّة. أمّا الطرف الثاني فلم يكن غير وفد قياديّ من الحشد الشعبيّ العراقيّ. أحيط اللقاء وأعماله ونتائجه بتكتّم كبير. لكنّ “المونيتور” التقى أحد المشاركين فيه، وهو أحد قادة فصائل الحشد الشعبيّ. وبشرط عدم كشف اسمه، كانت لنا معه هذه المقابلة، حول ما دار في بيروت، وما يدور في بغداد.

اللقاء عقد بسرية لأسباب عدة. أبرزها السبب الأمني، لجهة ضمان حماية الشخصيات الآتية من بغداد إلى بيروت، وبينها مسؤولون عسكريون. الأمر نفسه بالنسبة إلى الوفود الدبلوماسية الغربية. وخصوصاً لأن العلاقة بين الطرفين، بين الحشد الشعبي وبين تلك الدول الغربية، ليست معلنة.

غادر الوفد العراقيّ بيروت وكأنّه قد أخذ جرعة إضافيّة من الثقة بنفسه وموقفه ومستقبله. وقبل المغادرة، حرص محدّثنا على أن يعطينا موعداً جديداً لتطوّرات سياسيّة أكثر تقدّماً في العلاقة بينهم كفريق حشد شعبيّ وبين الغرب، “بعد تحرير الموصل”، كما قال. “فإذا كان وصولنا إلى الفلّوجة جاء بنا إلى بيروت، فلنتصوّر أين سنصل بعد الموصل”!

المونيتور:  ماذا يمكنك بداية أن تخبرنا عن ظروف انعقاد اللقاء الذي شاركتم فيه؟

ج:  جاء هذا اللقاء نتيجة مسعى من إحدى المنظّمات التابعة إلى الأمم المتّحدة، والعاملة في العراق اليوم. منذ أسابيع عدّة، طرحوا علينا كقيادة الحشد الشعبيّ” أن نلتقي بعدد من الدبلوماسيّين الغربيّين المعنيّين بالأوضاع العراقيّة والمهتمّين بتطوّرات الوضع في بلادنا. بعد تحريرنا الفلّوجة في أواخر حزيران/يونيو الماضي، صار مطلب الغربيّين لقاءنا أكثر إلحاحاً. بالنسبة إلينا، كانت المسألة الوحيدة المطروحة هي مسألة الوقت والمكان الآمن، إلى أن اتّفقنا على الاجتماع هنا في بيروت، وهذا ما حصل.

المونيتور:  من شارك في الاجتماع، هل يمكن كشف ذلك؟

ج:  من جهّتنا، كنّا وفداً يضمّ 12 شخصاً، يمثّلون معظم قيادات الحشد العشبيّ في العراق، بين قادة ألوية وسياسيّين ومسؤولين عن محتلف أنشطة فريقنا. أمّا الطرف الآخر فكان مؤلّفاً من خليط كبير من الدبلوماسيّين الغربيّين من دول عدّة، بينها النروج، إسبانيا، هولّندا، كندا أوستراليا، إيطاليا وألمانيا، فضلاً عن منظّمات غير حكوميّة، وطبعاً المنظّمة الأمميّة صاحبة المبادرة. وكان كلّ وفد غربيّ مكوّناً من مسؤول أو أكثر من وزارة خارجيّة بلاده، ومعه دبلوماسيّ أو أكثر من ممثّليّة بلاده في بيروت أو في بغداد. كان واضحاً أنّ طرفين أساسيّين معنيّين بقضيّتنا، وهما الأميركيّ والبريطانيّ، كانا غائبين عن اللقاء، مع أنّه كنّا قد سئلنا حين وجّهت إلينا الدعوة، عمّا إذا كان لدينا أيّ تحفّظ حيال الاجتماع بهم. وكنّا قد أكّدنا ألّا تحفّظات إطلاقاً. لكنّنا فهمنا لاحقاً من بعض المشاركين في بيروت أنّ الأميركيّين والبريطانيّين، فضلوا إجراء جسّ النبض الأوّل هذا معنا، بواسطة حلفائهم، قبل الإقدام على خطوة الحوار المباشر بيننا وبينهم.

المونيتور:  جسّ نبض حيال أيّ مواضيع؟ أيّ مسائل كانت موضع نقاش في هذه الخلوة؟

ج:  كانت ساعات طويلة من النقاشات والحوارات التي تناولت كلّ شيء تقريباً. لكن ما فهمناه من هدف الخلوة بالنسبة إليهم، يمكن اختصاره بالنقاط التالية: أولّاً، كان همّهم أن يستكشفوا نظرتنا حيال الوضع المستقبليّ للعلاقة التنظيميّة والمؤسّسيّة، بيننا كحشد شعبيّ وبين السلطات الحكوميّة العراقيّة. فهم يعرفون تماماً أنّ ثمّة مرسوماً حكوميّاً صدر، يحمل الرقم 91، وهو أقرّ دمج الحشد الشعبيّ بالسلطة العراقيّة الرسميّة، لذلك أراد الغربيّون أن يفهموا منّا إذا كنّا ننوي الاندماج الكامل ضمن الجيش العراقيّ. وكان جوابنا واضحاً، أنّنا سنكون كقوّة عسكريّة جزءاً من الدولة العراقيّة، لكن لا كجزء من الجيش العراقيّ، وذلك لأسباب كثيرة شرحناها لهم وأعتقد أنّهم تفهّموها. وأوضحنا لهم أنّنا سنكون جيشاً رديفاً خاضعاً إلى الدولة، على طريقة الحرس الثوريّ الإيرانيّ. ثانياً، أراد الغربيّون أن يستكشفوا مدى استعدادنا للاندماج ضمن العمليّة السياسيّة في العراق. وهنا أيضاً، كنّا واضحين، فأكّدنا لهم أنّنا بدأنا التحضيرات الكاملة لخوض الانتخابات التشريعيّة العراقيّة المقبلة في عام 2017. وكان واضحاً أنّهم يتوقّعون أن نحصد نتائج كبيرة في هذا الاستحقاق. ولذلك حرصوا على أن يسألوا عن تصوّرنا للتحالفات المقبلة ولشكل السلطة في بغداد في شتّى الاحتمالات، فضلاً عن تصوّرنا للكثير من المسائل المرتبطة بمفهوم الحكم، من علاقاتنا مع الأطراف العراقيّة الداخليّة، وصولاً إلى موقفنا من قوى المحيط ودول الجوار وكياناته.

المونيتور:  وماذا كانت أجوبتكم على تلك الأسئلة؟

ج:  كنّا واضحين وحاسمين بألّا عدّو لنا في أرضنا إلّا الإرهاب والمنظّمات التكفيريّة التي تجسّده، بدءاً بـ”داعش”، وكلّ ما عدا ذلك فلا مشكلة لدينا مع أحد. أمّا لجهّة علاقاتنا مع مختلف مكوّنات الشعب العراقيّ، فقد أكّدنا أنّنا كحشد شعبيّ منبثقون من كلّ شعبنا. أصلاً، لاحظ الغربيّون المشاركون في الخلوة من اللحظة الأولى أنّ وفدنا مكوّن من مختلف أطياف الشعب العراقيّ، إذ كان بيننا مسؤولون شيعة، إضافة إلى قائدين من قادة الألويّة السنيّة ضمن الحشد، فضلاً عن قائد لواء مسيحيّ أيضاً. أمّا عن دول الجوار، فشرحنا لهم أنّ ما نريده هو سيادة بلدنا واستقراره والانفتاح على كلّ المحيط. وهذا ما سنسعى إلى تحقيقه.

المونيتور:  هل ثمّة شيء خاصّ لفتكم في مجريات تلك الخلوة؟

ج:  هناك مسألة أجمع أعضاء وفدنا كلّهم على اعتبارها محور اللقاء الذي حصل، وهي طريقة تعاطي الوفد الألمانيّ معنا. فهو حرص على أن يلتقينا بمفرده طيلة يوم كامل، وعلى أن يعيد طرح كلّ الأسئلة في مختلف المواضيع. وبعد ساعات من الحوار، قال لنا كبير الوفد الألمانيّ ما مفاده: “نعتقد أنّكم تتّجهون إلى الفوز في الانتخابات المقبلة، وأنّكم ستكونون شركاء أساسيّين في حكم العراق. ولذلك علينا نحن كغربيّين، كما عليكم أنتم أيضاً، أن تعوا أهميّة ذلك وأن نبدأ وتبدأوا بالتصرّف على هذا الأساس”. في النهاية خرجنا بخلاصة أنّ الألمان كانوا يمثّلون فعليّاً الطرف الأميركيّ الغائب، وأنّ ما حصل خطوة تمهيديّة لاتّصالات لاحقة، بهذه الطريقة أو مباشرة.

المونيتور – التقرير