العروبة في ذمة التاريخ

العروبة في ذمة التاريخ

hqdefault

«يا خير جيش/ يا خير عسكر/ أنت الغضنفر/ في البحر فاظفر/ في اليد درع/ في اليد خنجر/ نحو الأعادي/ يا خير عسكر/ لو كل شيء/ في البحر يُنصر/ نحن ننادي/ الله أكبر الله أكبر الله أكبر/
جيشنا فليكن دوماً مظفر».
على وقع هذا النشيد العثماني الذي استعاده أردوغان، بعد عشرات السنين من إلغائه في عهد الجمهورية، غزا الجيش التركي شمال سورية لتحريره من «داعش» ومن الأكراد، وليحول دون انتقال الحرب الأهلية إلى أنقرة وإسطنبول. استعاد الرئيس السلطان أمجاد الرجل المريض عندما كان في عافيته. اقتحمت قواته «ولاية» تمردت عليه لتأديب سكانها وحاكمها، مستعيناً بعثمانيين من أبنائها. تماماً مثلما كان يفعل أسلافه.
لم يعد المشهد السوري من أنقرة عصياً على الفهم. الغزو التركي أوضح ما يريده «حلفاء» النظام وحلفاء «المعارضة»، بإرهابييها ومعتدليها، بأكرادها وعربها. أردوغان حقق ما أراده منذ اليوم الأول للمقتلة المستمرة من خمس سنوات، وبفضل هذه المقتلة. لم يعد يهمه بقاء الأسد أو رحيله. أصبح لديه من يدافع عن مصالحه. مهمته الآن دعم «جيوشه» السورية المتعددة الأسماء: نور الدين زنكي، السلطان مراد الرابع، أحرار الشام، الجيش الحر، صقور الجبل، إلى آخره من أسماء «الجيوش» الموالية له.
ليست لأردوغان أطماع في الأراضي السورية. كل همه وحدتها، على ما قال. الدليل أنه وضع حداً لـ»روج آفا» (كردستان الشرقية)، والدليل الآخر أن احتلاله جرابلس جرى بالتنسيق مع الولايات المتحدة. وتزامن مع وجود جو بايدن الذي عمل على توحيد العراق في السابق. والأهم من ذلك أنه طرد «داعش» من دون طلقة رصاص واحدة.
هل تذكرون شارون عندما غزا لبنان وأعلن أن لا أطماع له في شبر من الأرض، وأن هدفه طرد «المخربين الفلسطينيين»، وإعادة السيادة إلى لبنان؟ هل تذكرون «جيش لبنان الجنوبي» بقيادة سعد حداد، ثم أنطوان لحد؟ كان هذا «الجيش» لبنانياً «تبرعت» بتشكيله إسرائيل لحماية الشريط الحدودي (المنطقة الآمنة بلغة أردوغان) وإدارته بإشراف «الأصدقاء»؟ هل تذكرون كيف احتل «جيش الدفاع» بيروت بالتعاون مع الميليشيات المنادية بالاستقلال؟ يومها كان الغزو الإسرائيلي بغطاء أميركي كامل. أرسلت واشنطن قواتها لحماية الإنجازات العسكرية الإسرائيلية وترجمتها سياسياً. واستمرت الحرب الأهلية اللبنانية أكثر من 15 سنة. واليوم غزت تركيا سورية بغطاء عسكري وسياسي أميركي. وبالتفاهم مع طهران وموسكو وتل أبيب التي لديها أيضاً مشروعها في إقامة منطقة عازلة أو آمنة، سمّها ما شئت، على الحدود الجنوبية. وقد مهدت لذلك منذ بداية الحروب السورية. ولديها، مثل تركيا، من يتعاون معها من الميليشيات.
سوريون يحاصرون بلادهم من الداخل، والقبائل الإسرائيلية تحاصرها من الجنوب والعثمانيون الجدد من الشمال، أما من الشرق فعراق مقسم تحكمه الطوائف بإشراف الجيش الأميركي. أما شعارات العروبة والوحدة والحرية والاشتراكية والأمة ذات الرسالة الخالدة فأصبحت في ذمة التاريخ. ولا تسأل عن الروح الوطنية والقومية فقد أصبحتا من الماضي.

مصطفى زين

نقلا عن الحياه