إيران رأس الأفعى والباقي تفاصيل

إيران رأس الأفعى والباقي تفاصيل

146809609633

بعد أقل من شهر على الانتصار الذي حققته كتائب الثوار وفصائل المعارضة المسلحة في حلب، والذي وصف من قبل الكثيرين بأنه صفعة قوية وجهت للنظام وحلفائه، تأتي هزيمة داريا لتشكل انتكاسة لم تكن في الحسبان، فالمدينة التي استطاعت الصمود لأكثر من ثلاث سنوات والتي تحولت إلى واحدة من الأيقونات التي يتغنى بها معسكر الثورة باتت الآن في قبضة النظام لا من خلال عمل عسكري، وقد فشلت العشرات من المحاولات لاقتحامها وهي التي تعرضت للحصار والقصف المتواصلين طيلة السنوات الماضية، ولكن من خلال اتفاق شبيه بتلك الاتفاقات التي عقدت سابقا في الزبداني وحمص القديمة والتي نصت على إفراغ المدينة من ساكنيها وثوارها، وتسليمها كاملة لقوات النظام كي تعيد تأهيلها ديمغرافيا بما يتماشى مع المشروع الإيراني الذي حول مدينة الزبداني الجبلية إلى معسكر مفتوح لعناصر ميليشيا حزب الله، وليس مستبعدا أن تصبح داريا مقرا للآلاف من المرتزقة الطائفيين الذين قامت إيران بجلبهم من مختلف بقاع الأرض لقتال الشعب السوري، علماً أن داريا كانت واحدة من الذرائع التي ساقتها إيران لتبرير تدخلها في سوريا بحجة حماية المقامات المقدسة.

إذ لم تكد تمر سوى أشهر قليلة على بدء الثورة السورية حتى برزت إيران لاعبا أساسيا في دعم النظام وإسناده في مواجهة الشعب، عبر تقديمها الاستشارات العسكرية في قمع التظاهرات السلمية وإخماد الاحتجاجات، وهي التي تمتلك خبرة لا يمكن الاستهانة بها، كما أوفدت إيران في وقت مبكر ميليشيا حزب الله، لتكون معينا لقوات النظام التي بدت ومنذ اللحظات الأولى غير قادرة على مقاومة الهبة الشعبية، خاصة وأن معظم المقاتلين في تلك القوات كانوا ينتمون إلى المناطق الثائرة وقد انشق الكثيرون منهم والتحقوا بالثورة، سواء في مرحلتها السلمية أو في ما بعد ذلك حين تحولت إلى ثورة مسلحة، واستطرادا إلى حرب تحرير شعبية.

وقد برزت إيران مقررا أول لكيفية التعامل مع الأمور، فلم يُضع أي من مسؤوليها أو وسائل إعلامها الفرصة ليؤكدوا في كل مرة أن الشعب السوري برمته هو شعب يسير في ركب مؤامرة عالمية تستهدف محور المقاومة الذي تتزعمه إيران، وتشكل سوريا قلعته الأخيرة حسب شعاراتهم. وظهر رأس النظام السوري في أحسن حالاته محافظا لواحدة من المحافظات الإيرانية، وكان مهدي طانب وهو أحد كبار مساعدي المرشد الإيراني علي خامنئي قد أكد أن سوريا هي محافظة إيرانية وأن الدفاع عنها بمثابة الدفاع عن قم وطهران.

وإذا كان الدور الإيراني قد بدأ بالانحسار نظريا منذ أن أعلنت موسكو بدء تدخلها العسكري في سوريا أواخر سبتمبر عام 2015، فقد تصدرت العمليات العسكرية الروسية المشهد، وبات الدور الإيراني ثانويا أو على الأقل هكذا بدا للملاحظين من الخارج، فروسيا هي التي تشن الغارات الجوية وهي التي تستهدف المناطق والمدن الثائرة، أما الإيرانيون فقد أوحوا للعالم بأنهم إنما يكتفون بدور المتفرج، لكن الحقيقة تشير إلى عكس ذلك فالقوات الفاعلة على الأرض هي قوات إيرانية أو موالية لها، وجميع المعارك صغيرة كانت أم كبيرة يبرز فيها قادة الحرس الثوري الإيراني في غرف العمليات وحدهم، ويكتفي كبار القادة العسكريين السوريين بالتقاط الصور وهم يقفون خلف قاسم سليماني، وتؤكد شهادات أدلى بها عسكريون منشقون أن الضباط السوريين لا يؤخذ رأيهم في أي تحرك عسكري، وقد حدث استياء داخل صفوف بعض الوحدات العسكرية بسبب الهيمنة الإيرانية.

وفيما تنشغل موسكو بملفات عديدة تعمل على تسويتها من خلال مشاركتها في الصراع السوري وكسب نقاط في مواجهة الولايات المتحدة ، وقد أبدت في مرات عديدة رغبتها في التخلص من هذا الملف الشائك والوصول إلى حل يضمن لها الخروج الآمن قبل أن تتورط أكثر في ما بات يعرف بالمستنقع السوري، فإن إيران تعتبر سوريا مشروعا بحد ذاته، وهي ليست مستعدة للمساومة أو حتى لإتاحة الفرصة أمام هدنة مهما كانت صغيرة وهي تواصل عملها على الأرض دون كلل أو ملل، وترسم طريق القدس المزعوم عبر حلب وحمص وصولا إلى داريا، وربما لاحقا في دوما وحرستا وباقي مدن غوطة دمشق فتمارس تطهيرا وتهجيرا طائفيين لتلك المناطق، وتعمل على إخلائها من سكانها لتضمن تحول سوريا إلى كيان تابع لها شكلا ومضمونا على غرار ما فعلته وتفعله في العراق ولبنان.

ثائر الزعزوع

العرب اللندنية