ما سر إدمان الولايات المتحدة للحروب المستمرة؟

ما سر إدمان الولايات المتحدة للحروب المستمرة؟

 bandow

اتبعت الحكومتان الأخريان في أمريكا، سواء عن طريق الحزب الجمهوري أو الديمقراطي سياسة الحروب المستمرة، وللأسف كانت عواقبهم سيئة للغاية، فكل تدخل من أمريكا في شؤون غيرها، مهد لصراع أكبر.

ورغم ذلك ما زال صنّاع هذه القرارات الفاشلة يدَّعون أن كل شيء كان من الممكن أن يسير في الاتجاه السليم لو أن واشنطن قامت بمجهود أكبر وأكثر حزمًا. فأساس المشكلة من وجهة نظرهم لا يكمن في دخول أمريكا الحرب،ظشظ ولكن في أن أمريكا تأخرت في اتخاذ قرار الدخول في حرب من الأساس.

واتخذ هذا القرار وفقًا لاقتناع أمريكا أنها قادرة على حل كل المشكلات العالمية.

لو كان هناك شخص ما ذكي جدًا، غير معروف اسمه، ليطبق هذه الاستراتيجيات النظرية العظيمة المدعومة بمواطنين حازمين مجهولي الهوية، لرُدِع الإرهاب وهُزمت داعش وارتضت روسيا، ونجح غزو العراق وعمَّ السلام في سوريا واتحدت ليبيا وشعرت الصين بالاحترام والتقدير!.

ولكن مع الأسف، خبراتنا توحي إلينا أن مثل هؤلاء الأشخاص والسياسات لا وجود لها، وإلا لماذا انتهت كل العمليات العسكرية الأخيرة بنتائج سيئة للغاية؟، وبما أن العوامل الصحيحة للنجاح لم تكن حاضرة في خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، فلماذا نتوقع أن تحدث في الخمسة عشر عامًا المقبلة؟

فالمشكلة الكبري هي الاقتناع أن الحل دائمًا هو التدخل العسكري. كان يجب على الجنود أن يبقوا لمدة أطول أو استخدام قنابل أكثر أو فرض منطقة حذر جوي لفترة أطول، دون أن  يهتم أي من المؤيدين لهذه الأفكار بشرح أسباب ونتائج هذه السياسات التي كان من المفترض تطبيقا.

فمثلا لم يلق أي تدخل عسكري نقدًا عالميًا من محللين للسياسات الخارجية مثلما حدث مع الغزو العراقي. حيث أشعلت الحرب على العراق شعلة الصراع الطائفي، والتي تسببت في قتل مئات الآلاف من العراقيين، وهدم المجتمع المسيحي، ونتج عنه تأسس القاعدة في العراق التي تحولت الآن إلى داعش، وبسببها زادت نفوذ إيران.

وعلى الرغم من ذلك، اعتبرت حرب العراق انتصارًا للرئيس الأمريكي جورج بوش، وهو نفسه الانتصار الذي بدده الرئيس باراك أوباما من بعده بسحبه للقوات الأمريكية من العراق.

وعلى الرغم من امتلاك بوش، آن ذاك جنود من أعلى المستويات ممسكا بذلك موازين القوه, فشل في الحصول على موافقة العراق على اتفاقية وضع القوات. ولو كانت أمريكا حاولت إجبار بغداد على الموافقة باستمرار الاحتلال الأمريكي لكان استُهدِف الجنود الأمريكيون من قبل متطرفي الشيعة وإرهابي السنّة.

فكان الحل الوحيد لأمريكا لمنع ظهور داعش وإطاحة النظام العراقي الطائفي، هو التدخل العسكري مع احتمالية وجود عواقب كارثية. فلم يكن هناك أى مساندة محلية لمثل هذه الخطوة خصوصًا بعد وعود إدارة بوش الفاشلة وتوقعاتهم غير الواقعية.

ويقال أيضًا، إنه كان من الممكن أن ينجح التدخل في ليبيا لو أن الغرب تدخل لبناء ليبيا. ولكن أي شعب في العالم يفضل دائمًا أن يحكم نفسه. فلم يكن الشعب الليبي المنتصر بعد إطاحة حكومة القذافي، ليرحب بالتدخل العسكري الامريكي. ولا يوجد أي سبب يبرر أن أي من هذه الجهودات ستؤل إلى نتائج أفضل مما حدث في أفغانستان والعراق.

أما في ما يخص سوريا، يقول البعض، إن أمريكا عاملت بشار بحزم أكثر لتم الإطاحة ببشار الأسد وتولى كل من توماس جيفيرسون السوري وجورج واشنطن زمام أمور سوريا، وما ظهرت داعش أبدًا. يا لها من قصة رائعة، ولكنها لا تتطرق إلى ظهور الطائفية في العراق بعدما أطاحت أمريكا بالديكتاتور العلماني صدام حسين، ففي حالة أن أمريكا أطاحة ببشار الأسد، كان هذا سيثير مرحلة جديدة من الصراع المر للسيطرة على سوريا.

ولم يكن هناك دعم أمريكي محلي لزيادة التدخل في شؤون سوريا، فعارض الكونجرس مبدأ الضربات الجوية عندما مررت الإدارة الأمريكية القرار له، فكان من الممكن أن يؤدي بعض من التدخل العاطفي إلى انتصار سريع من قبل ما يطلق عليهم المتمردين المعتدلين، متناسيين بذلك التجارب السابقة المخيبة للآمال.

أما في أفغانستان، من المفترض أن بقاء الجيش الأمريكي في أفغانستان يساعد حكومة كابول على خلق ديمقراطية مستقرة وصريحة في وسط آسيا. وعلى الرغم من الدعم العسكري لأفغانستان من آلاف الجنود العسكرية المتحدة وإنفاق مئآت ملايين الدولارات، لا تزال تفقد السلطات الأفغانية سيطرتها على أراضيها حتى بعد مرور 15 عامًا، والإبقاء على بعض الآلاف من الأفراد القتالية على الجبهة حتى هذه اللحظة، لن يساعد إلا على إبطاء عملية انهيار الحكومة المعروفة بالفساد وعدم الكفائة.

ويدّعي آخرون، لو أن إدارة أوباما فرضت اتفاقية “الخط الأحمر” المشهور بها أوباما على استخدام الأسلحة الكميائية في سوريا، لكان لدى واشنطن المصداقية الكافية لمنع روسيا من الاستيلاء على شبه جزيرة القرم، ووقف الصين عن توسعاتها الحدودية التي احتوت على الجزء الأسيوي من المحيط الهادي، لكن أمريكا اعتبرت أن التضحية ببعض من المصداقية أفضل من العمل وفقًا لتحذيرات بلهاء بشن أمريكا لحرب عليها. على أي حال تجبر أي محاولة أمريكية للضغط على موسكو وبكين المسلحين نوويًا أن يثبتوا أنهم لا يخافون من تهديدات واشنطن.

ولن تقدر أمريكا على إصلاح تجربتها الكارثية من تدخلاتها الجائرة، باستخدامها لألعاب “ماذا لو”، وباستخدام أمريكا لنفس الأساليب في حل الصراعات الدولية، ستنتهي بها الأمور إلى النتائج السابقة نفسها، فيجب أن تتوقف أمريكا عن إنفاق المزيد من مئات الملايين من الدولارات التي لا تملكها من الأساس على محاولات محكوم عليها بالفشل من أجل حكم العالم.

ناشيونال إنترست – التقرير