باخرة”الحسين”…نحو اكتمال المثلث المنتهك لسيادة العراق

باخرة”الحسين”…نحو اكتمال المثلث المنتهك لسيادة العراق

باخرة ـ عراقية ـ الحسين ـ إيران

لا يعدم النظام الايراني المتحكم بالعراق، أي فرصة كي يثبت عبر ممارساته المتغطرسة، بأنه أي العراق ما بعد عام 2003م، يخضع بشكل كلي للتأثير الايراني. ففي الثامن والعشرين آب/ أغسطس الماضي احتجزت الشرطة البحرية الايرانية باخرة “الحسين” العراقية عند مغادرتها ميناء ابو فلوس في البصرة ، واصطحبت طاقم الباخرة إلى الجانب الإيراني. لكن الملفت والغريب في هذا الاحتجاز الذي قد يكون سابقة في تاريخ البحري أنه تم داخل البحر الاقليمي العراقي وهو انتهاك صريح وواضح لاتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م، والتي دخلت حيز التنفيذ الفعلي في عام 1996م. إذ يعد هذا الاحتجاز مرحلة متقدمة من صلف النظام الايراني في التعامل مع العراق ومقدراته. فهذا الصلف ليس بحاجة أن يقوم بقرصنة الباخرة العراقية في أعالي البحار، أو احتجازها في حال المرور في مناطق ولايته البحرية كبحره الإقليمي، أو منطقته المتاخمة، أو منطقته الاقتصادية، أو جرفه القاري، وإنما أراد أن يتم الاحتجاز للباخرة العراقية في بحر الاقليمي العراقي، كشكل من أشكال تصريف فائض القوة لدى النظام الايراني إزاء عراق ما بعد 2003م، .وانعكاسا لاستخفاف النظام الايراني بالسيادة العراقية، وامتدادا لسياسة الهيمنة الإيرانية القائمة تجاه العراق منذ سنوات

ولا يعتبر هذا الانتهاك الصريح لسيادة العراق على مجاله البحري من قبل شرطة البحرية الإيرانية هو الأول من نوعه، فقد قامت تلك الشرطة منذ عام 2003م وحتى يومنا هذا باحتجاز صيادين أسماك عراقيين. لكن الأمر هذه المرة تطور وأصبح خطراً إذ لم يعد الاحتجاز يقتصر على صيادين، وإنما على بواخر عراقية وداخل البحر الإقليمي العراقي!  فهذا الاحتجاز إن مرّ من قبل الحكومة العراقية مرور الكرام، ولن يكون هناك أي احتجاج رسمي من قبل الحكومة العراقية، فإن ذلك سيعرض عملية التجارة الخارجية(التصدير والاستيراد) العراقية للخطر، لك أن تتخيل أو تتوقع أن تقوم الشرطة البحرية الايرانية باحتجاز باخرة أو عدة بواخر محملة بالنفط العراقي الذي يعتبر شريان العراق الاقتصادي، وهي متجهة إلى الأسواق العالمية عبر الخليج العربي، وهذا الأمر إن حدث سيعمق من أزمة الاقتصادية العراقية الخانقة، ناهيك عن أزماته السياسية والأمنية والعسكرية. كما أنه سيحرجها حرجاً شديدا ويظهرها بمظهر الضعف وعدم القدرة على اتخاذ اي اجراء دبلوماسي او اقتصادي ضد الممارسات الايرانية البحرية، والعكس صحيح بالنسبة لعملية الاستيراد. وفي هذا السياق نتساءل؟ هل النظام الايراني بحاجة للقيام بهذا الاحتجاز كي يبرهن سطوته على الدولة العراقية؟ فالنظام السياسي العراقي الذي تأسس بعد عام 2003م، نظام مُستلب سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا للنظام الايراني. أم أن هذا الاعتداء هو رسالة لدول الخليج العربي بأن سفنكم وبواخركم المارة عبر مضيق هرمز لن تكون بمنأة عن أي تحرش ايراني في حال تصاعد منسوب التوتر في علاقة النظام الايراني مع دول الخليج العربي؟

من زاوية التحليل السياسي الموضوعي يوصف ما قامت به الشرطة البحرية الايرانية في احتجازها الباخرة وطاقمها انتهاكاً للسيادة البحرية العراقية، لكن من زاوية النظام الايراني المبنية على قَضِم العراق لا يفهم الاحتجاز على ذلك النحو، وتصريحات المسؤولين في النظام الايراني خير دليل على ذلك ومن هذه التصريحات، وتصريح علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني لشؤون القوميات والأقليات المذهبية الذي صرّح في آذار/مارس عام 2015م بالقول:”إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”، وذلك في إشارة إلى إعادة الامبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها. وتصريح حسن هاني زادة مدير وكالة مهر للأنباء في آذار/مارس من ذلك العام  عندمال قال:” إن الأوان قد آن لأن يقول الشعب العراقي كلمته الأخيرة وأن يختار بين العروبة المزيفة الجاهلية وبين الإسلام الحقيقي وينفض ثوبه من تراب الذل العربي‎، أن الشعبين الإيراني والعراقي تربطهما وشائج دينية وتاريخية رغم التجاذبات في العلاقات بمراحل تاريخية”. فهذين التصريحين “غيض من فيض” من مجمل التصريحات الايرانية التي ترى في العراق جزءا لا يتجزأ منها، وبالتالي فإن احتجاز الباخرة العراقية في المجال البحري العراقي لا يشكل احراج  لصانع القرار السياسي في طهران لأنهيرى في المجال البحري العراقي امتداه لمجاله أيضاً.

 في تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي اقتحم آلاف الزوار الايرانين الذين لا يحملون تأشيرة دخول للعراق منفذ “زرباطية” الحدودي في محافظة واسط التي تقع وسط العراق بذريعة إحياء “أربعينية” الإمام الحسين، حيث أثاروا فوضى عارمة تسببت بخسائر مادية وإصابات بين حرس الحدود  ولم يصدر من الحكومة العراقية سوى اتهام وزارة الداخلية العراقية للحكومة الايرانية بتعمّد حادثة الاقتحام لفرض دخول الإيرانيين إلى العراق دون تأشيرات. ويمثل هذا السلوك انتهاكا للمجال البري العراقي. وباحتجاز باخرة”الحسين العراقية” قبل أيام انتهك النظام الايراني المجال البحري للعراق، ولم يبق للنظام الايراني سوى انتهاك المجال الجوي العراقي كي تكتمل أضلاع المثلث القائم الزاوية المنتهك لسيادة العراق .

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية