ماذا لو كانت الفوضى هي السياسة التي تحكم الشرق الأوسط؟

ماذا لو كانت الفوضى هي السياسة التي تحكم الشرق الأوسط؟

xisis-caliphate.jpg.pagespeed.ic.q2ozkdZMH2

تتلخص السياسة الفاشلة التي تحكم الشرق الأوسط في كلمة تتكون من 9 أحرف، ألا وهي “الاستقرار” الذي يعدّ قلب وروح بناء الأمة؛ إنها العبء الذي تتحمله الحكومات المسؤولة في أكثر الأماكن غير المسؤولة من العالم، أولاً تقوم بإرسال خبراء لمعرفة ما الذي يساهم في زعزعة استقرار بعض الأماكن القمعية التي تعدّ أهم صادراتها الأوبئة، مثل الملاريا وقطع الرؤوس.

يمكنك تعليم السكان المحليين الديمقراطية والتسامح وتخزين الرؤوس المقطوعة داخل حاويات، ثم إذا لم ينجح ذلك، يمكنك إرسال المستشارين العسكريين لتعليم أمراء الحرب المحليين – الذين هم في الانتظار – كيفية محاربة المقاتلين المحليين بشكل أفضل، وكيفية إسقاط حكومتهم في انقلاب عسكري، وأخيرًا، يمكنك إرسال الجيش، ولكن هذا سيكون دمويًا، وسيسبب الفوضى كما سيكون مكلفًا جدًا.

لذلك في أكثر من مرة نرسل علماء الاجتماع من أجل كتابة التقارير لدبلوماسيينا، التي من شأنها أن تشرح الأسباب التي تجعل الناس منذ زمن سحيق يقتلون بعضهم البعض في المنطقة، وكل ذلك بسببنا.

إن الافتراض المركزي هنا هو الاستقرار؛ حيث أننا نفترض أن الاستقرار أمر إيجابي، إلا أنه غير مثبت تمامًا وحتى أنه يبقى أطروحة هشة إلى حد ما، وقد أراد البريطانيون الحصول على الاستقرار من خلال تكرار النظام الملكي عبر سلسلة من التابعين في الشرق الأوسط، بينما كان آخر التابعين هو ملك الأردن، وهو ابن منى الحسين، حيث تلقى تعليمه في الأكاديمية العسكرية الملكية، في ساندهيرست، وحاول حاليًا منع انتفاضة الإخوان المسلمين الفلسطينيين.

وفشلت التجربة البريطانية في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط فشلاً ذريعًا، ففي غضون عشر سنوات، اضطرت الحكومة البريطانية إلى التحول من دعم الهجوم المصري على إسرائيل للتحالف مع الدولة اليهودية، في محاولة فاشلة لوقف استيلاء مصر على قناة السويس.

إن محاولة التجربة الأمريكية تصدير نموذجنا الخاص من الحكومة للمسلمين لم ينجح كذلك؛ خاصة وأن الشرق الأوسط لا يزال يتمتّع بنظام ملكي، وحتى أوباما والربيع العربي لهيلاري كانا بمثابة المحاولة لتحقيق الاستقرار عن طريق استبدال الطغاة الاشتراكيين القدامى، وأتباعهم بالإسلاميين السياسيين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين.

قد يكون الوقت قد حان للاعتراف أنه بمنع عودة الإمبراطورية العثمانية لن يتحقق الاستقرار في الشرق الأوسط في أي وقت قريب، فتصدير الديمقراطية لم ينجح كما أن منح السعوديين الحرية للسيطرة على سياستنا الخارجية لم ينجح، فضلاً عن محاولة دفع إسرائيل إلى تقديم تنازلات إلى الإسلاميين لم ينجح كذلك.

إذا كان الاستقرار غير قابل للتحقيق، ربما علينا أن نتوقف عن محاولة تحقيق ذلك.

الرهانان الأكثر نجاحًا في العالم الإسلامي، أحدهما عمدًا والآخر عن غير قصد، نجحا في زرع الفوضى بدلاً من محاولة تعزيز الاستقرار، لقد ساهمنا في كسر الاتحاد السوفيتي عن طريق تغذية الفوضى في أفغانستان، ومن ثمّ تمّ السماح لإيران وحلفائها الإرهابيين في كل من سوريا بقصف المدنيين.

إذا لم نتمكن من العثور على مركز للاستقرار، ربما حان الوقت بالنسبة لنا لاحتضان الفوضى نظرًا لأنها تجبرنا على إعادة النظر في دورنا في العالم؛ خاصة وأن الاستقرار يعدّ نموذجًا عفا عليه الزمن، ومن المفترض أن يتجه العالم نحو الوحدة، فبإصلاح بؤر التوتر سنكون جاهزين لحكومة عالمية.

إن الأمم المتحدة ليست سوى مركزًا لتبادل الحكام المستبدين؛ فالقانون الدولي هو خارج معنى المنازعات التجارية، والعالم لا يتجه نحو الوحدة، بل نحو الفرقة، حتى الاتحاد الأوروبي لم يعد متّحدًا كما في السابق، فمفهوم الشرق الأوسط في أن يصبح الفرد مواطنًا صالحًا لبعض الحكومات العالمية هي خرافة أدلى بها دبلوماسيون؛ لقد حان الوقت للتعامل مع العالم كما هو والتساؤل حول أسباب أهدافنا.

علينا نسيان كل ما يتعلّق بالنفط، إذا لم نتمكن من تلبية احتياجاتنا من الطاقة، سيكون علينا إنفاق عشرة أضعاف ما ننفقه من أجل حماية شعوبًا غيرنا.

السؤال الذي لا بدّ أن يطرح حاليًا هو ما الذي نريد فعلاً تحقيقه في الشرق الأوسط؟

نريد وقف الإرهابيين والحكومات الإسلامية من إيذائنا، إذ أن محاولة تحقيق الاستقرار في الدول الفاشلة ودعم أو استرضاء الحكومات الإسلامية لم تنجح، وربما علينا أن نحاول زعزعة استقرارهم، وبهدف دعم الفوضى، علينا أن نتوقف عن التفكير بطريقة دفاعية حول الاستقرار وأن نباشر التفكير بشكل عدواني حول زراعة عدم الاستقرار، فكل مجموعة إرهابية إسلامية لديها خصوم وأعداء ينتظرون للانقضاض علينا.

عندما حاول البريطانيون والفرنسيون إسكات ناصر، قام أيزنهاور بحمايته عبر التهديد بانهيار الجنيه الإسترليني، ولكن ماذا لو كنا على استعداد لمعاملة “حلفائنا” المسلمين الذين يملؤون خزائن الجماعات الإرهابية، بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع حلفائنا غير المسلمين الذين لا يستطيعون حتى التحليق بطائرات قرب البنتاغون؟

لقد قضينا العقود القليلة الماضية في الضغط على إسرائيل لعقد صفقات مع الإرهابيين، ولكن ماذا لو بدأنا الضغط على الدول الإسلامية بنفس الطريقة للتعامل مع حركاتها التي تطالب بالاستقلال؟

إن الأطروحة المضادة تبدو واضحة؛ إن توريد الأسلحة قد ينتهي في نهاية المطاف في أيدي الجماعات الإرهابية، ولكن العالم الإسلامي هو بالفعل سوق للأسلحة، وتجدر الإشارة إلى أن الإرهاب لا يزدهر في الدول الفاشلة، ولكنه يتغذى على أفضل وجه عندما يُدعم من قبل الدول الناجحة، فهل ستكون الفوضى في كل من سوريا ونيجيريا واليمن ممكنة دون الثروة والسلطة التي تقدّمها كل من المملكة العربية السعودية وقطر وإيران؟ هل يجدر بنا الخوف من الدول الإسلامية غير المستقرة أو المستقرة؟

هذا هو حقًا السؤال الأساسي الذي يجب أن يطرح لأنه يمس حقًا من المفارقة الإسلامية المعتدلة.

هل حقًا يعد الجهادي أكثر خطورة من حليفه؟

إذا كنا نعتقد أن السعوديين والقطريين حلفاؤنا، وأن الإسلاميين السياسيين هم المعتدلون الذين يمكنهم دمج الإسلام والديمقراطية معًا، إذًا سيبدو نموذج الاستقرار منطقيًا، ولكننا سرعان ما ندرك أنه لا يوجد شيء يشبه الجهاد الحضاري المعتدل، ونواجه حقيقة أن التهديد الحقيقي لا يأتي من الدول الفاشلة أو من الجماعات الإرهابية المضطربة، ولكن من الوحدة الإسلامية.

وبمجرد أن نقبل بأن يكون هناك صراع الحضارات، ستصبح الفوضى السلاح الحضاري المفيد، لقد فرّقنا الإسلاميون بشكل فعال، واستغلوا الخصومات والمشاحنات السياسية، لتحقيق مكاسبهم ومصالحهم الخاصة، لقد استخدموا الفوضى السياسية الخاصة بنا، وحريتنا وخلافاتنا، ضدنا، ولقد حان الوقت لأن ننتقل إلى أبعد من النموذج الفاشل في محاولة لتوحيد العالم الإسلامي تحت القانون الدولي بدلاً من محاولة تقسيمه وتفريقه.

فالفوضى هي عدوة للحضارة، ولكننا لا يمكننا إنشاء نظامنا، الذي يقوم على التعاون والحقوق الفردية، إلى العالم الإسلامي، وبالتالي ستحلّ الخلافة محل هذا النظام، إلا أن الفوضى ستكون الطريقة الدفاعية المثلى ضد الخلافة.

فرونت بايدج – التقرير