ستختفي دول. فما الذي ينتظره العرب

ستختفي دول. فما الذي ينتظره العرب

1-3

لا تدعو الأحوال في العالم العربي إلى التفاؤل. حتى أن التفكير في ألا تكون الأمور في الغد أسوأ مما هي عليه اليوم يمكن اعتباره نوعا من السذاجة. فالواقع يقول إن الأمور هي أسوأ مما نرى أو نشعر أو حتى نحدس.

نقول “لقد سبقنا الواقع” من أجل ألا نقول “لقد غدر بنا”. فهو في حقيقته من صناعتنا. ما كان للواقع العربي أن يكون على هذه الدرجة من السوء لولا مساهماتنا الفردية والجماعية على حد سواء. هل علينا أن نلوم الإيرانيين في العراق مثلا؟

كان أجدر بالعراقيين وقد اختبروا محنة الاحتلال الأميركي الذي أسقط دولتهم وشرذم جيشهم أن يحافظوا على الأقل على نسيجهم الاجتماعي، ليكونوا قادرين من خلاله على الدفاع عن وجودهم. كان أجدى لهم أن يبقوا شعبا موحدا في مواجهة الكارثة التي ضربتهم جميعا.

لم تكن الكارثة العراقية قدرا لا يمكن تفاديه. فهي صناعة استعمارية، وهبها العراقيون طابعا محليا، حين رضوا أن يتم استبدال هويتهم العراقية الجامعة بهوياتهم العرقية والطائفية المفرقة، فغدوا في حال أضعف مما هم عليه في حقيقتهم. لقد غدر العراقيون بأنفسهم حين صنعوا واقعا لا يمثلهم.

وقد تكون اللعبة في سوريا أكثر إتقانا. وهو ما تعلمه الآخرون من درس العراق ولم يتعلمه أحد من العرب. كل ما قيل عن سرقة الثورة السورية هو كلام باطل وليس حقيقيا. فإن تكن تلك الثورة قد بدأت بشعار “الشعب السوري واحد” لتنتهي إلى ما هي عليه اليوم من حرب طائفية فذلك أمر مخطط له منذ البداية.

في البدء تقدم المشهد أساتذة جامعيون وتقنيو سياسة ورجال أعمال، ولكن سرعان ما طُلب منهم أن يهبوا أصواتهم لحزبيين قادمين من قاع المنظمات الدينية المتشددة.

كان منسق المشهد السوري وهو مخرجه حريصا على أن يبدو معارضو نظام بشار الأسد مدنيين، وهو ما ألهم السوريين يومها أملا في انتصار ثورتهم، غير أن الحاجة إلى أولئك المدنيين لم تعد ضرورية حين تأكد أن الخراب السوري لا رجعة عنه، فتم استبدالهم برموز الفتنة العرقية والطائفية.

في الحالتين، العراقية والسورية لا يمكن سوى أن توضع “نظرية المؤامرة” على طاولة الاختبار والفحص. ولكن المؤامرة الخارجية وحدها لا تكفي لجر بلدين وشعبين عُرفا بعمقهما التاريخي ونسيجهما الاجتماعي المتماسك إلى حضيض الحروب الأهلية التي لن تنتهي إلا بمحوهما نهائيا من الجغرافيا والتاريخ. هناك سطر ساقط من الكتابة. وهو ما يجب أن نعترف به ولا علاقة لذلك الاعتراف بثنائية التشاؤم والتفاؤل.

ما فعله العراقيون والسوريون بأنفسهم هو أقسى مما يمكن أن يفعله الغزاة بهم. كانت إسرائيل ولا تزال تسعى إلى تهويد القدس، غير أنها لا تزال عاجزة عن الوصول إلى هدفها. أما الطائفيون في العراق وسوريا فقد أنجزوا مهمتهم في التطهير الطائفي في وقت قياسي.

أهناك ما يدعو إلى التفاؤل؟

ولكن ألا يملك العرب وقد اخترقتهم إيران في العراق وسوريا مخططا للرد السريع، من أجل أن يوقفوا ذلك الغزو؟ ما يقع في اليمن وقبله في لبنان إنما يكشف عن نقص هائل في الفكر كما في الأدوات. لقد تُركت الأمور على عواهنها وهو ما يؤكد أن العرب لم يكونوا على استعداد لصناعة مصائرهم. لقد وقعوا في منطقة رد الفعل. وهو ما يؤكد موقفهم السلبي من التاريخ.

وكما أرى فإن العرب يسخرون من أنفسهم حين ينصتون بأمل إلى من يتفاءل بأحوالهم. وقد تكون كذبة الربيع العربي خير برهان على ذلك، لا لأن ذلك الربيع قد كشف عن ضعف الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، بل لأنه أدخل النظام السياسي العربي كله في مختبر، خرج منه فاشلا. لقد سقطت دول عربية عديدة. هذا مؤكد. ولكن ما صار مؤكدا أيضا أن العرب لا يملكون رؤية واضحة تضمن عدم سقوط دول أخرى.

فاروق يوسف

نقلا عن العرب اللندنية