العراق بلد السخرية (المضحك المبكي)

العراق بلد السخرية (المضحك المبكي)

_73847_iraq3

قضت محكمة السماوة، كبرى مدن محافظة المثنى الجنوبية، بداية الاسبوع الماضي بالسجن مدة عام واحد لصبي يبلغ من العمر 12 عاما بتهمة سرقة عدة علب من المناديل الورقية من محل للبيع. أثار هذا الحكم الظالم والمضحك ردود فعل غاضبة في شبكات التواصل الاجتماعي، لأنه من المفترض ان لا يحاكم هذا الطفل القاصر بسبب جنحة سرقة لا تتعدى قيمتها في احسن الأحوال 10 دولارات، بل ان يحاكم اللصوص الذين سرقوا ثروات العراق منذ عام 2003م وحتى اليوم والتي تقدر بمئات الميارات من الدولارات، ولا يزال هؤلاء اللصوص يتربعون على سدة الحكم.
كما انتقد الحكم ممثل المرجع الديني “السيد علي السيستاني” في خطبة الجمعة في كربلاء، حيث قال: “اذا سرق الشريف سواء من الأموال العامة او من الناس الضعفاء الذين قد يأكل اموالهم بالباطل مستغلا موقعه تركوه. واذا سرق الضعيف، وربما يكون سرق ليأكل او يلبس او يشتري دواء او ليعتاش – من دون تبرير للسرقة – فإن كل قوة القانون تطبق عليه بحذافيرها”. وقد تم لاحقا الغاء الحكم (المسخرة) نتيجة الضغط الشعبي. هذا هو الجزء المضحك في هذه المقالة طبقا للمثل الشعبي “شر البلية ما يضحك”.

اما الجزء المبكي الأول، هو انه في نفس الاسبوع الذي صدر فيه الحكم على الصبي القاصر، كشفت مصادر مقربة من رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” عن ان 21 محققا دوليا سيصلون الى بغداد نهاية الشهر المنصرم (ربما وصلوا اذا صحت هذه المصادر) للبدء بالتحقيق في ملفات الفساد المالي بناء على مذكرة تفاهم وقعتها الحكومة العراقية مع الأمم المتحدة. سيعمل فريق المحققين الدوليين، وجميعهم غربيون باستثناء عربي واحد من الأردن، على مساعدة الحكومة العراقية في الكشف عن مصير 361 مليار دولار مفقودة من موازنات العراق بين عامي 2004م – 2014م، فضلا عن مصير آلاف المشاريع والاستثمارات في قطاعات الكهرباء والاسكان والزراعة، وذلك على الرغم من انفاق الدولة على تلك القطاعات ما مجموعه 98 مليار دولار خلال العشر سنوات الماضية.

ويقال ان الفريق الدولي منح كامل الحرية في فحص الملفات والوثائق، ومراجعة السجلات ووثائق الوزارات والبنك المركزي وديوان الرقابة المالية في بغداد. كما منح الفريق صلاحية التحقيق مع رؤساء الوزراء السابقين وهم: إياد علاوي، ابراهيم الجعفري ونوري المالكي، فضلا عن وزراء سابقين. ومن الصلاحيات الممنوحة للفريق التحقيق كذلك مع المسؤولين السابقين الفارين خارج العراق، بفضل صفته الأممية.

اتمنى ان يحدث هذا وان كنت أشك في ذلك، فحيتان الفساد اكثرهم معروفين لدى الطبقة السياسية في العراق، وهم مرتبطون بدولتين رئيسيتين واحدة اقليمية والاخرى دولية لهما نفوذ قوي وفعال على كل الحكومات العراقية، ينفذون لهم اجنداتهم السياسية في العراق مقابل حمايتهم من كل الجرائم التي يرتكبونها بحق الشعب العراقي. وقد بدأت فعلا بعض الاحزاب السياسية بالاعتراض على خطوة “العبادي” معتبرة تلك الخطوة بمثابة تشكيك في القضاء العراقي، والسماح بإهانة شخصيات مهمة في البلاد عبر التحقيق معها من قبل مختصين دوليين.

اما الجزء المبكي الثاني، هو انه ماكادت تهدأ الضجة المرتبطة بالحكم الظالم على الصبي، حتى طفت على السطح مسألة الفساد المتهم فيها كل من “هوشيار زيباري” وزير المالية، “وابراهيم الجعفري” وزير الخارجية. “زيباري” متهم بملفات فساد ابرزها صرف نحو مليون وثمانمائة الف دولار بطاقات سفر لعناصر حمايته الذين يسكنون في اربيل، وصرف حوالي 800 الف دولار لترميم منزله في المنطقة الخضراء المحصنة، بالاضافة الى صرف مبلغ ضخم لتأجير منزل لسكرتيرته الشخصية، فضلا عن قروض كبيرة خارج السياقات القانونية لعدد من التجار. وهناك موعدا للتصويت على إقالته عن طريق البرلمان.

اما بخصوص “الجعفري”، فقد قال النائب العراقي “عادل نوري” المتحدث بإسم لجنة النزاهة البرلمانية، انه سيقدم طلبا الى رئاسة البرلمان لاستجواب “الجعفري” حول ملفات تتهمه بالفساد المالي والادراي، منها: ان “الجعفري” قام بتعيين عدد من قيادي واعضاء حركته السياسية “تيار الاصلاح الوطني”، ومسؤولين من جهازها الاعلامي، في وظائف دبلوماسية في ديوان وزارة الخارجية وفي العديد من السفارات العراقية، بالاضافة الى الفساد المستشري في سفارات العراق في الخارج وهدر اموال الدولة. وأوضح النائب ان ملفات الفساد هذه ستحال الى القضاء بعد سحب الثقة من “الجعفري” وستتم متابعتها حتى اصدار الحكم النهائي بشأنها.

قد يكون الصبي الذي صدر الحكم بسجنه مدة عام، واحد من الآف الأيتام في العراق الذين فقدوا ابائهم في الحروب العبثية، وبدلا من قيام الدولة برعايتهم وتوفير الحد الادني من مستوى المعيشة اللائق لهم حتى لا ينحرفوا ويرتكبوا الجرائم صغيرها وكبيرها بسبب الحاجة والفقر والفاقة، يطبق عليهم القانون بحذافيره، بينما سراق المال العام المقدر بمئات المليارات من الدولارات، يسرحون ويمرحون بحرية كاملة داخل العراق وخارجها.

اود في خاتمة هذه المقالة المتواضعة ان أذكر سعادة القاضي الذي حكم على الصبي، بقضية مشابهة حدثت لرجل مسن في الولايات المتحدة قبل سنوات:
“في أمريكا تم القبض على رجل مسن سرق رغيف خبز، وأمام المحكمة اعترف المتهم بفعلته ولم يحاول ان ينكرها، لكنه برر ذلك بقوله (كنت اتضور جوعا وكدت اموت). قال له القاضي: انت تعرف انك سارق وسوف احكم عليك بدفع 10 دولارات، واعرف انك لا تملكها لأنك سرقت رغيف خبز، لذلك سأدفعها عنك. صمت جميع الحضور في تلك اللحظة، وشاهدوا القاضي يخرج 10 دولارات من جيبه ويطلب ان تودع في الخزينة كبدل حكم لهذا المسن. ثم وقف القاضي فنظر الى الحاضرين وقال: محكوم على كل واحد منكم بدفع 10 دولارات، لأنكم تعيشون في بلدة يضطر فيها الفقير الى سرقة رغيف خبز. وفي تلك الجلسة تم جمع 480 دولارا ومنحها القاضي للرجل المسن”.
هكذا يتعلمون الرحمة ومساعدة المحتاجين في تلك البلاد التي ينعتها الكثير منا بالكفر والضلال.

حسن العطار
نقلا عن ايلاف