تنظيم القاعدة يكسب قوة في سورية

تنظيم القاعدة يكسب قوة في سورية

%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%aa%d9%84-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b1%d8%b6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%88

يشكل الصراع الجاري على مدينة حلب تهديداً مزعجاً ومؤرقاً للولايات المتحدة. فقد أدت المعركة المتواصلة على ما كانت ذات مرة ثاني أضخم المدن السورية إلى توحيد اثنين من أبرز ائتلافات المعارضة، واللذين يهدفان إلى إلحاق الهزيمة بنظام بشار الأسد. غير أن ثمة شيئاً آخر يشتركان فيه -لم يتلق أي منهما مساعدة كبيرة من واشنطن في جهدهما المشترك لكسر حصار مضى عليه شهر تقريباً للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة من المدينة، ومن ثم غزو باقي المدينة.
على الرغم من ذلك، قد تنجح المجموعات التي ما تزال تحاول حماية المدنيين في حلب من تكتيكات الحصار والهجمات العشوائية التي يشنها نظام الأسد وحليفاه الروسي والإيراني. لكن تقاعس واشنطن عن عمل شيء ربما يكون بصدد تمهيد الطريق أمام “الدولة الإسلامية” التالية في سورية.
ذلك لأن تنظيم القاعدة ملأ الفراغ الذي تركه غياب الولايات المتحدة. وقد أصبح “القاعدة” يعاود الانبعاث على المستوى العالمي باستغلال النقاط العمياء الأميركية، ويقود لبناء طلائع شعبية محلية للإشراف على تحول المواطنين المحليين في البلدان التي شهدت انهيار الدولة. وتشكل سورية موضع تركيز “القاعدة” الراهن.
ولدى الولايات المتحدة الآن القليل من الخيارات سوى إعادة توجيه استراتيجيتها في سورية حتى تركز على التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة.
لم يقتصر تواجد تنظيم القاعدة ونفوذه في سورية أبداً على فرعها الرسمي “جبهة النصرة”. فقد أوفد التنظيم أعداداً من كبار القادة والاستراتيجيين للإشراف على خلق طلائع للقاعدة في داخل الحركة الثورية السورية بعد بدء الحرب الأهلية السورية في العام 2011. ولم يقم هؤلاء النشطاء الذين تدعوهم الولايات المتحدة بـ”مجموعة خراسان” بإسداء المشورة للقيادة العليا في “جبهة النصرة” وحسب، وإنما قدموا النصح أيضاً لقادة مجموعات المعارضة السورية الآخرين. وكانت نية تنظيم القاعدة استثمار سلسلة من المجموعات الثورية المتعاطفة مع أهدافها، بينما تنشئ في الوقت نفسه تنظيماً تابعاً رسمياً لتطبيع ونشر أيديولوجيتها. وربما يكون تنظيم القاعدة قد هدف إلى تأسيس منطقة فاصلة ضد احتمال قيام تدخل أميركي بتدمير شبكة القاعدة بشكل كامل من خلال القضاء على تنظيم واحد.
تتضمن الحرب السورية الآن مجموعات معتدلة ومسلحة ومجهزة أميركياً، لكنها تستند أيضاً إلى مكون كبير يعود إما إلى “جبهة فتح الشام”، خليفة “جبهة النصرة”، أو حليفها الوثيق، مجموعة “أحرار الشام”. ويشكل الجانبان حالياً مكونين حيويين لائتلاف المعارضة العامل في حلب، “جيش الفتح” و”فتح حلب”.
تُظهر مجموعة “أحرار الشام” كيف أن تنظيم القاعدة يقوم حالياً بتطوير شبكة من القوى الثورية المحلية المتعاطفة، حيث تشكل هذه المجموعة المعارضة السورية عقدة رئيسية لشبكة القاعدة التي تم نسجها، والتي حققت مع ذلك صورة عن حركة معارضة سورية “سائدة”. وهي أكبر وأقوى متلقٍ لوصاية وإرشاد تنظيم القاعدة بعد “جبهة فتح الشام”.
ثمة شعور عام بأن مجموعة “أحرار الشام” لم تتمكن من استيعاب أيديولوجية القاعدة بشكل كامل أبداً، على الرغم من نية تنظيم القاعدة استخدام المجموعة كجزء من طليعتها السورية. وتفترض السياسة الأميركية الحالية أن من الممكن أن تنشق مجموعة “أحرار الشام” عن القاعدة، وأن تتصالح في دولة سورية مستقبلية. ويذهب المنافحون عن مجموعة “أحرار الشام” أبعد إلى القول بأن تنظيم القاعدة لا يمارس سيطرة تشغيلية على المجموعة، ويستنتجون أن “أحرار الشام” قابلة للتعامل معها بشكل منفصل عن “القاعدة”. لكن هذا لا يعدو كونه من باب الأمنيات.
كان أكبر مرشد بارز للقيادة الأصلية لمجموعة “أحرار الشام”، أبو خالد السوري، مقاتلا مخضرماً في أفغانستان، وعمل عن كثب مع تنظيم القاعدة. وكان أيضا تلميذاً للمنظر الجهادي السلفي أبو مصعب السوري، هو استراتيجي بارز في تنظيم القاعدة، والذي حاجج بأن على “القاعدة” في المدى القريب أن تستوعب طائفة من اللاعبين في إطار المجتمع المسلم. ولم ينته نفوذ القاعدة على “أحرار الشام” مع وفاته في العام 2014، فقد حل محله لاحقاً عضو من خلية خراسان، يدعى رفاعي طه، كضابط ارتباط بين مجموعتي “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”.
يظهر نشاط “أحرار الشام” أن استراتيجيتها مرتبطة بقوة مع تنظيم القاعدة، وأنها تمثل طليعة محلية للمجموعة الجهادية العابرة للقومية في سورية. وتظهر بوضوح علامة “القاعدة” في  “أحرار الشام” من أجل تغيير الهوية الدينية للسوريين. وتحكم المجموعة من خلال سلسلة من المحاكم الشرعية في عموم محافظتي شمالي إدلب وحلب، وتعمل بشكل موازٍ لـ”جبهة النصرة” التي تستخدم أحكاماً ذات خط متشدد، مثل متطلبات ارتداء الحجاب للنساء وقمع حرية التعبير.
يكمن هدف مجموعة “أحرار الشام” في استبدال نظام الأسد بدولة دينية. وتعد هذه الرؤية تغيراً جوهرياً عن المطالب الأولية للمعارضة السورية في العام 2011 بقيام نظام ديمقراطي وتعددي. وعلى الرغم من ذلك، تنظر مجموعات المعارضة السورية إلى “أحرار الشام” على أنها لاعب “في الاتجاه الرئيسي” بسبب مساهماتها الرئيسية في الحرب ضد نظام الأسد. وهي تخدم كمظلة تجمع مجموعات المعارضة معاً في شمالي سورية، وتتمتع بموقف جيد لدمج هذه القوات مع “جبهة فتح الشام”، وتعزيز الحكم الذي يستند إلى الشريعة –كل ذلك من دون أن يدرك العالم أن النتيجة ستكون مكسباً رئيسياً لأهداف تنظيم القاعدة في سورية.
تعمل مجموعة “أحرار الشام” -عن قصد- كنسيج اتصال سوري مع الحركة الجهادية السلفية العالمية. وهي مشتبكة مع الحركة السلفية الجهادية العالمية، وترى نفسها كذلك –حيث تتماهى خارجياً مع الايديولوجيات الرئيسية في الحركة الجهادية السلفية العالمية، وتفسر جهادها على أنه استمرار للجهاد الذي كان قد بدأه زعيم طالبان السابق، الملا محمد عمر. ويعكس ذلك سرد كل المنظمات التابعة لتنظيم القاعدة. كما تقبل “أحرار الشام” أيضا بالمقاتلين الأجانب في صفوفها، وهي ممثلة بشكل بارز في الدعاية المرتبطة بـ”جبهة النصرة” والتي تدعو المسلمين للهجرة إلى سورية للمشاركة في الجهاد.
كما دعمت مجموعة “أحرار الشام” أيضاً عمليات تنظيم القاعدة لمهاجمة الغرب انطلاقا من سورية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2014، استهدفت ضربات جوية أميركية خلية “القاعدة” التي قال المدعي العام الأميركي في ذلك الحين، إريك هولدر، إنها دخلت “مرحلة تنفيذ” هجوم. وأصابت الضربات قواعد “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” في محافظة إدلب.
وكانت تلك الضربات عملية استهداف متعمدة، مما يعني أن الولايات المتحدة كانت قد طورت قبل توجيه الضربة عملية تعقب استخباراتي محكمة لمجموعة “أحرار الشام”، والتي ربطت بين المجموعة وبين تخطيط تنظيم القاعدة لشن هجوم كبير في الأراضي الأميركية أو أوروبا. ويشير التواجد المادي لناشطي “مجموعة خراسان” أو البنية التحتية في قاعدة لأحرار الشام إلى أنه بينما قد يؤيد بعض أعضائها الهجمات الخارجية، فإن تنظيم القاعدة يشعر بثقة كافية في ولاء قيادة المجموعة إلى درجة ائتمائها على بعض أكثر أصول القاعدة قيمة.
تبرز المعركة من أجل حلب لتعزيز نفوذ “أحرار الشام” على المواطنين المحليين في سورية. وقد أمن الدور البارز الذي لعبته المجموعة في كسر طوق حصار النظام لأكثر من 250 ألف مدني في المناطق الشرقية من حلب، مكاناً للمنظمة في قلوب وعقول الشعب السوري. وستستمر “أحرار الشام” في تعميق شراكاتها العسكرية مع المعارضة في حلب، بينما تطور الدعم المحلي من خلال تقديم المساعدة وغيرها من الخدمات الأخرى لأولئك الباقين في المدينة. وستتمتع بموقف قوي لزيادة دورها الحاكم في داخل المدينة على طول الخط مع “جبهة فتح الشام” التي تجني مكافآت مماثلة لدورها في كسر طوق الحصار.
في الأثناء، تستخدم تركيا تدخلها في شمالي سورية ضد “داعش” وقوات سورية الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة لفرض نفسها كوسيط قوة، وهي تقوي بذلك حليفها المعارض الأقوى، “أحرار الشام”، للعب دور رئيسي. وكانت مجموعة “أحرار الشام” قد شاركت في الهجوم المضاد المدعوم من تركيا بالقرب من نهر الفرات، لكنها لم تعلن عن دورها، لأن الدعم الأميركي الجوي للعملية مبدئياً حفز تركيا على تأكيد دور المجموعات التابعة للجيش السوري الحر. ولطالما دعت مجموعة “أحرار الشام” إلى انخراط تركيا بشكل مباشر، بما في ذلك الدفاع علناً عن فكرة إقامة منطقة آمنة تقيمها تركيا في شمالي حلب في آب (اغسطس) من العام 2015.
في المقابل، تخاطر الولايات المتحدة بخسارة الحرب ضد المتطرفين في سورية إذا هي استمرت في السماح بأن يستمر الشعب السوري في النظر إلى مجموعتي “أحرار الشام” و”جبهة فتح الشام” على أنهما منتصرتان في حلب. وتعد “أحرار الشام” جزءا من لعبة تنظيم القاعدة الطويلة في سورية، مثلها مثل “جبهة فتح الشام”. وهي تشترك في الهدف نفسه المتمثل في تأطير الشعب في سورية بطريقة تسهل الجهاد العالمي، كما أن نهجها البراغماتي يخدم هدف تنظيم القاعدة المتمثل في إقامة ملاذ آمن دائم لنفسها في منطقة الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط.
يبدو أن نافذة تنصل مجموعة “أحرار الشام” من تنظيم القاعدة والعمل ضد “جبهة فتح الشام” تنغلق بسرعة. ويجب على الولايات المتحدة أن تغذ الخطى لتقديم بديل يكون مقبولا للمدنيين السوريين ومجموعات المعارضة، عن شبكة تنظيم القاعدة. كما يجب على واشنطن التركيز على منع المزيد من تطور الحكم المستند إلى قانون الشريعة في المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة، من أجل مهاجمة استراتيجية تنظيم القاعدة القمعية. وإذا فشلت مجموعة “أحرار الشام” في التصرف بحسم وفعالية للتصدي لتنظيم القاعدة في سورية، فإنها يجب أن تعامل وتستهدف كتهديد مماثل.
في الوقت الراهن، يجب على صناع السياسية الأميركيين مقاومة إغراء الانزلاق نحو تحالف مع روسيا ومع الأسد من أجل تحقيق هذا الهدف. وسوف تضمن أي شراكة من هذا القبيل بقاء مجموعات المعارضة “من الاتجاه السائد” أبعد عن الولايات المتحدة وأقرب إلى عناصر الخط المتشدد في المعارضة السورية، وبما يزيل بفعالية أي شركاء سنة محتملين ضد “داعش” أو “القاعدة” من ميدان المعركة. ومن شأن اي تحالف مع روسيا أو الأسد أن يسارع في تحقيق تنظيم القاعدة للنصر الذي يريده.

جنيفر كافاريلا

صحيفة الغد