‘مزاد’ سياسي يطيل أمد احتلال داعش للمناطق العراقية

‘مزاد’ سياسي يطيل أمد احتلال داعش للمناطق العراقية

_89557_o3

يشكو سكان مناطق عراقية ماتزال خاضعة لسيطرة تنظيم داعش، من أنّ الإعلانات الحكومية المتكرّرة عن قرب “تحرير” مناطقهم دون الإقدام على ذلك بشكل عملي تضاعف من معاناتهم وتستفز التنظيم وتدفعه إلى تشديد إجراءاته ضدّهم.

وأكثر ما تتجلّى تلك المعاناة في كلّ من قضاء الشرقاط بشمال محافظة صلاح الدين، ومدينة الموصل مركز محافظة نينوى.

وتترافق تلك الشكوى مع تحذيرات من أنّ التلكؤ في استعادة المناطق من تنظيم داعش يفسح المجال أمام الصراعات على تقسيمها مثلما هو حال محافظة نينوى محط أطماع عدّة أطراف محلية وإقليمية.

ويحذّر قادة رأي عراقيون من اتخاذ الحرب على تنظيم داعش وسيلة للدعاية السياسية من خلال الإعلان عن عمليات عسكرية لم تتوفّر بعد الظروف المناسبة لإطلاقها.

ويقول هؤلاء إنّ التأخّر في إطلاق معركة الموصل، بعد أن نشر الخطاب الرسمي الانطباع بأنها مسألة أيام أو أسابيع، يثير الأسئلة بشأن مدى امتلاك بغداد لزمام قرار الحرب في العراق.

ويؤكّد أحد المحلّلين السياسيين أنّ معركة الموصل بالذات خاضعة لمزاد سياسي تشارك فيه قوى إقليمية ودولية بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء محليّين، محدّدا ثلاثة أطراف رئيسية على علاقة بالموضوع هي إيران وتركيا والولايات المتحدة.

وبفعل كثرة المتدخلين وتضارب مصالحهم يتوقّع أن تظل معركة تحرير الموصل مرجأة في انتظار اتفاق إقليمي ودولي يجيز البدء بها. وهو ما يعني أن القرار لن يكون عراقيا محضا، كما كان حال المعارك السابقة في تكريت والرمادي والفلوجة، حيث هناك أطراف كثيرة معنية بتحرير الموصل أهمها تركيا.

فجارة العراق الشمالية ترى في أجزاء من نينوى امتدادا تاريخيا لأراضيها، وهي إن لم تنجح في ضم الموصل إليها ستحاول منع سيطرة إيران عليها عن طريق ميليشيات الحشد الشعبي.

ومن جهتها فإن ايران ستضغط في اتجاه تعطيل محاولات تحرير المدينة إن لم يشارك الحشد الشعبي في المعارك. وهو ما يرفضه سكان المدينة. فقد تؤدي تلك المشاركة إلى نشوب حرب أهلية في نينوى، يكون تنظيم داعش هو المستفيد الوحيد منها. وكما يبدو فإن الحكومة الضعيفة أصلا لن تجرؤ على الوقوف في وجه الحشد الشعبي ورغبته في المشاركة في المعارك. وهذا سبب آخر من أسباب التلكؤ.

ويتساءل المراقبون إن كانت العلومات متوفرة لدى الحكومة العراقية عن حجم القوة القتالية لداعش داخل الموصل، مبدين شكوكهم في ذلك، ومعتبرين الضعف الاستخباراتي سببا آخر في تردد حكومة بغداد في الإقدام على خطوة قد تؤدي بالقوات العراقية إلى هزيمة جديدة، في وقت يعاني فيه الجيش تبعات إقالة وزير الدفاع.

أما الأكراد فيعتقدون من جانبهم أن تحرير أجزاء من الموصل يحل لهم عقدة المناطق المتنازع عليها مع الحكومة، وهو ما تراه حكومة بغداد موقفا انتهازيا قد تؤدي تداعياته إلى انهيار الدولة العراقية.

ولا يرى الأكراد من الموصل سوى المناطق التي يقولون إنها تابعة لإقليمهم أما الحكومة المركزية فإنها تريد استرجاع الموصل كاملة، من غير أن يقتطع منها أي جزء.

ومن جهتها تسعى الولايات المتحدة إلى أن يكون دورها أساسيا في استعادة الموصل وأن يتجاوز ضربات الطيران إلى مشاركة خبرائها في تخطيط المعركة وقيادتها وتوجيهها، خدمة للدعاية الأميركية التي تروّج للولايات المتحدة كقائدة عالمية للحرب على الإرهاب، وسعيا أيضا لتركيز المزيد من القواعد العسكرية في العراق تأسيسا لعودة إلى البلد يصفها مراقبون بالذكية والمدروسة والتي تؤمّن التواجد العسكري وفي الوقت ذاته تجنّب التورّط في هذا البلد على غرار ما كان قائما قبل انسحاب الجيش الأميركي منه سنة 2011.

وبالإضافة إلى تحمّل سكان الموصل تبعات الإعلانات الوهمية عن قرب “تحرير” مدينتهم، يفسح “المزاد” الإقليمي والدولي حول معركة نينوى المجال لجهود تقسيم المحافظة.

واتهم النائب عن محافظة نينوى عبدالرحمن اللويزي، الخميس، الحزب الديمقراطي الكردستاني بمنع العرب من العودة إلى مناطقهم المحررة في المحافظة، فيما أشار إلى أن أصوات تقسيم نينوى بدأت تتعالى في ظل الصمت الحكومي.

وعلى صعيد إنساني يروي فارون من مدينة الموصل معاناة السكان تحت سيطرة تنظيم داعش مؤكّدين أنّ التنظيم يشدّد قبضته على الأهالي كلّما أعلنت بغداد عن أي تحرّك باتجاه استعادة المدينة.

ويقول هؤلاء إنّ التنظيم أهمل إلى حدّ ما تعليماته الدينية الصارمة مثل إطالة اللحى وارتداء النقاب ومنع التدخين، لكنّه كثّف في المقابل رقابته على الاتصالات بقطعه الإنترنت عن المدينة، كما زاد من عدد نقاط تفتيشه في الطرقات والشوارع، ولجأ إلى الاعتقالات العشوائية في صفوف الذكور، وبادر إلى إعدام الكثير من المعتقلين بتهمة محاولة الفرار من المدينة أو تسريب معلومات للقوات الحكومية.

وإلى الشرق من الموصل يعيش سكان الشرقاط المقدّر عددهم بأكثر من 300 ألف نسمة أوضاعا أشد مأساوية جرّاء الحصار الصارم الذي تفرضه القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي على القضاء الذي يعاني نقصا شديدا في الأغذية والأدوية، فيما يحرص تنظيم داعش على منع مغادرة السكان واتخاذهم دروعا بشرية في ظل التهديدات المستمرة منذ أشهر والصادرة خصوصا عن الميليشيات الشيعية باقتحام القضاء.

صحيفة العرب اللندنية