إيران و”مبدأ مونرو” الجديد

إيران و”مبدأ مونرو” الجديد

%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%86%d8%b2%d9%88%d9%8a%d9%84%d9%8a-%d9%86%d9%8a%d9%83%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%b3-%d9%85%d8%a7%d8%af%d9%88%d8%b1%d9%88-%d9%8a%d8%b3%d8%aa%d9%82

ثمة اعتقاد سائد في واشنطن منذ فترة طويلة بأن وجود إيران على جنوب حدود الولايات المتحدة لا ينبغي أن يكون مصدراً للقلق العميق. ووفق هذه الرؤية، فإن نشاطات إيران في أميركا الوسطى والجنوبية -من عديد الصفقات التجارية التي تبرمها مع الدول المختلفة، إلى إنشاء مراكز ثقافية في جميع أنحاء المنطقة- هي مجرد نشاطات غير منظمة، وانتهازية، ولها تداعيات قليلة في نهاية المطاف.
سجل هذا السرد ثباتاً ملحوظاً، وكان جزءاً من السبب في إيلاء الولايات المتحدة، تاريخياً، قليل اهتمام بوجود إيران في نصف الكرة الغربي. لكن هناك أدلة وافرة على عكس ذلك، والتي تتخذ شكل تعاون إيران الاستراتيجي مع الأنظمة المعادية للولايات المتحدة في المنطقة، وهناك حالات موثقة جيداً للتخريب الذي ترعاه إيران، والذي تم تنظيمه هناك واستهدف مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. والآن، مع إفلات الجمهورية الإسلامية باطرد من العقوبات نتيجة للاتفاق النووي الذي أبرم العام الماضي مع الغرب، هناك علامات واضحة على أن إيران تقوم بتوسيع وجودها في الأميركتين بالكثير من المثابرة.
سباق القوة
في 21 آب (أغسطس)، بدأ وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف جولة في ست دول في أميركا اللاتينية. وكان القصد من هذه الرحلة التي تضم زيارات لكل من بوليفيا وشيلي وكوبا والإكوادور ونيكاراغوا، وفنزويلا، أن تكون تأكيداً علنياً تماماً لاستثمار إيران الدائم في نصف الكرة الأرضية الغربي.
قال نائب وزير الخارجية الإيراني ماجد تخت رافنشي، لوسائل الإعلام الرسمية الإيرانية قبيل زيارة ظريف: “هناك الكثير من المجالات للتعاون الاقتصادي بين إيران وهذه الدول الست، لكن الإمكانيات الكاملة لهذا التعاون لم تتحقق بعد”. وأضاف أن رحلة ظريف تقصد إلى تصحيح هذا الخلل وإلى زيادة تعاون إيران الاقتصادي مع المنطقة “إلى مستوى جديد كلية”.
لكن اختيار ظريف لنقاط توقفه يشير إلى أن الرحلة تتعلق بالجغرافيا السياسية أكثر بكثير مما تتعلق بالتجارة. ومع الاستثناء الملحوظ لشيلي، فإن الدول التي زارها وزير الخارجية الإيراني واقعة كلها في مضائق اقتصادية عصيبة، وتعاني من ارتفاع مستويات التضخم والبطالة المتفشية -وفي حالة فنزويلا من انهيار كامل للاقتصاد الوطني. وبذلك، لا تبدو هذه الدول في وضع مناسب لتكون شركاء دائمين للاقتصاد الإيراني الذي يعاني هو نفسه بعد سنوات من العقوبات متعددة الأطراف.
لكن هذه الدول جميعاً هي أعضاء في التحالف البوليفاري للأميركتين (ألبا)، الكتلة الإقليمية المناهضة للولايات المتحدة التي شكلها الرجل القوي الفنزويلي الراحل هوجو شافيز في أوائل الألفية. وما تزال إيران دولة مراقباً في “ألبا” لسنوات، كما ساعدت بنشاط أجندة الكتلة الاستراتيجية المتطرفة المعادية للغرب.
في واقع الأمر، تزامنت رحلة ظريف في أميركا اللاتينية مع الافتتاح الرسمي لأكاديمية الدفاع الإقليمية الجديدة لكتلة “ألبا” في سانتا كروز، العاصمة الصناعية لبوليفيا. وتريد الأكاديمية، كما قالت قناة تيليسور التلفزيونية الناطقة باللغة الاسبانية، أن تكون مشروعاً “مناهضاً للإمبريالية”، ومصمماً لمكافحة نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. وتستكمل المشروع “مساقات في مجموعة واسعة من المواضيع التي تهدف إلى مواجهة الوجود الأميركي الإمبريالي في العالم النامي، بما في ذلك “نظرية الإمبريالية”، و”الجغرافيا السياسية للموارد الطبيعية” و”البنى الاجتماعية البوليفية”.
وهي أيضاً مشروع إيراني بوضوح. فمن المعروف أن إيران قدمت بعضاً من رأس المال الأولي لبناء هذه الأكاديمية على الأقل؛ كما ترأس ما لا يقل عن وزير الدفاع الإيراني آنذاك، أحمد وحيدي، حفل افتتاحها في أيار (مايو) 2011 (مما تسبب في حادثة دولية طفيفة آنذاك). ويعتقد الآن أن إيران تلعب دوراً في التدريب في المنشأة، مما يشير إلى إمكانية التعاون بين إيران والمتطرفين اليساريين في المنطقة.
يمكن أن يتوسع وجود إيران، الهائل مسبقاً في المنطقة، بدءاً من هناك. وكما ذكر المدعي العام الأرجنتيني الراحل، ألبرتو نيسمان، بالتفصيل في لائحة اتهام أيار (مايو) 2013، فقد أنشأت إيران على مدى العقود الثلاثة الماضية، بنجاح، شبكة من القواعد والمراكز الاستخباراتية السرية في ما لا يقل عن ثمانية بلدان من أميركا اللاتينية: البرازيل، تشيلي، كولومبيا، غيانا، باراغواي، وسورينام، وترينيداد وتوباغو، وأوروغواي. وقد مكنت هذه البنية التحتية إيران من إطلاق أو دعم ما لا يقل عن ثلاث مؤامرات ضد الأرض الأميركية على مدى العقد الماضي.
أولاً، خطط المواطن الغويني، عبد القادر، في العام 2007 لتفجير خزانات الوقود تحت مطار جون ف. كنيدي في نيويورك. ولو أنه نجح في التنفيذ، لكانت المحاولة قد أسفرت عن “دمار هائل للمطار ولاقتصاد نيويورك، بالإضافة إلى خسران الكثير من الأرواح”، كما قدر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي لاحقاً.
ثم، في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2011، حاولت قوات الحرس الثوري الإيراني اغتيال سفير السعودية في الولايات المتحدة في مطعم في واشنطن العاصمة. وكان الحرس الثوري الإيراني قد خطط لاستخدام أعضاء من كارتيل المخدرات المكسيكي، “لوس زيتاز” لتنفيذ عملية القتل. وفي مؤتمر صحفي يسرد تفاصيل الخطة الفاشلة، أشار النائب العام الأميركي إيريك هولدر إلى أنها كانت “بإدارة وموافقة عناصر من الحكومة الإيرانية، وخاصة أعضاء رفيعين من قوة القدس”، وحدة النخبة شبه العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
في العام نفسه، خطط الدبلوماسيون الفنزويليون والإيرانيون لاستخدام قراصنة مكسيكيين لاختراق منشآت أميركية دفاعية واستخبارية ونووية، وشن هجمات سيبرانية واسعة النطاق في كل أنحاء الولايات المتحدة. ووردت تفاصيل ذلك الجهد في فيلم وثائقي استقصائي بثته في كانون الأول (ديسمبر) 2011 الشبكة التلفزيونية الناطقة بالإسبانية، يونيفيجن، والذي عرض تسجيلات صوتية للمتآمرين، بمن فيهم دبلوماسي إيراني رفيع المستوى.
في الأسابيع الأخيرة، دق مسؤولون عسكريون أميركون ناقوس الخطر بشأن ما يرونه تسريعاً لوتيرة تسلل المتطرفين من الشرق الأوسط إلى أميركا اللاتينية. وبعض هؤلاء المتطرفين على الأقل إيرانيون، أو مدعومون من الجمهورية الإسلامية. وفي واقع الأمر، ظهرت في الأسابيع الأخيرة تقارير جديدة عن قيام إيران بتجنيد وتدريب مسلحين في بيرو، وعن زيادة في عمليات اعتقال أشخاص يشتبه بانتمائهم إلى جماعة “حزب الله” المدعومة من إيران في هذا البلد. وفي استجابة لذلك وللتطورات ذات الصلة، خلصت تقييمات استراتيجية موثوقة إلى أن “تورط إيران في أميركا اللاتينية هو… في ازدياد، وسوف يتمكن حزب الله على الأرجح من استخدام هذه العلاقات السياسية والاقتصادية المتبرعمة كغطاء لعملياته”.
آفاق جديدة
مع ذلك، لم تنعكس المخاوف بشأن وجود إيران في المنطقة في السياسة الرسمية للولايات المتحدة حتى الآن. وقد عمدت إدارة أوباما، الراغبة منذ وقت طويل في إحداث انفراج مع طهران، إلى التقليل باستمرار من مدى وجود إيران ونفوذها في القارة الأميركية. وخلال العام الماضي، ازداد هذا الوضع سوءاً. فبسبب حرصه على توسيع وتأمين فوائد الاتفاق النووي المبرم بين إيران ومجموعة (5+1) في العام 2015، غض البيت الأبيض الطرف مراراً عن علامات واضحة على السلوك الإيراني المارق في الخارج (بما في ذلك التجارب الصاروخية الباليستية المتكررة؛ ومؤخراً، “عملية اعتراض بسرعة عالية” قامت بها سفن حربية إيرانية ضد مدمرة أميركية في الخليج “الفارسي”). وبذلك، ما تزال هناك شهية قليلة في واشنطن الرسمية للاعتراف بالمدى الكامل لتورط إيران في الأميركتين، ناهيك عن مواجهته.
وهذا خطأ فادح. ففي أعقاب الاتفاق النووي الذي أبرم العام الماضي، أصبحت استراتيجية إيران في أميركا اللاتينية تدخل مرحلة جديدة. وعلى الرغم من أن طهران قد حولت في الآونة الأخيرة بعض اهتمامها على الأقل إلى الفاعلين الاقتصاديين الأكثر أهمية في المنطقة، مثل الأرجنتين والبرازيل، والمكسيك، فإن زيارة طريف الأخيرة ترسل إشارة واضحة إلى أن إيران ما تزال تسعى إلى دعم محور مناهض لأميركا في الحديقة الجيوسياسية الخلفية للولايات المتحدة. وسوف تصنع واشنطن حسناً إذا انتبهت لذلك.

أيلان بيرمان – (فورين أفيرز) 2/9/2016

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Iran and the New Monroe Doctrine

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

نقلا عن الغد الاردنية