إيران تسيِّس فريضة الحج.. وتُسخن الحرب الباردة!

إيران تسيِّس فريضة الحج.. وتُسخن الحرب الباردة!

4768

علّقت في مطلع هذا العام قائلاً، إنه سيكون عاماً صعباً، وسيلقي بظلاله على العلاقات بين إيران والسعودية وبقية دول مجلس التعاون، على خلفية تدخل طهران في شأن سعودي سيادي حول إعدام نمر النمر الذي تمت إدانته من قبل القضاء السعودي بدرجاته كافة. وقد تصاعدت حدة المواجهة المستمرة منذ أعوام إلى نوع من الحرب الباردة، لتسخن خلال الأشهر الماضية في جولات وفصول متعاقبة، إلى أن وصلت هذه الأيام إلى مرحلة الغليان، في تصعيد غير مسبوق بعد العدوان على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، وقطع العلاقات وخفض التمثيل الدبلوماسي، وتصنيف حليف طهران «حزب الله» منظمة إرهابية، ومقاطعة إيران لموسم الحج كردة فعل على ما لم يمكنها تغييره، والتذرع بأعذار واهية بعد أن أصدر المرشد خامنئي تكليفاً شرعياً لسبعين ألف إيراني حُرموا من الحج تحت دعوى عدم موافقة السعودية على شروط إيران ومنها ما يسمى مظاهرة «البراءة من المشركين»، ورفع الشعارات السياسية في الحج! وكان الخميني قاطع فريضة الحج في الثمانينيات لسنوات عدة. والآن في ذكرى تدافع منى العام الماضي التي ذهب ضحيته المئات، تعيد إيران التذكير بتلك المأساة لتبرر لشعبها مقاطعة فريضة الحج، وتهاجم السعودية بخطاب شوفيني غير مسبوق في التخاطب على المستوى الدولي، ومن رأس النظام خامنئي الذي يحرض ضد السعودية ويطالب بما يسميه إدارة فريضة الحج، وأيضاً من رئيس الجمهورية حسن روحاني الذي كان يوصف بـ«المعتدل»! وكذلك هاجم وزير الخارجية محمد جواد ظريف في تغريدة باللغة الإنجليزية في حسابه بموقع «تويتر» -المحظور على بقية الشعب الإيراني- الوهابية واتهم علماءها بالدعوة للتطرف والإرهاب!

إن هذا انحطاط كلي ولغة فوقية وشوفينية غير مسبوقة في عالم العلاقات الدولية، ويجب أن تدان من الجميع، خاصة أنها تزيد من الاحتقان وتؤجج الفتنة الطائفية التي وصلت في بعض بلدان المنطقة إلى مستويات من القتل والتهجير والتطهير المذهبي غير مسبوقة!

وتأتي مقاطعة فريضة الحج ومحاولة تسييسه في مخالفة صريحة للآية القرآنية: «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق وجدال في الحج». والضحية هم الحجاج الإيرانيون الذين دفعوا ملايين الدولارات للحج وإذا بالمرشد الأعلى يمنعهم من ذلك. وقد شعر النظام الإيراني بالإحراج بعد توافد حجاج إيرانيين من مشارق الأرض ومغاربها لأداء فريضة الحج دون أن يعبأوا بقرار نظام طهران السياسي وليس الديني بمقاطعة الحج هذا العام.

وكان رد المفتي العام في السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ على تهجم خامنئي رداً شديداً، معتبراً أن تصريحات خامنئي: «أمر غير مستغرب. وأن هؤلاء ليسوا مسلمين، فهم أبناء المجوس، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم وتحديداً مع أهل السنة والجماعة».

ولعل ما أزعج القيادة الإيرانية هو عدم تعاطف أو إصغاء أي من الدول الإسلامية لضجيج وصراخ قيادات إيران وتشكيكها في تنظيم السعودية لفريضة الحج. لا بل على العكس من ذلك هناك من المرجعيات الشيعية في النجف في العراق مثلًا من لم يفتوا بمقاطعة الحج، وكذلك العلامة الشيعي اللبناني المعروف علي الأمين الذي أكد أن مقاطعة إيران للحج هي قرار سياسي لا يرتبط بأي مفهوم ديني. وهو قرار مخالف للأصول الفقهية، يحرم 70 ألفاً من الحجاج الإيرانيين من أداء فريضة الحج.

كما توالت موجة الإدانات والشجب الواسعة من قبل مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ورابطة العالم الإسلامي ورابطة علماء جنوب شرق آسيا، وكل تلك المنظمات العربية والإسلامية الكبيرة دانت وشجبت هذا التهجم الإيراني، الذي يغفل الدور الكبير الذي تقوم به قيادة المملكة العربية السعودية في التوسعات العديدة للحرمين، خاصة الحرم المكي، حيث وصلت مساحة التوسعة في الحرم المكي إلى مليون ونصف مليون متر مربع. وبطاقة استيعاب تصل إلى 1,8 مليون مصلٍّ. وبطاقة طواف استيعابية لأكثر من 105 آلاف في الساعة.

إن ما تقوم به القيادة الإيرانية هو للأسف تصعيد بخطوات محمومة للحرب الطائفية التي تأخذ أكثر من طابع وأسلوب، من ناعم وغير مباشر إلى تدخل عبر أذرعها ومقاوليها بالعلن، كما هي الحال في العراق وسوريا ولبنان واليمن.. وبالسر كما هو في الكويت والسعودية والبحرين بتجنيد وتدريب وتسليح خلايا إرهابية وتجسسية تمت إدانتها أكثر من مرة، وبتواطؤ من السفارات الإيرانية وكل ذلك دعماً لمشروع إيران لتصبح هي الدولة المهيمنة في إقليم يعاني من فقدان توازن القوى، مستقوية ببرنامجها النووي، والاتفاق النووي الذي منحها الغطاء ورفع عنها العقوبات وفتح فرصة دمجها في المجتمع الدولي، وتغاضى عن مشروعها وأعوانها تحت ذريعة التعاون والتنسيق في محاربة التطرّف والإرهاب الذي يبقى وكأنه من نوع ولون واحد.

ويتغافل المجتمع الدولي عمداً عن أنشطة ودور إيران وحلفائها المزعزع للأمن واستقرار المنطقة، حيث تؤكد وزارة الخارجية الأميركية في تقاريرها السنوية أن إيران تبقى هي الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم! وهكذا تستمر في تسخين الحرب الباردة وتأجيج الطائفية فصولاً وأشكالاً وبشتى الطرق!

وعيدكم مبارك.. وكل عام وأنتم بخير.

عبدالله خليفة الشايجي

صحيفة الاتحاد