الابتكارات المدمرة في الصناعات التقليدية

الابتكارات المدمرة في الصناعات التقليدية

disruptive_innovation_in_mature_industries

ما الذي ينبغي على الشركات الكبرى فعله في ظل قيادة الشركات الناشئة للتغيير على جميع الأصعدة؟

تستثمر الشركات الكبيرة وغير القادرة على منافسة الشركات الناشئة من حيث السرعة أو التركيز، بدمج الابتكارات المدمرة في صميم أعمالها. سواء من خلال أسلوب الاستحواذ، أو مسرعات الأعمال أو صناديق رأس المال الاستثماري. ويعتمد ذلك على النهج الذي تتبعه الشركة. وكما اتفقت لجنة مؤلفة من أربعة من كبار التنفيذيين في مؤتمر إنسياد العالمي لرواد الأعمال الذي عقد في الآونة الأخيرة في أبو ظبي، ستواجه الشركات بغض النظر عن مدى نجاحها واستقرارها في القطاع، خطر الخروج من السوق في حال لم تكن مستعدة لمثل هذه النوعية من الابتكارات.

فالابتكار ليس بالضرورة إيجاد أسواق جديدة. بل يشمل تمديد دورة حياة المنتج، وخفض هامش التكلفة، والقدرة على قلب المشهد التنافسي. فقط عدد قليل من الشركات في يومنا هذا تتجاهل تأثير انتشار الابتكارات الرقمية التي تعيد تشكيل العلاقات التجارية، والعمليات اللوجستية وتغير الأسواق بشكل جذري في كل القطاعات.

قال طارق سلطان، المدير التنفيذي لشركة “أجيليتي” الرائدة بتقديم الخدمات اللوجستية في الشرق الأوسط خلال المؤتمر: “مفهوم السحابة، والاستخدام المتزايد للبيانات الكبيرة، والطباعة ثلاثية الأبعاد وإدخال سلسلة التوريد الرقمية من شأنه أن يغير طريقة سير العمل في المؤسسات والمتعاملين معها”.

لا تستطيع الشركات تفادي هذه التغييرات، بل هي بحاجة إلى تبنيها. وقد أسهم الإنترنت في إيجاد عالم من التنافسية فإذا لم تأخذ زمام المبادرة سيغتنم منافسك الفرصة. وفي حقيقة الأمر، قد لا تكون على دراية بأن لك منافسا في السوق حتى فوات الأوان”.

في حين تمتلك الشركات الكبيرة الموارد والقدرة للقيام بالتغيير اللازم، قد يكون إقناع أصحاب القرار تحديا في حد ذاته. فقد يقلل مديرو الشركات التي اختبرت النمو والتوسع من أهمية الابتكارات المدمرة ويعتبرونها مخاطر غير ضرورية. يوضح طارق “هناك مجموعة من الاستشاريين في الشركة ترى أن عدم أخذ الحيطة والحذر من الابتكار قد يكون سببا في خروج الشركة من السوق”. وأضاف “بالطبع هناك بعض الحالات تدعم نظريتهم. ولكن يجب عليك أن تبين لهم الجانب الآخر. فعلى سبيل المثال، كنا من الأوائل الذين تبنوا تكنولوجيا “سيسكو”، في الوقت الذي اعتبرت فيه هذه الخطوة تجربة فاشلة، واليوم هناك فرص بقيمة 10 بليونات دولار أتاحتها هذه التجربة، بسبب استثمارنا في التكنولوجيا وطريقة تسيير أعمالنا.

“من الجلي أننا كشركة بحاجة إلى التغيير وبأقصى سرعة ممكنة. علينا فقط ألا نقوم به في الوقت نفسه، ونهمل ما وصلنا إليه”.

يعد أحد أكبر المصاعب التي تواجه الشركات المتمرسة اليوم، فكيف، أو إلى أي مدى، تستطيع تبني ممارسات مدمرة دون إلحاق الضرر بمؤسساتهم. أو كما تساءل أحد المشاركين في المؤتمر، كيف تستطيع أن توازن بين المعايير الضرورية والابتكار الذي يتطلب المخاطرة؟

“في اعتقادي أن فكرة نهج التغيير الجذري خاطئة”، بحسب طارق، “فعديد من التقنيات تسمح بالاختبار من خلال خطوات صغيرة”. ففي حال كنت راغبا في الابتكار، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن الأشخاص الذين يعملون معك لديهم جداول صارمة، لذا أوكل مهمة الابتكار لأطراف أخرى. كإنشاء قسم منفصل أو شركة تابعة بهدف استكشاف منتجات أو ابتكارات تجريبية محتملة على نطاق أصغر. وبمجرد أن تكون على دراية بأنك على الطريق الصحيح، سيكون عندها حان الوقت لاتخاذ القرار الصعب والنظر عما إذا كنت ستدخله في العمل”. لا يدعم الجميع هذه الفكرة التي تنطوي على تهميش الممارسات المبتكرة.

أكد أندرياس جاكوبس رئيس مجلس إدارة إنسياد ورئيس باري كاليبو، الشركة الموردة الرائدة في عالم الشوكولاته أنه ينبغي على الشركات أن تسعى لأن تكون رائدة في مجال الأعمال داخل المؤسسات. وبحسب أندرياس “الابتكار ثقافة، فهو لا يأتي فقط من فكرة جيدة، بل شيء يجب أن يكون في صميم أهداف الشركة، وذلك ليس بالأمر السهل”.

أشار جاكوبس بصفته رئيسا لشركة تقوم بإنتاج المنتج نفسه لمدة 175 عاما إلى أهمية التفريق بين الابتكار والتجديد: “استجابة لرغبة المستهلكين في الحصول على منتجات صحية، قمنا بتغيير مواصفات المنتج، وقللنا من استخدام السكر الصناعي، واستخدمنا دهونا صحية. ولكن لا أنظر إلى هذا التغيير على أنه ابتكار بل تجديد دوري لمنتجاتنا”.

تجلى الابتكار في الشركة من خلال بحثها في عمق الأدغال في إندونيسيا والبرازيل وإفريقيا، وتشجيع الموردين على تغيير عملية التخمير لضمان عدم فقدان العناصر الطبية والصحية الطبيعية من حبوب الكاكاو خلال هذه العملية.

فالتغيير الجوهري يتطلب الوقوف على ما وصلنا إليه، وهو يتعلق بقدرتنا على تمكين الأشخاص العاملين في الشركة ضمن سلسلة التوريد. فنحن نتطلع لأن نكون من الشركات الرائدة في مجال الأعمال، لذلك نحن نحاول إيجاد نظام متكامل يحفز على الابتكار ويعطي شعورا بالانتماء والريادة على جميع المستويات”.

اتبعت شركة الأدوية الأردنية حكمة مسارا أكثر تعقيدا للابتكار، ووفقا لرئيسها التنفيذي سعيد دروزة: “شركتنا بطبيعتها ليست شركة ابتكارية على اعتبار أنها أسست في بلد صغير، لذا علينا أن نتعلم ونحاول إيجاد الطريق الصحيح للبقاء في صدارة المنافسة”.

استطاعت الشركة القيام بذلك من خلال القيام بمشاريع مشتركة، والاستحواذ وإنشاء صندوق رأس المال الاستثماري الذي يركز على التكنولوجيا الحيوية. ويقول سعيد إنه كان من المهم تحفيز الموظفين على الابتكار. “عليك أن تجد بيئة تقدر رواد الأعمال، وتسمح وتشجع الأشخاص على التفكير بشكل مختلف. فليس من الصائب أن تقوم بتوظيف عقول لامعة وتحملها على اتباع قواعد صارمة”.

من المهم للشركة أن تتفادى حصر نفسها في شعار ما، يقول سعيد: “لا تخش من اختبار منتجات في الوقت الذي تمضي فيه قدما”.

لم تكن فيليبس التي تعد وحدة من أشهر 40 علامة تجارية معروفة حول عالم اليوم، قادرة على الحفاظ على وجودها دون مرونتها في مواجهة التغيير وقدرتها على الابتكار في منتجاتها. فالشركة التي باعت القسم المختص بإنتاج التلفاز للانتقال من السلع الكهربائية إلى أخرى مختصة بالإضاءة وترشيد الطاقة، تركز اليوم على الاستفادة المثلى من الفرص التي أتاحها التشويش الرقمي على قسم الرعاية الصحية والمستهلك.

صرح أرين رادير الرئيس التنفيذي لشركة فيليبس الشرق الوسط وتركيا خلال المؤتمر: “الأمر يتعلق في نهاية المطاف بالقدرة على مجاراة السوق واتخاذ قرارات مصيرية. اتخذنا قرارنا بصرف نسبة 8 في المائة من عائدات مبيعات الشركة على الابتكار، هذه المبالغ غير مخصصة للإنفاق على التسويق، وكان قرارنا هذا عن دراية وعلى كل شركة أن تفعل المثل”. “كما اتخذنا قرارا واعيا آخر من خلال وضع إجراءات تهدف إلى تسهيل الابتكار، فالإبداع لا يحدث عن طريق الصدفة، بل يحتاج إلى هيكلية تسمح لك بتقديم مزيد مع مرور الوقت”. التشويش لا يعني عادة التغيير المفاجئ ولكنه مجموعة من الأمور والتغيرات الصغيرة. فمن دون البيروقراطية التي تعقد من سير العمل، تصبح الشركات الناشئة جاهزة للمجازفة وتحدي التقاليد والاستجابة بسرعة للتغيير. في الوقت الذي تحتاج فيه الشركات الكبيرة إلى فهم العوامل المحفزة من وراء هذا التغيير وأن تكون جاهزة للاستثمار والتكيف مع السوق المتغيرة. وستكون الشركات التي تقود هذا التغيير سباقة دائما بخطوة إلى الأمام.

على حد تعبير لي كون هي رئيس شركة سامسونج “كن على استعداد لتغيير كل شيء ما عدا زوجتك وأولادك”.

جين وليامز

نقلا عن الاقتصادية