ردع الاستفزازات الإيرانية في البحر

ردع الاستفزازات الإيرانية في البحر

usnavycarriersunsetorange-639x405

منذ كانون الثاني/يناير 2016، اعترضت «القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني سفناً بحرية أمريكية في الخليج ثلاثين مرة، أي بأكثر من 50 في المائة مما فعلته خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وفي كل حالة، كانت السفينة أو السفن الإيرانية تقترب ضمن مرمى النيران. وفي ثلاث مناسبات على الأقل، اقتربت إلى مسافة كانت لتجعل الاصطدام مرجّحاً على نحو كبير أو لتجعل السفن الأمريكية شبه عاجزة عن الدفاع عن نفسها في وجه زورق مدجّج بالمتفجرات. وتمثّلت أحدث التحديات باعتراض الإيرانيين للمدمّرة الأمريكية “يو أس أس نيتشه” في أواخر آب/أغسطس وسفينة دورية السواحل “يو أس أس فايربولت” في أوائل أيلول/سبتمبر.

وبالتالي، تسبّب انتهاك السفن الإيرانية المتزايد للمنطقة الآمنة المخصّصة للسفن الأمريكية وميل بعض القادة الأمريكيين إلى ضبط النفس ببروز وضع تتحرّك بموجبه السفن الحربية الإيرانية على مسافات كانت لتُعتبر سابقاً، ويجب أن تُعتبر حالياً، متهورة. لذلك، لا بدّ من عكس هذا الوضع الطبيعي الجديد السائد في الخليج من خلال مقاربة ثلاثية الأبعاد (مفصّلة أدناه) تقوم على الدبلوماسية الهادئة وغير المباشرة، وعند الضرورة، التحرك من خلال اتخاذ خطوات لاستعادة مرسى أوسع نطاقاً للسفن الأمريكية. إن عدم القيام بذلك قد يسفر عن حادثة أو واقعة تتواجه فيها القوات البحرية الأمريكية والإيرانية، مما قد يؤثّر سلباً على العلاقات الأمريكية – الإيرانية الأوسع نطاقاً.

وبالفعل، يسلك منحى التفاعلات الأمريكية – الإيرانية في الخليج المسار الخاطئ، ويحتمل أن يمهد الطريق أمام قيام تصادم غير متعمّد. وخلال العام الماضي، سجّلت «القوات البحرية للحرس الثوري» الإيراني نحو ثلاثمائة مواجهة قريبة مع سفن البحرية الأمريكية، لتتوّج بإطلاق صاروخ استفزازي إلى حدّ كبير على مقربة من حاملة الطائرات “يو أس أس هاري أس ترومان”. وفي كانون الثاني/يناير 2016، احتجزت «القوات البحرية للحرس الثوري» 10 بحارة أمريكيين من القيادة النهرية كانوا قد دخلوا مياهها الإقليمية عن طريق الخطأ وسرعان ما أرسلت طائرة بدون طيار لتحلّق فوق حاملة الطائرات “يو أس أس هاري أس ترومان”. وفي الشهر الماضي، اقتربت «القوات البحرية للحرس الثوري» كثيراً من أربع سفن أمريكية لدرجة طرحت خطواتهم خطر وقوع اصطدام. وبعد مناورات هجومية من جانب «القوات البحرية للحرس الثوري»، أطلقت سفينة الدورية البحرية “يو أس أس سكوال” طلقات تحذيرية.

ضمان السلامة البحرية

يتمّ تعليم قادة البحرية أن استخدام القوة خلال الدفاع عن النفس يتطلّب توافر كافة المكوّنات الثلاثة لـ “مثلّث الخطر”: القدرة والفرصة والنيّة. وتساعد المعلومات الاستخباراتية وتحليل الاتجاهات وفهم بيئة العمل على تحديد ما إذا كان الخصم يملك “القدرة” على تشكيل تهديد للقوات الأمريكية. وتُثبت حوادث على غرار القبض على البحارة الأمريكيين واعتراض سفينة “يو أس أس سكوال” أن «القوات البحرية للحرس الثوري» الإيراني تملك بالفعل القدرة على تهديد القوات البحرية في الخليج. أما العنصر الثالث، أي النية العدائية، فهي أكثر صعوبة للاستدلال. وتجدر الملاحظة أن القوات الأمريكية تلجأ إلى المناورات والتحركات التحذيرية لتحديد ما إذا كانت النيّة العدائية قائمة من خلال تفسير ردود فعل خصم محتمل. وعلى القائد أن يحاول تحديد النيّة الكامنة، والتخفيف من تصعيد الوضع، ومنع المعتدي من اغتنام “فرصة ما” لتسديد ضربته. وتستخدم السفن الأمريكية التواصل بين سفينة وسفينة، ومناورات السفن، والشعلات المضيئة، والإجراءات التحذيرية غير القاتلة، والطلقات التحذيرية، من أجل تجنّب استخدام القوة أثناء تحديد ما إذا كان استخدامها مبرّراً.

غير أن التوجيهات التي تحظى بها قوات البحرية الأمريكية في المنطقة تجيز بوضوح، بل تشجّع، على اتّخاذ إجراءات دفاعية. وتتّسم اللغة التي يستخدمها رئيس هيئة الأركان المشتركة وقائد الأسطول، على صعيد قواعد الاشتباك الثابتة في توجيهات رئيس هيئة الأركان إلى عناصر البحرية بوضوح تام: تتمتّع كافة القوات الأمريكية بالحق الطبيعي وواجب الدفاع عن النفس. وفي كانون الأول/ديسمبر 2015، وجّه نائب الأميرال جون دبليو. ميلر، قائد الأسطول الخامس، أمراً إلى قواته بوضع خطة لمواجهة أي سلوك إيراني عدواني والاستعداد لاتّخاذ تدابير تصعيدية من خلال تنفيذ خطوات تحذيرية يُطلق عليها اسم “الردود المخطّطة مسبقاً”. وأَعلن على وجه الخصوص أنه بإمكان القوات تخطي الردود المخطّطة مسبقاً إذا لم تعد الفترة الزمنية تسمح بذلك بسبب سرعة اقتراب المعتدي. وقال حرفياً إن تنفيذ الردود المخطّطة مسبقاً لا يتطلّب من القوات الأمريكية “استيعاب الجولة الأولى” قبل اتّخاذ تدابير دفاعية. وعلى الرغم من توجيهاته، نادراً ما تدخل سفينة أمريكية في استعراض قوة ردّاً على انتهاك «القوات البحرية للحرس الثوري» الإيراني.

وعلى الرغم من التبرير القانوني الواضح وتوجيهات القائد الداعمة لموقف دفاعي أكثر حزماً، سمحت القوات البحرية الأمريكية للقوات الإيرانية بالاقتراب من مسافات غير آمنة لسببيْن: أولهما رغبة واشنطن المتزايدة والكبيرة في تحسين علاقاتها مع إيران. وهذا ما يبيّنه اقتباس – تمّ أخذه من معلومات القيادة بشأن الحادثة – عمّا قاله قبطان الزورق الأمريكي “ريفرين كوماند بوت 802” في اللحظات التي سبقت احتجازه. ففي الوقت الذي كانت فيه «القوات البحرية للحرس الثوري» الإيراني تقترب من زورقه بعدما دخل المياه الإقليمية الإيرانية بشكل قانوني لكن غير مقصود، قال القبطان ما مفاده: “…حسناً، ما الذي كان يعتزمه القائد في هذه الحالة، أكثر ما يعتزمه القائد، ما كان القائد الأعلى ليرغب في أن أبدأ حرباً بسبب خطأ وسوء تفاهم”. وفي حالة البحار هذه، توافرت الجوانب الثلاثة كافة لمثلّث الخطر بوضوح. فقد كانت لديه القدرة والوسائل للهرب لكنه مع ذلك عجز عن القيام بهذا الأمر، مخالفاً بالتالي قواعد البحرية الأمريكية لمنع أي تفتيش في سفينته.

ثانياً، استسلم مسؤولو قيادة السفينة لتقديرات اتّخاذ القرار التي كانت قد طبّعت العمليات ذات المثلّث الخطر المغلق. وربما يقع اللوم في ذلك على “منحى الوضع الطبيعي” الذي يتمثّل برفض التخطيط أو الردّ على كارثة لم تحصل بعد، وتأثير “اليقين المزيّف”، وهو الميل إلى اتّخاذ خيارات لتجنّب الخوض في نزاع إذا كانت النتيجة المتوقّعة غير خطرة. وكانت «القوات البحرية للحرس الثوري» الإيراني قد اقتربت من السفن الأمريكية ثلاثمائة مرة في عام 2015 من دون التسبّب بخطر الاصطدام، وربما دفع ذلك بقادة البحرية الأمريكية إلى تصنيف مثل هذه التفاعلات على أنها طبيعية. ومن هذا المنطلق، يميل القادة إلى تجنّب أي خطوة تصعيدية لإيجاد حل للحالات التي لم تؤدِّ بعد إلى صراع.

فوائد الإصرار الأكبر

تشير الأدلة إلى احتمال تغيّر هذا الموقف المحافظ على نحو مفرط. ففي 24 آب/أغسطس، اعترضت ثلاثة زوارق دورية مسلحة من فئة “كاش” وأخرى من فئة “ناصر” تابعة لـ «القوات البحرية للحرس الثوري» الإيراني سفينتيْ “يو أس أس تمبست” و”يو أس أس سكوال” بالإضافةً إلى سفن كويتية مرافقة خلال تنفيذ تمرين بحث وإنقاذ في المياه الدولية. وكانت تصرفات «القوات البحرية للحرس الثوري» غير مهنية منذ البداية، حيث تجاهلت الزوارق الثلاثة من فئة “كاش” المساعي الأمريكية للتواصل خلال اقترابها، ومن ثمّ تقدّمت أمام ائتلاف السفن على بعد ست مائة ياردة. وردّت “يو أس أس تمبست” عبر إطلاق أبواق السفينة خمس مرات، وهو مؤشر الخطر البحري الدولي. وفي أعقاب تلك الإشارة، عبرت سفن «القوات البحرية للحرس الثوري» الإيراني وتجاوزت على نحو متكرر سفن الائتلاف في التشكيلة. وعلى مدى سبعة وأربعين دقيقة، حذّرت السفن الأمريكية سفن «القوات البحرية للحرس الثوري» بشكل مستمر عبر الاتصالات اللاسلكية، وإطلاق الأبواق، وإطلاق  تسع جولات من “الأسهم النارية” المحدثة للضجة وغير القاتلة، بالإضافةً إلى ثلاث شعلات مضيئة، كما استخدمت “الجهاز الصوتي الطويل المدى”، وهو نظام تحذير صوتي غير قاتل. وبعد ثماني جولات قامت بها «القوات البحرية للحرس الثوري» باتجاه السفن الأمريكية، أطلقت “يو أس أس سكوال” ثلاث رصاصات عيار .50 تحذيرية باتجاه السفينة الإيرانية من «القوات البحرية للحرس الثوري» الكائنة في المقدمة. وفي أعقاب الطلقات التحذيرية، توقّفت سفن «القوات البحرية للحرس الثوري» الإيراني عن الاقتراب، وحامت وراء سفن الائتلاف بحوالى ثلاثة أميال بحرية، ومن ثمّ غادرت [المنطقة].

وكما هو موضح سابقاً، هناك العديد من الخيارات المتاحة أمام قائد مسؤول يُبحر في الخليج لتحذير سفينة مبحرة بشكل استفزازي. ومع ذلك، فبمجرد اقتراب سفينة متحرّشة إلى المسافات التي اختبرتها كلّ من “سكوال” و”تمبست”، تتقلّص أوقات الرد إلى حد كبير كما تصبح الخيارات المتاحة لتجنّب أي تصادم أو اصطدام محدودة.

الاستنتاجات

من أجل إعادة رسم حدود خطر مقبولة، على الولايات المتحدة اتّخاذ خطوات على عدة مسارات – كما أُشير في البداية. ففي حين أنه من غير المرجح أن تسفر المبادرات على غرار تكثيف المساعي الدبلوماسية، عن إقناع إيران على تغيير تصرفاتها، يجب على الحكومة الأمريكية التأكد من أن الحكومات في كافة أنحاء العالم تدرك أن واشنطن لا ترغب في التصعيد وأن إيران تتحمّل مسؤولية أي حادثة قد تطرأ. وتحقيقاً هذه الغاية، على الولايات المتحدة أن تحضّ أولاً دولاً أخرى، مثل الصين وروسيا، على حث الإيرانيين بضرورة الموافقة على مساعي أمريكا الرامية إلى التخفيف من حدّة التوتر.

ثانياً، يتعيّن على واشنطن إطلاق حملة دبلوماسية عامة استباقية تشير بموجبها إلى أنها لن تتساهل بعد الآن إزاء أي سلوك غير آمن وغير مهني في البحر. فضلاً عن ذلك، على الولايات المتحدة تجديد الدعوات لإقامة خط ساخن بين القادة الأمريكيين والإيرانيين لتجنّب أي حادثة أو احتوائها. وفي حين رفضت إيران المساعي الأمريكية السابقة التي اقترحت عبرها إنشاء مثل هذا الخط الساخن، قد تكون هذه فرصة جديدة لإظهار أن القوات الأمريكية تفضّل التعايش السلمي.

 ثالثاً، يتوجّب على البحرية الأمريكية مراجعة الردود المخطّطة مسبقاً والتحذيرات للسماح بردّ أكثر حزماً على أي تحرش من جانب «القوات البحرية للحرس الثوري» الإيراني. فتشجيع القادة المسؤولين على اتّخاذ خطوات تحذيرية، من بينها إطلاق طلقات تحذيرية، في وقت مبكر من شأنه أن يعيد رسم حدود العلاقة البحرية بين الولايات المتحدة و«القوات البحرية للحرس الثوري» الإيراني وقد يدفع بإيران إلى إعادة النظر في خطواتها الأكثر خطورة في الخليج.

وأخيراً، لا بدّ من الإشارة إلى أنه من الأفضل ردع المضايقات الإيرانية. وتتمثّل أكثر الطرق فعاليةً لتحقيق هذا الهدف بالاستخدام المدروس لطلقات تحذير حيّة في وقت مبكر من الحادثة لإجبار السفن الإيرانية على البقاء على مسافات أكثر أماناً. وقد أظهرت “يو أس أس سكوال” أن مثل هذه الأنواع من تدابير الردع يمكنها بشكل آمن وفعّال نزع فتيل أي انفجار في الوضع. ويجب أن يكون الردّ على المضايقات البحرية في الخليج واضحاً وحازماً ومبكراً بما يكفي للحد من المخاطر والسماح للسفن الإيرانية في الوقت نفسه بالابتعاد بشكل آمن ومشرّف، لتجنّب وقوع أي حادثة قد تلحق الضرر بالعلاقة الأمريكية-الإيرانية الأوسع نطاقاً.

 كوماندر جيرمي فوغان

معهد واشنطن