المنافسة بين الولايات المتحدة وإيران: كيف ترتسم آفاق التعاون وما هي حدوده؟

المنافسة بين الولايات المتحدة وإيران: كيف ترتسم آفاق التعاون وما هي حدوده؟

irannuclearkerryzarifrtr3yjow-639x405

“في 7 أيلول/سبتمبر، خاطب جاي سولومون، جيمس دوبينز، ودينيس روس منتدى سياسي في معهد واشنطن. وسولومون هو كبير مراسلي الشؤون الخارجية في صحيفة “وول ستريت جورنال” ومؤلف الكتاب الجديد، «حروب إيران: ألعاب التجسس، معارك المصارف، والعروض السرية التي أعادت تشكيل الشرق الأوسط». والسفير دوبينز هو المبعوث الخاص السابق للولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان، من بين مناصب أخرى. والسفير روس، الذي أدار هذا المنتدى السياسي، هو مستشار وزميل “وليام ديفيدسون” المميز في معهد واشنطن والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.

جاي سولومون

منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر، تأرجحت العلاقات الأمريكية – الإيرانية بين فترات شهدت تنسيقاً محدوداً (سواء بشكل مباشر أو من وراء الكواليس) وأخرى طبعها الفتور. وقد أدّى سقوط حركة “طالبان” في أفغانستان إلى تعاون محدود وتوتّرات على حد سواء، حيث حذّرت الولايات المتحدة قوات «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني بعدم التدخّل في العمليات الميدانية في أفغانستان. وفي وقت لاحق، بعد غزو العراق، اتصلت إدارة بوش بوكلاء إيرانيين، فعقدت لقاءات مع أعضاء من «فيلق بدر» في وقت كان يناقِش فيه المبعوث الأمريكي زلماي خليل زاد والمسؤول الإيراني محمد جواد ظريف سبل التعاون.

وبعد إبرام الاتفاق النووي في العام الماضي، اعتقد الكثيرون أن البلدين قد يشكّلان ائتلافاً أوسع نطاقاً لوضع حدّ للحرب الدائرة في سوريا. بيد، لم يتبلور بعد أي تعاون إستراتيجي، ومنذ ذلك الحين انخفضت الآمال لقيام تقارب أوسع، لا سيما نظراً إلى عمليات الاعتقال المنفّذة في إيران بحق مزدوجي الجنسية، واستمرار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي باعتماد موقف متشدّد. وعلى الرغم من أن البعض شبّهوا الاتفاق النووي بتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين خلال سبعينيات القرن الماضي، يبدو أن احتمال حدوث أزمات مستقبلية مع إيران هو أكثر ترجيحاً لأن المصالح الثنائية المشتركة ليست عميقة بالقدر نفسه.

وفي الوقت الراهن، تتلاقى المصالح الأمريكية والإيرانية في بضعة محاور، لا سيما في العراق وسوريا فيما يتعلق بالحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وفي أفغانستان بشأن حركة “طالبان”. بيد، نظراً للخلاف الدائر حول الأهداف والنتائج في العراق وسوريا، يُعتبر التعاون في هذين البلدين بعيد المنال على الأرجح. وقد يكون التنسيق أكثر ممكناً بكثير – وأقلّ صعوبةً من الناحية السياسية – في أفغانستان.

أما بالنسبة إلى تداعيات الاقتتال الدائر داخل النظام الإيراني، ففي حين تعارض بعض العناصر تصريحات خامنئي أو سياساته، عليها اتّباع الخط الذي يرسمه في النهاية – وهو واقع ظهر جلياً خلال المحادثات النووية. وكان المفاوضون الإيرانيون ماهرين على وجه الخصوص في استخدام مطالب خامنئي كأداة في تلك العملية، حيث أقرّوا بأنه متشدّد لكنهم تمسّكوا بضرورة احترام مطالبه. وبالمثل، على الرغم من أن الرئيس روحاني كان يفضّل انفتاحاً على الغرب، إلا أن رغبة خامنئي في الحدّ من مثل هذا الانخراط يؤثر تأثيراً كبيراً على قدرة روحاني على رسم معالم السياسة الخارجية.

ومن وجهة نظر اقتصادية، إن الإيرانيين هم أكثر اهتماماً في ممارسة الأعمال التجارية مع الولايات المتحدة من مزاولتها مع روسيا والصين. لكن المناقشات مع المسؤولين التنفيذيين الإيرانيين تشير إلى أن «الحرس الثوري الإسلامي» يهيمن على نحو 20 في المائة من الشركات التي ستتمكّن المؤسسات الأمريكية أو الأوروبية من ممارسة الأعمال التجارية معها.

جيمس دوبينز

أضاعت الولايات المتحدة عدداً من الفرص لتطبيع العلاقات مع إيران منذ 11 أيلول/سبتمبر، حيث برزت فرصة كبيرة عقب سقوط حكومة “طالبان” في أفغانستان. وعلى الرغم من أن الجمهورية الإسلامية لعبت دوراً هاماً في التعامل مع “التحالف الشمالي” المعارِض، فضّل الرئيس بوش عدم الاستفادة من هذا الأمر، وأدلى بدلاً من ذلك بخطابه الشهير عن “محور الشرّ” بعد فترة وجيزة. وبالمثل، لم يصدُر قط أي ردّ من واشنطن بعد أن ادّعى أحد الجنرالات في «الحرس الثوري» الإيراني أن بلاده كانت ترغب في التعاون على تدريب القوات الأفغانية (والكثير من أفرادها كان قد تأثر بالفعل بالجهات الإيرانية في جنوب أفغانستان). وفي وقت لاحق، عندما أتاح الإيرانيون فرصة أخرى للمفاوضات، اعتَبرت إدارة بوش أنه لا يمكن الوثوق بالعرض، رغم وجود قنوات تواصل – لا سيما عن طريق خليل زاد – يمكن من خلالها التحقّق من مدى مصداقيته.

وتبذل إيران حالياً جهوداً أوسع نطاقاً للتعاون مع حركة “طالبان”، لكن جهودها تكاد لا تُذكر بالمقارنة مع تعاون باكستان مع الحركة. ويمكن القول الأمر نفسه عن دور طهران في تسهيل تحركات أتباع تنظيم «القاعدة» في سوريا، والذي لا يمكن مقارنته بالدور الذي تلعبه تركيا في مفاقمة هذه المشكلة.

وحين قامت الولايات المتحدة بغزو العراق، كان ردّ فعل إيران مماثلاً: فقد تقدّمت بعروض تنسيق وتفاوض نظراً إلى أن الغزو أزال عملياً أحد أبرز التهديدات الإقليمية التي تواجهها، ولأنها أملت أيضاً في احتواء التهديدات المستقبلية. يُذكر أن الحكومة في إيران كانت إصلاحية آنذاك، لذلك كانت العروض على الأرجح بمثابة مساعٍ حقيقية لإخراج البلاد من جوّ العزلة. ولكن عندما جاءت حكومة محمود أحمدي نجاد إلى السلطة في عام 2005، اعتمدت مقاربة أكثر عدائيةً بغية ضمان عدم كَوْن الجمهورية الإسلامية الضحية المقبلة لغزو أمريكي. ورغم المعارضة الداخلية الكبيرة في إيران، لا سيما في أوساط “الحركة الخضراء” في عام 2009، أعدّ النظام هيكلية يمكنها التكيف مع الظروف المتغيّرة.

وفيما يتعلق بالعقوبات على إيران، يظهر عنصران أساسيان فيما يخص فعاليتها: أولاً، تمّ تطبيقها على أساس متعدّد الأطراف، وخاصة من جانب الدول الأوروبية، وثانياً، أن هذه الدول أعطت موافقتها تمشياً مع مبررها الأساسي. وعلى الرغم من أن الدعم الأوروبي للعقوبات نبع جزئياً من الخوف من تداعيات خارجة عن القانون المحلّي تفرضها وزارة الخزانة الأمريكية، إلا أن هذا لا يعني أن الدول الأوروبية ستقبل ببساطة أي عقوبات مستقبلية إذا ما عارضت مبررات واشنطن لفرضها. ففي الماضي على سبيل المثال، عندما حاولت الولايات المتحدة فرض بعض العقوبات على الاتحاد السوفياتي وكوبا، رفضت أوروبا ذلك وهدّدت بفرض عقوباتها الخاصة على التجارة الأمريكية، مما اضطر واشنطن إلى العدول عن قرارها.

دينيس روس

قبل تطبيق عقوبات متشدّدة متعدّدة الأطراف على إيران ببعض الوقت، كان النفط السبب الرئيسي وراء تردّد واشنطن وغيرها من الجهات الفاعلة في سلوك هذا المسار. فقد خشي العديد من المراقبين من أن العقوبات الشديدة قد تدفع بطهران وشركائها إلى إقامة اقتصاد نفطي موازٍ، وفي حين كان هذا السيناريو مبالغاً فيه، كانت تداعيات خسارة الدولار كعملة أساسية لتجارة النفط على الصعيد العالمي كبيرة لدرجة لا يمكن تجاهلها. أما القرار الذي اتُخِذ في النهاية والذي قضى باعتماد مقاربة أكثر تشدّداً فقد كان راجعاً بجزء منه إلى الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي كان على قناعة بأن الحكومة الإيرانية لن تتأثّر بالعقوبات إلا إذا استهدفت النفط.

أما بالنسبة إلى التهديد بشنّ حرب شاملة، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وإيران لم تتحاربا بينهما بشكل مباشر حتى الآن، إلا أنه يمكن القول أنهما انخرطتا في نزاع كبير بالوكالة. كما أن احتمالات الانجرار إلى حرب إسرائيلية محتملة مع إيران قد أثّرت في التوجّهات الأمريكية في بعض الأحيان، كما كان عليه الحال عندما شدّدت إدارة أوباما العقوبات على طهران بين عامي 2011 و2012 وسط مخاوف من أن إسرائيل كانت تستعد لاتّخاذ خطوة عسكرية أحادية الجانب.

ولكن في نهاية الأمر، ربما يخشى خامئني الغزو الثقافي أكثر من خشيته من الغزو العسكري، وهو شعور أدى إلى صياغة العديد من سياسات نظامه المحلية ومناوراته الانتخابية، فضلاً عن ردّه على المفاوضات النووية. وعلى الرغم من القيود الشديدة التي تحدّد من يمكنه الترشّح للانتخابات، “سمح” النظام بانتخاب روحاني من أجل الحفاظ على الجمهورية الإسلامية. وفي الوقت نفسه، إن ردّ فعل الشريحة الصغيرة للغاية بل النافذة في المجتمع الإيراني التي تعتمد على الإيديولوجية الثورية كان عنيفاً إزاء الاتفاق النووي الذي توسط فيه فريق روحاني. وكما كان متوقّعاً، فإن الضغوط الشاملة الرامية إلى تحقيق استدامة هذه الإيديولوجية قد دفعت بخامنئي وغيره من المتشدّدين إلى توجيه انتقادات لاذعة للاتفاق، كما أن عدم حدوث تحسُّن في العلاقات الثنائية قد تحقّق بعد إبرامه.

  إيميلي برلينغهوز.

    معهد واشنطن