لماذا تأخر تحرير مدينة الموصل العراقية من قبضة “تنظيم الدولة”؟

لماذا تأخر تحرير مدينة الموصل العراقية من قبضة “تنظيم الدولة”؟

x441-2-jpg-pagespeed-ic-jgbbn4vp1p

نفى السفير الأمريكي لدى العراق، ستيوارت جونز، وجود صلة بين تأخر معركة تحرير الموصل، مركز محافظة نينوي، من يد “تنظيم الدولة”، وانتخابات الرئاسة الأمريكية، وقال إنه تم تشكيل لجنة عليا للتنسيق ومتابعة الملفات العالقة بين حكومتي بغداد وأربيل، واعتبر جونز -في تصريحات للصحفيين بمبنى السفارة الأمريكية ببغداد بمناسبة قرب انتهاء مهمته بالعراق- أن مشاركة “الحشد الشعبي”، في معركة تحرير الموصل، قرار داخلي عراقي.

ولفت جونز، إلى أن هناك تعاونًا مشتركًا بين القوات المسلحة العراقية و”البيشمركة” الكردية لتحرير المناطق التي تقع تحت سيطرة “تنظيم الدولة”، مشيرا إلى أن واشنطن قدمت مساعدات للبيشمركة بقيمة 415 مليون دولار، تنوعت بين رواتب لعناصر البيمشركة وتجهيزهم بالوقود والغذاء، بالتنسيق مع حكومة بغداد، وأكد أهمية وجود تنسيق بين القوات العراقية والبيشمركة من أجل هزيمة التنظيم.

وبحسب مراقبون، آخر المؤشرات تفيد بأن العملية قد تبدأ الشهر المقبل، أي بعد مرور أكثر من عامين على سيطرة “تنظيم الدولة” على الموصل وإعلان خلافتهم فيها، وتعد المدينة الواقعة في شمال البلاد آخر معاقل التنظيم في العراق، وتقول السلطات في بغداد إن تحرير الموصل يمثل نهاية للتنظيم على الأراضي العراقية، كما يتنبأ البعض بصراع على السلطة، بعد ذلك، قد يمهد لنهاية العراق بشكله الراهن.

وللتذكرة، فإن مدينة الموصل تقع في شمال العراق، وكان عدد سكانها قبل سيطرة المسلحين عليها 2.5 مليون نسمة، وتعد هذه المدينة مهمة من الناحية الرمزية، خصوصا أن زعيم تنظيم الدولة، أبا بكر البغدادي، أعلن من على منبر أحد مساجدها عن ولادة ما أطلق عليها “الخلافة” في نهاية يونيو 2014، ومنذ ذلك الوقت خسر تنظيمه سلسلة من البلدات والمدن في كل من العراق وسوريا.

تحرير الموصل

في 19 فبراير، سرّب مسؤول كبير في القيادة المركزية الأمريكية تفاصيل بشأن الهجوم العسكري المتوقع على نطاق واسع في العالم العربي، وهي المعركة لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل العراقية من قبضة “تنظيم الدولة”، وقال إن العمليات القتالية قد تبدأ في أبريل أو مايو، وستنطوي على ما يصل إلى 25 ألفًا من القوات العراقية والكردية.

وركز النقاش، الذي أعقب هذا الإعلان، بشكل أساس على الحكمة أو المنطق وراء تسريب خطط المعركة، وإلى حد ما على جدوى الخط الزمني لخطة المعركة، لكن السؤال الأهم هنا قد يكون: كيف يجب أن تتحرر الموصل، بحيث نضمن الاستقرار على المدى الطويل؟ وبعد كل شيء، إذا تم تنظيف الموصل من الجهاديين، لكي تسقط بيد التنظيم مرة أخرى بعد بضعة أشهر، فما الفائدة من هذه المعركة؟

وتمثل الموصل بيئة لا مثيل لها في العراق، فالمدينة بعيدة عن بغداد من حيث الموقع والثقافة على حد سواء، إنها تقع على بعد 200 ميل من العاصمة، و100 ميل إلى الشمال من أقرب القواعد العسكرية العراقية في بيجي، التي تعد موطئ القدم المؤقت للجيش العراقي في الشمال، والموصل أيضًا ثاني أكبر مدينة في العراق، ويزيد عدد سكانها قليلًا عن مليون شخص، يسكنون في مساحة تقدر بنصف مساحة بغداد.

وتضم الموصل أيضًا فسيفساءً من الأديان والأعراق، وكان عدد سكانها من السنة العرب يمثل 65% من التعداد الكلي للسكان، قبل استيلاء “تنظيم الدولة” على المدينة في يونيو 2014، وفي هذه المعركة المرتقبة، ستهاجم القوات العراقية مدينة لا يزال معظم سكانها المدنيين متواجدين فيها؛ حيث أنه، وخلافًا لمدن الفلوجة وتكريت، عمل “تنظيم الدولة” بنشاط لضمان بقاء معظم سكان الموصل محاصرين داخل المدينة، وفرضت المجموعة الجهادية “نظام الكفالة”، الذي يطلب ممن يغادر المدينة تحديد ثلاثة أشخاص يعاقبون بدلًا عنه، إذا فشل في العودة.

من يحرر الموصل؟

وفقًا لتسريبات القيادة المركزية في 19 فبراير، قد تشمل القوة المهاجمة خمسة ألوية من الجيش العراقي، مع ثلاثة ألوية من البيشمركة، والقوات العراقية الأصغر كقوات دعم، وتشير التقارير الأخرى إلى أنه سيتم إدخال قوة من رجال الشرطة في الموصل، كقوة استقرار في المناطق التي يتم تطهيرها.

وفي حال كانت الظروف مثالية والتخطيط ذكيًا، فقد تكون القوة المخطط لها من 20 إلى 25 ألف جندي كافية لإتمام المهمة، وفي أفضل سيناريو، قد تبدأ شبكات المتشددين والمجتمع المحلي في الموصل في التحول ضد تنظيم الدولة، والمساعدة في إخراجه من مناطقهم، وقد يبالغ التنظيم بردة فعله هنا، وينفذ أعمالًا وحشية، تثير رفضًا أكبر لوجوده وتسرّع من زواله.

ومن الممكن تسريع حدوث أي من هذه الاحتمالات، من خلال الضربات الجوية للتحالف، وتمكين الولايات المتحدة لعمل وحدات العمليات النفسية، التي ستسيطر على نظام الهاتف الخلوي، والاتصال مباشرةً مع الجمهور، وسيكون من شأن القوة المهاجمة أن تخدم في تحقيق هذا السيناريو، من خلال العمل على الاستيلاء على مواقع رمزية مثل مطار الموصل، والمجمع العسكري المجاور، وحتى جسور نهر دجلة.

لكن في الوقت نفسه، يمثّل الهجوم من خلال استخدام مثل هذه القوة الصغيرة مقامرة خطرة أيضًا، ولم يحاول جيش عراق ما بعد صدام أبدًا تحقيق مثل هذا المسعى الطموح بالاستيلاء على الموصل. وما لم يكن عزم “تنظيم الدولة” في الاستمرار بالسيطرة على الموصل أكثر هشاشةً بكثير مما كان متوقعًا، فسيكون قضاء الجهاديين على مثل هذه القوة العسكرية أمرًا سريعًا وبسيطًا، حيث ستواجه هذه القوة في الواقع عددًا هائلًا من المهام العسكرية، وسيكون عليها في كل منطقة من مناطق المدينة المترامية الأطراف، التصدي للتكتيكات المخادعة والأفخاخ، واستعادة الاستقرار والخدمات.

تخوفات سنية

هناك مشكلة واحدة، وهي أن العرب السنّة في مدينة الموصل ممنوعون حاليًا من دخول أراضي حكومة إقليم كردستان، التي أعطت بالفعل حق اللجوء إلى 1.4 ملايين شخص نزحوا من القتال في العراق وسوريا، وتأمل وكالات المعونة في حالة حدوث نزوح جماعي من مدينة الموصل، أن تغير حكومة إقليم كردستان رأيها، وتسمح للنازحين بالدخول إلى أراضيها، وإذا لم يسمحوا لهم، فإنه من المحتمل أن يرحل هؤلاء الموجودون في الموصل باتجاه مدينة كركوك.

وكان لدى سكان الموصل من العرب السنّة دوافع قوية لخوض أي معركة من أجل مدينتهم، حيث سيطر الجيش العراقي، وغالبيته من الشيعة، على مدينة الموصل لمدة 10 سنوات حتى عام 2014، وخلال هذه السنوات، تصرفوا كأنهم قوات احتلال أجنبية، ما أثار استياءً واسعًا بين السنّة، الذين رحبوا بانتصار “تنظيم الدولة” وهزيمة الجيش العراقي على نطاق واسع.

كما أنهم متخوفون من مشاركة قوات الميليشيات الشيعية الطائفية المعروفة، ويبلغ عددها نحو 120 ألف شخص، في أي هجوم على الموصل، حيث استولت هذه القوات على المدن والقرى السنّية الواقعة حول بغداد في الماضي، وعاملوا الذين لم يفروا من تلك القرى كمتعاطفين مع “تنظيم الدولة”، بغض النظر عن طبيعة ولائهم الفعلي، إن وجد، واعتقل الشباب السنّة وعذبوا حتى الحصول على فدية أو يتم قتلهم، ويتوقع السكان السنّة في مدينة الموصل أن نفس الشيء سيحدث لهم.

وحتى إذا لم تسقط مدينة الموصل في أيدي الجيش العراقي، أو قوات البيشمركة الكردية، أو غيرهما من القوات المحاربة لـ”تنظيم الدولة”، فإن محاولة الاستيلاء على المدينة سيصحبها غارات جوية مكثفة من الولايات المتحدة، ففي أثناء حصار بلدة كوباني، السورية الكردية، لمدة أربعة أشهر؛ دمر معظم البلدة بواسطة القنابل الأمريكية التي تستهدف مسلحي التنظيم، وبعيدًا عن وقوع الضحايا من المدنيين، فإن القصف الجوي سيقلل من الإمدادات المحدودة بالفعل لمدينة الموصل من الكهرباء، والوقود، والمياه الصالحة للشرب، حيث يوجد الكثير من السكان في المستشفيات يعانون من أمراض في الأمعاء بسبب شرب المياه غير الصالحة للشرب.

فور برس – التقرير