هل تخرج سوريا من دائرة.. الدم والدمار؟

هل تخرج سوريا من دائرة.. الدم والدمار؟

%d8%af%d9%85%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%af-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-620x330

هل يمكن للسلام أن يعود إلى سوريا ثانية عبر هذه الهدنة المهددة بكل أنواع الاختراق؟ وإلى أي مدى يستطيع الأميركان والروس أن يرسموا أبعاد الاستقرار ودوام الهدنة؟ وهل سينجح الطرفان وسط تضارب المصالح والضغوط، في التحكم بكل خيوط الصراع الدامي التي تمتد إقليمياً ودولياً، شرقاً وغرباً؟ هذه «حرب أهلية» في التحليل السياسي، بعد أن جرى تمزيق الثورة وسحق الانتفاضة السلمية، ولكن الحرب الأهلية السورية، كما يقول المحللون، ليست كبقية الحروب الأهلية. وقد لا تنتهي نفس نهايتها.. وربما تستمر لسنوات، ملتهمة الأخضر واليابس!

حقيقة بسيطة لا تتغير في حرب سوريا، قالت صحيفة «القبس»، «هي أنها عصية الحل، عنيدة أمام كل محاولة.. إن المؤشر الوحيد الذي تتحرك إبرته هو مؤشر معاناة السوريين الذي لا يتحرك إلا في اتجاه واحد: نحو الأسوأ». صحيفة «نيويورك تايمز»، تقول «القبس» استعرضت مع خبراء الحروب ما يجري وما سيجري.. وقيل إن في المتوسط تدوم مثل هذه الحروب عقداً من الزمان.. أي ضعف فترة الحرب السورية حتى يومنا هذا! المقلق جداً، أن العديد من العوامل التي من شأنها إطالة هذه الحروب الأهلية وزيادة درجة عنفها وتعقيد أحداثها.. موجودة في سوريا.

البعض وجّه سؤالاً إلى «باربرا والتر»، من جامعة «سان دييجو» بالولايات المتحدة، والخبيرة في مجال الحروب الأهلية، عن وجود أي صراعات أو حروب تاريخية مشابهة لسوريا في تفاعلاتها، فأطرقت الأستاذة هنيهة، ثم فكرت في بضعة احتمالات، ثم هزّت رأسها في استسلام، «لا حرب تشبه الحرب السورية في التاريخ كله، إنها حقاً وفعلاً حالة عويصة». فمثلاً، معظم الحروب الأهلية تنتهي بخسارة أحد الطرفين، إما بالهزيمة العسكرية وإما بالاستنزاف أو خسارة الدعم الشعبي. الطرفان الأساسيان في نزاع سوريا، يقول التحليل، هما النظام والمعارضة، كلاهما مُنهك، ولكن هناك دعماً خارجياً واسع الطيف للطرفين.

فلا العتاد ينفد ولا الدعم السياسي. وثانياً: في معظم الحروب، تعتمد قوات القتال على الدعم الشعبي، «لكن في سوريا التي يعتمد فيها النظام ومعارضته على الدعم الأجنبي فالعكس تماماً هو الحاصل. لأن مقاتلي سوريا يعتمدون على الداعمين الأجانب بدلاً من السكان المحليين، لذا ليست لديهم أي حوافز لحماية المدنيين». إرهاب وإرعاب وتشريد المدنيين، والذي لا يرحم شيخاً أو طفلاً أو امرأة أو عجوزاً، جزء من سياسة خلخلة سيطرة العدو وضرب الدعم الشعبي له.

البروفسور «فيرون» من جامعة ستانفورد، يشير إلى جانب مأساوي آخر من سيكولوجية هذه الحرب. «فمنع الطرف الآخر من الربح أهم من أن تحقق أنت أي ربح». ويؤخذ بالاعتبار أن ما يتحكم بالقوى العسكرية الخارجية وبالدول العظمى كذلك، هي بعض اعتبارات هذه الحرب الدامية. روسيا مثلاً، يقول د.فيرون، قد ترغب في تنحي الأسد أو على الأقل في تقديمه بضعة تنازلات، ولكنها لا تستطيع إجبار الأسد على التصرف كما تشاء، كذلك لا يسعها مغادرة سوريا دون أن يعني ذلك التخلي عن مصالحها هناك.

أما الأسد في هذه الأثناء، فلعله يُمني النفس بتدخل روسي أكبر يحسم النصر لمصلحته. وهو ما تمتنع موسكو عن إعطائه إياه. الطريقة الوحيدة لكسر الجمود في ميزان القوة والخروج من مأزق التعادل، هي أن ينتصر أحد الطرفين على الآخر ويتفوق عليه، لكن نظراً إلى أن حرب سوريا جرّت أكبر قوتين عسكريتين في العالم، روسيا وأميركا، فلعل إبرة المؤشر لن تتزحزح إلا باحتلال كامل، كما في العراق وأفغانستان.

ما من أحد يتابع مأساة الشعب السوري على مدى هذه الأعوام، ويرى مدناً عريقة مثل حماة وحلب تنهار وتحترق أمام عينيه، إلا ويغرق في الحزن والأسى. حقاً، لماذا يقع كل هذا في زماننا؟ ولماذا يكون جيلنا شاهداً على مثل هذا الدمار، ومشاهد العذاب والتمزق والأشلاء التي تسحب إلى الخارج من بين ركام المباني؟

هل ستدوم الهدنة وتتطور.. أم أن القادم فعلاً أسوأ بكثير؟ كيف تم جر انتفاضة الشعب السوري وثورته، وكيف أدخلت هذه الحركة الشعبية الواسعة في هذه المتاهات؟ هل كانت مجرد اتفاق وتنسيق بين أجهزة الحرس الثوري الإيراني والأطراف السورية؟ ولماذا حقق الطرفان هذا النجاح المذهل في تدمير «عراق ما بعد صدام» و«سوريا ما بعد الأسد»؟ لم يكتف النظام السوري بـ«الثورة المتوحشة» في تقويض ثورة السوريين، يقول الكاتب الفلسطيني «ماجد كيالي»، بل انتهج مع هذه الثورة، وبالتعاون مع حلفائه من دول وميليشيات، استراتيجيات عدة لعل أبرزها، أنه شكك في مصداقية الثورة بادعاء أنها مؤامرة إرهابية خلفها نوازع طائفية مدعومة من الخارج. وقد أدت هذه الاستراتيجية للأسف إلى ميل بعض مكونات المعارضة إلى الخطاب الديني والطائفي على حساب الخطاب الوطني، مما أضعف زخم الثورة ومصداقيتها إزاء شعبها. كما سهل النظام عملية قيام جماعات إسلامية عسكرية معارضة، وضمن ذلك سهل عود «داعش».. من العراق إلى سوريا. وفتح النظام البلد على مصراعيه أمام التدخل العسكري الإيراني ثم الروسي، بينما لم يستطع «أصدقاء سوريا»، وبينهم الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا وبعض الدول العربية تقديم مضادات الطائرات مثلاً أو فرض الحظر الجوي أو إقامة منطقة عازلة. وأعاد النظام تركيبة الكثافة السكانية بما يتناسب وظروف القتال والتصدي للمعارضة، وخطط للدفاع عن المدن الرئيسة مع محاصرة باقي المدن، مما حول الثورة إلى كارثة إنسانية، حيث انسحب النظام من مناطق وأحياء شعبية.. تحولت إلى عبء إنساني وخدماتي واجتماعي للمعارضة. واستطاع النظام عبر استراتيجياته هذه، كما يلاحظ الأستاذ كيالي، حرمان الثورة من طابعها الشعبي بتعمده تكبيد «البيئات الحاضنة» الأثمان الباهظة بالقصف العشوائي والقتل الجماعي والتدمير الشامل والاعتقال والحصار والتجويع. والاستفادة من مكونات الشعب السوري واستخدام تناقضات تنوعها دينياً وإثنياً. ومن هذا، محاولته كسب الكرد إلى صفة في الصراع، وتقديم التسهيلات إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي – الكردي»، للهيمنة على المناطق ذات الكثافة الكردية. وبث النظام الإشارات منذ بداية تحرك المعارضة والثورة، بأنه حافظ أمين للأمن الإقليمي ضد إسرائيل، في حين «أن خراب المشرق العربي، لا سيما العراق وسوريا، هو أكبر ضمان لأمنها لعقود». من يعين سوريا داخل النفق المظلم هذا؟

خليل علي حيدر

*نقلا عن صحيفة الاتحاد