صحة هيلاري ومتاعبها السياسية

صحة هيلاري ومتاعبها السياسية

timthumb-php
المشاهير ، ومن ضمنهم السياسيون ، ليسوا كأحد من البشر. حياتهم الشخصية كتاب مفتوح، تحركاتهم مرصودة، خصوصيتهم مستباحة، أحزانهم وأفراحهم لا تعنيهم وحدهم، حتى أمراضهم ليست شأناً خاصاً. يكاد الإعلام يحصي عليهم أنفاسهم متجاهلاً أن من حقهم أن تكون لهم حياتهم الخاصة وأسرارهم ومناطق معتمة في دنياهم لا يراها غيرهم.
تفسر هذه الحقيقة لماذا تحوّل مرض المرشحة الديمقراطية في سباق الرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون من وعكة صحية مفاجئة إلى القضية الأولى في البلاد. السبب في ذلك مفهوم ، فهي ليست شخصية عادية أو حتى واحدة من مئات المشاهير المعروفين. إنها الرئيس الأمريكي المحتمل اعتباراً من الثامن من نوفمبر المقبل، وبالتالي فإن وضعها الصحي سيصبح جزءاً من الأمن القومي ، وليس مشكلة تخصها وحدها.
لسوء حظ هيلاري أن وعكتها الأخيرة حدثت على الهواء مباشرة. وسجلت الكاميرات ترنّحها وسقوطها الوشيك قبل أن يسارع مساعدوها بإسنادها وإدخالها إلى سيارتها. أعلنت حملتها في البداية أنها شعرت بارتفاع في درجة الحرارة، ثم قالت إنها تعاني التهاباً رئوياً. غير أن كثيرين لا يصدقون ذلك ويصرّون على أنها تخفي حقيقة مرضها الخطير.
في مقدمة هؤلاء بالطبع دونالد ترامب ، منافسها الجمهوري الذي قال أكثر من مرة إنها غير لائقة صحياً لمنصب الرئيس. صحفيون آخرون أدّعوا أنها مصابة بمرض براكينسون وتلف في المخ. وذهب أحدهم للقول إنها على وشك الموت. لم تتوقف التكهنات عند طبيعة مرضها، بل ذهبت إلى ما هو أبعد بالحديث عن اجتماعات سرية للحزب الديمقراطي لاختيار بديل لها. وطرحوا أسماء مثل جو بايدن نائب الرئيس، أو تيم كين نائبها المرشح، حتى منافسها السابق بيرني ساندرز تردد اسمه.
وبصرف النظر عن المبالغات التي تحركها دوافع سياسية متوقعة في ذروة الحملة الانتخابية، فمن المؤكد أن توقيت مرض هيلاري سيزيد موقفها صعوبة. وعليها أن تبرهن دائماً أنها بصحة جيدة وهو تحد جديد يضاف إلى التحديات السياسية العديدة التي تواجهها. وستكون مشكلة كبرى أن تصاب مرة أخرى بوعكة جديدة قبل الانتخابات.
من سوء حظ هيلاري أيضاً أن مرضها هز ثقة الرأي العام في البيانات التي تصدرها طبيبتها الخاصة ليزا بارداك ، وتؤكد فيها أنها لائقة تماماً لمنصب الرئيس، رغم أن تلك البيانات أكثر تفصيلاً ودقة من مثيلتها الصادرة عن ترامب. في منتصف أغسطس الماضي أكدت بارداك أن حالتها الصحية ممتازة وأعقبت ذلك ببيان تفصيلي. وفي يوليو 2015 أصدرت بياناً جاء فيه أن هيلاري تجاوزت الأزمة التي تعرضت لها في ديسمبر 2012 وخضعت خلالها لجراحة إثر تجمّع دموي في الدماغ. وكانت هذه الأزمة هي الشرارة التي انطلقت منها الشكوك حول صحتها والتي ما زالت تطاردها حتى الآن.
على العكس من ذلك لم يصدر عن ترامب سوى بيان مقتضب من طبيبه أكد فيه أنه سيكون أفضل رئيس أمريكي من الناحية الصحية. ولم يتحدث عن أمراض معينه يعانيها المرشح البالغ من العمر سبعين عاماً والذي يكبر هيلاري بعامين.
في كل الأحوال يسجل التاريخ أن هيلاري ليست أول السياسيين الأمريكيين الذين يمرضون، ولا أول من يغشى عليه أمام الكاميرات. حدث ذلك للرئيس بوش الأب الذي أصيب بنوبة سعال ثم إغماء، وتقيأ على ملابس رئيس الوزراء الياباني خلال استقبال رسمي. وسقط بوش الابن مغشياً عليه في البيت الأبيض عقب نوبة سعال كتلك التي انتابت هيلاري قبل أيام. وأصيب الرئيس وودرو ويلسون بسكتة دماغية خلال وجوده في الحكم أبقته شبه عاجز. وكان الرئيس فرانكلين روزفلت مقعداً على كرسي متحرك. بينما عانى الرئيس جون كيندي آلاماً مزمنة في الظهر. وأصيب أيزنهاور بنوبة قلبية وخضع لجراحة لإزالة انسداد في الأمعاء. كما خضع الرئيس ليندون جونسون لجراحة في المرارة. واستأصل الأطباء ورماً سرطانياً من قولون رونالد ريغان.
قائمة المشاهير الأمريكيين الذين يسقطون أمام الكاميرات طويلة، ولا يمكن حصرها. وربما بسبب هذا التاريخ المرضي الحافل للرؤساء والسياسيين عموماً أصبح الكشف عن الحالة الصحية لكبار المسؤولين من التقاليد المتبعة في الحياة السياسية الأمريكية. ويعتبر الإعلام أن هيلاري وترامب هما أقل مرشحين رئاسيين إفصاحاً عن وضعهما الصحي. إلا أن الاثنين يصرّان على أن ما أعلناه من تفاصيل يكفي تماماً. ويضيف مؤيدو هيلاري أن السعال والالتهاب الرئوي والحساسية ليست أمراضاً تصيب المرشحة الديمقراطية وحدها ، ولكنها شائعة بين السياسيين لسبب بسيط هو أنها شائعة بين البشر.
عاصم عبدالخالق
صحيفة الخليج