عيد الغدير وضياع المواطنة في العراق

عيد الغدير وضياع المواطنة في العراق

iraq22

إيران أمة موجوعة ونفسها مبتورة، فقد اقتحمها العرب بسيوفهم وهدموا مملكتهم التاريخية العظيمة، التي عاشت في رخاء ثقافي عبر العصور. وكان الفتح العربي مؤثرا إلى درجة أن لغتهم انقرضت، لولا شاعر إيراني يدعى الفردوسي أنقذ اللغة الفارسية من الفناء. معظم فلاسفة فارس وفقهائها وأدبائها كانوا يكتبون بالعربية.

خلّف الفتح العربي لإيران دينا جديدا وألغى ديانتهم القديمة الزرادشتية. ولقرون توجعت إيران من قمع فلاسفتها ومثقفيها، كانوا عند العرب مجرّد موالٍ وكتّاب دواوين وأطباء، ومنهم كانت تأتي أجمل الجواري؛ الفارسية جارية والعربية حرة، هكذا شاع في التاريخ ظلما، ثم مع الزمن حدث انقلاب.

نظرت فارس إلى حكاية الحسين بن علي فقد تزوج شهربانو ابنة يزدجرد الثالث، الملك المهزوم الذي قتله العرب وأخذوا بناته سبايا، كما سيقتل العرب لاحقا حفيد النبي وصهرهم الحسين، ويحملون رأسه على الرماح إلى الشام. واختلط دم النبوة بدم كسرى، فأنجبت الأميرة للحسين ولده الإمام زين العابدين، ومن أصلابه جاء تسعة أئمة، والغائب المهدي المنتظر هو أيضا من هذا الخليط، دم نبي ودم كسرى.

هذه الحكاية ناسبتهم أكثر فلم يستفيدوا من المأمون (ابن الفارسية) الذي نصروه على أخيه الأمين (ابن العربية) في حربه التي هدمت بغداد وقتلت الأمين. وما لبث أن انقلب المأمون مجددا عليهم، كما انقلب هارون على البرامكة، وكما غدر المنصور بأبي مسلم الخراساني وقطع رأسه بعد القضاء على بني أمية؛ صراع سلطة وقوميات وسياسة.

لملم الفرس حزن حضارتهم وجرحهم النرجسي القومي كله في الحسين وأهل البيت، منذ الدولة الصفوية (القرن السادس عشر) وجدوا فيها استقرارا روحيا وقوميا، كما وجدوا حماية لهم من السلطان العثماني السني. وسار التاريخ قرونا مظلمة على هذا النحو حتى انفجرت إيران بالخميني. ابتدع الفرس موضوع العمامة السوداء التي لبسها الخميني والادعاء بأنهم من نسل النبي العربي محمد، لأنهم كابدوا لقرون من احتكار الإمامة والسيادة لقريش، وهم مجرد موال فرس وعجم “إنما السواد بستان لقريش” مقولة سعيد بن العاص الشهيرة، وخرج عليهم صدام حسين بمقولة “الفرس المجوس”، وأطلق عليهم أبوبكر البغدادي مقولة “إنما الروافض أمة مخذولة”.

إيران تكشف عن جرح ثقافي وعقدة تاريخية كلما انغمست في صراعها مع العرب. وفي هذا الجرح الغائر ذهب مليون قتيل في الحرب العراقية الإيرانية، ومازالت المنطقة تنزف. نريد منهم ألّا يتدخلوا في شؤوننا، أن يتركوا العرب وشأنهم، وهم لم ينسوا هدم ملكهم وتخريب لغتهم، ولا إذلالهم في العصر الأموي، ولا الغدر بهم في العصر العباسي، ولا مقاتل الصفويين مع العثمانيين الذين طردوهم من بغداد، ولا مقاتل الحرس الثوري مع العراقيين.

هذا الموضوع مستمر ولا نهاية له. كل يوم تحدث مصيبة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، والصراع القومي مستمر، قضية تاريخية. البارحة احتفلوا بعيد الغدير وهي قصة عجيبة تقول إن الرسول بايع عليا على الخلافة. المشكلة أنه عيد مضرّ بالوحدة الوطنية العراقية ويقسم المجتمع. فماذا يقول السني لجاره في بغداد “عيدكم مبارك ذكرى خيانة الخلفاء الراشدين وسرقتهم الخلافة؟”.

المأساة في العراق أن النفوذ الإيراني يلغي المواطنة. هل هناك وطن للمسلم؟ معاوية من قريش وعاصمته دمشق وقبره هناك. والمنصور من قريش وبنى بغداد وقبره فيها، وعلي بن أبي طالب من قريش وعاصمته الكوفة وقبره هناك. أين يقول الإسلام بالدفاع عن الوطن؟ ما هي أمة المسلم؟ هل أمته المسلمون ونشيده الوطني القرآن؟ كيف يتم التوفيق بين هذا والمواطنة والدولة الحديثة. ماذا فعل الكاتب العراقي على مستوى الثقافة لأجل هذا الموضوع؟

أوروبا كانت محكومة بالفاتيكان ومنسجمة مع فهمها القديم للعالم، ثم حدث التنوير والتمرّد على الكنيسة وظهرت الدولة القومية، وانفجر العهد الصناعي والحداثة. نحن كيف انتقلنا من الخلافة العثمانية إلى الدولة الحديثة والمواطنة؟

كيف نبني وطنا فيه جهاد داعشي يحارب جهادا كفائيا شيعيا بفتوى السيستاني. ثم أين هو وطن السيستاني؟ إيران أم العراق؟ السيستاني سيد من قريش، وأبوبكر البغدادي سيد حسيني من قريش. كيف نعيش كمواطنين بعد حرب كهذه؟ وكيف نوفق بين وطننا وبين “هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”.

الخميني أسس دولة على تصدير الثورة الإسلامية، وأردوغان يعيد صياغة تركيا الحديثة إسلاميا، وداعش تطلق الرصاص على الجميع. كيف يظهر مواطن عراقي ويعيش بسلام؟

أسعد البصري

نقلا عن العرب