سوف يصمد الاتفاق النووي الإيراني في عهد الإدارة المقبلة

سوف يصمد الاتفاق النووي الإيراني في عهد الإدارة المقبلة

56e915fac36188417a8b4579

مثل سيارة فقدت رائحة السيارة الجديدة، والتي أصبحت فيها عيوب قليلة في دعامياتها، تظهر الاتفاقية النووية التي تم التوصل إليها في العام الماضي بين إيران وست قوى عالمية بعض الضعف بعد أشهر وحسب بعد تنفيذها بالكامل.
لكن خطة العمل الشامل المشتركة، كما تعرف الصفقة النووية الإيرانية، نجت من مجموعة من الجهود التي استهدفت نسفها، والتي بذلها معارضون في إيران والولايات المتحدة على حد سواء، وأصبح من المرجح أن تستديم الصفقة في الإدارة الأميركية التالية.
وتتصل المشاكل الخاصة بالاتفاقية أكثر ما يكون بالعداء الكامن بين الولايات المتحدة وإيران، واللتين لم تربطهما أي علاقات دبلوماسية طبيعية منذ العام 1980.
في إطار سعيهم إلى إثبات أن خطة العمل الشامل المشتركة لا تعني إرضاء الشيطان الأكبر، صعد المتشددون الإيرانيون من الممارسات الاستفزازية، بما في ذلك اعتقال عدد من الأشخاص مزدوجي الجنسية، وإجراء تجارب على الصواريخ الباليستية، والتحرش بالسفن الحربية الأميركية في الخليج. وكان المرشد الروحي الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، قد حذر مسؤولي الحكومة الإيرانية مراراً وتكراراً من مغبة التفاوض مع الولايات المتحدة على مسائل غير نووية، حتى بينما كان دبلوماسيون رفيعون يستمرون في عقد الاجتماعات لمراجعة تنفيذ الاتفاقية النووية، ولبحث إمكانية التوصل إلى تسوية محتملة للحرب في سورية.
وفي الجانب الأميركي، ما يزال الجمهوريون وبعض الصقور الديمقراطيين يسارعون الخطى للانقضاض على أي ممارسة إيرانية سلبية، كدليل يثبت أن خطة العمل الشامل المشترك قد فشلت. وقد استشهد منتقدون مؤخراً بتقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، والذي ادعى أن إدارة أوباما دفعت مبلغ 400 مليون دولار نقداً لإيران بعد إطلاق سراح أربعة أميركيين من أصل إيراني ومواطن أميركي خامس في يوم تنفيذ الصفقة.
وفي الحقيقة، لم تكن الدفعة المذكورة “فدية” عن الأميركيين، وإنما كانت عملية إعادة لأموال كانت إيران قد دفعتها نظير شراء أسلحة قبل الثورة، لكن تلك الأسلحة لم تسلم لها أبداً. وقد تم تبادل الأميركيين مقابل سبعة مواطنين إيرانيين كانوا معتقلين في السجون الأميركية بسبب انتهاكهم نظام العقوبات التي فرضت على إيران.
ومن الجدير بالذكر أن بعض منتقدي الصفقة النووية، مثل ديفيد أولبرايت من معهد العلوم والأمن الدولي، قد أكدوا أن إيران تمارس الخداع وتدور حول أطراف خطة العمل الشامل المشتركة من خلال الاحتفاظ بكميات من المواد الحساسة، بما في ذلك يورانيوم منخفض التخصيب كان قد ترك في فضلات المنتجات في مواقع نووية إيرانية. لكن إدارة أوباما نفت وجود أي “استثناءات”، ودافعت عن سرية اللجنة المشتركة التي تم تشكيلها لمخاطبة أي قضايا ذات اهتمام مشترك على جناح السرعة.
وفي الأثناء، وفي الجانب الإيراني ما يزال هناك تدفق ثابت من الشكاوى من أن الولايات المتحدة لم تف بالجزء الخاص بها من الصفقة حول رفع العقوبات. ويقول مسؤولون أميركيون إنهم فعلوا كل شيء مطلوب عبر رفع ما تدعى العقوبات الثانوية التي هددت بمعاقبة الشركات الأجنبية التي تتعامل تجارياً مع إيران، مشيرين إلى أن أحداً لم يجبر جماعة الأعمال -وخاصة المصرفيين- على العودة إلى سوق ما تزال تنطوي على خطر كبير.
في الحقيقة يشهد اقتصاد إيران راهناً استعادة بطيئة للقوة، حيث عادت الصادرات النفطية تقريباً إلى المستويات التي كانت عليها في العام 2011 قبل أن يلقي الثقل التام للعقوبات بظله. وتشرع البنوك الآسيوية والأوروبية في إجراء تعاملات مع إيران، لكن تمويل بعض الصفقات يظل يواجه قيوداً من حيث استخدام الدولار الأميركي.
وخلال الحملة الرئاسية الأميركية، انتقدت الديمقراطية هيلاري كلينتون سياسات إيران الإقليمية، مثل دعم حكومة سورية، بينما دافعت بقوة عن الاتفاقية النووية الإيرانية، وتبجحت بدورها في إرساء أرضية العمل الدبلوماسي لها كوزيرة للخارجية.
وحديثاً، دعمت كلينتون الموقف الديمقراطي الداعي إلى تجديد لقانون عقوبات إيران المقرر أن ينتهي في نهاية هذا العام. وتجدر الإشارة إلى أن التشريع، وهو إجراء ثانوي للعقوبات يستهدف الاستثمار الأجنبي في قطاعي النفط والغاز الإيرانيين، معلق في الوقت الراهن استناداً إلى خطة العمل المشترك، وسوف يعود إلى التطبيق إذا انتهكت إيران الاتفاقية بشكل كبير.
من جهته، لم يتخذ المرشح الرئاسي الجمهوري، دونالد ترامب، أي موقف من التشريع. ومن الصعب أخذ تهديداته بإعادة التفاوض حول الصفقة النووية على محمل الجد، على ضوء أنه اتفاق متعدد الأطراف، وأن أي قرار أميركي أحادي للتخلي عنه لن يكون ملزماً لروسيا والصين أو لحلفاء أميركا الأوروبيين والآسيويين.
حكماً على خطابات حديثة في حملته، فإن أولويات ترامب تتركز على ترحيل المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين وغيرهم من المهاجرين اللاتينيين، ومنع المهاجرين المسلمين وإعادة التفاوض حول ما يعتبره معاهدات تجارية غير نزيهة. ونادراً ما تطرق ترامب إلى ذكر إيران منذ بدء الحملة العامة للانتخابات.
في مواجهة مجموعة “داعش” والتعامل مع روسيا وتبعات وتداعيات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي والتحديات التي يشكلها التغير المناخي كلها، فإن من المرجح أن تحتل هذه القضايا أولوية على إيران بالنسبة لكلا المرشحين.
وحتى رئيس وزراء إسرائيل الصقري، بنيامين نتنياهو، نادراً ما يذكر إيران في هذه الأيام؛ حيث يشيد خبراء الأمن الإسرائيليون في أحاديث خاصة على خطة العمل المشترك لتأجيلها أزمة إيران النووية لعقد آخر على الأقل.
من الطبيعي أن يكون هناك ميل لدى الشرق الأوسط إلى إقحام نفسه في داخل النقاشات السياسة الخارجية الأميركية بطرق غير قابلة للتنبؤ بها. لكن إيران ما تزال مستقرة نسبياً في وجه الأزمات التي تعصف بالعديد من جاراتها. ومن المرجح أكثر أن تتعامل الرئيس كلينتون أو الرئيس ترامب مع الاضطرابات السياسية في تركيا أو العربية السعودية أو العراق. أما بالنسبة لمستقبل العلاقات الأميركية الإيرانية، فإن الكثير سيعتمد على طهران وما إذا كان خليفة المرشد الأعلى سيحس بنفس الحاجة للإبقاء على حالة العداء نحو الولايات المتحدة كمحفز لاستدامة النظام. وسيستفيد مواطنو كلا البلدين من استعادة العلاقات الدبلوماسية والعمل من أجل إرساء أرضية مشتركة. ولكن، إذا لم يكن السلام الفعلي والحقيقي ممكناً بعد، فإن خطة العمل المشترك خفضت فرص اندلاع حرب شرق أوسطية أخرى بشكل كبير.

باربارا سلافين

صحيفة الغد