محور روسي – إيراني

محور روسي – إيراني

19-09-16-713474583

لا شك أن وقف إطلاق النار الجزئي الأخير في الحرب الأهلية السورية يشكل أخباراً مرحباً بها. لكنه لا يجب أن يحجب تطوراً جديداً خطيراً أيضاً: ظهور محور عسكري روسي-أميركي من الحرب السورية، والذي قد يقوض الآمال بتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، وباحتواء طموحات روسيا العالمية في المستقبل.
ظهر مدى التعاون بين روسيا وإيران الشهر الماضي، عندما استخدمت روسيا قاعدة جوية إيرانية لقصف أهداف في سورية. وقد قلل مسؤولون أميركيون من شأن ذلك الحدث باعتباره تكتيكياً وغير مفاجئ، وقال بعض المسؤولين الإيرانيين أن ذلك الوصول الروسي كان لمجرد شن “عملية مكافحة إرهاب لمرة واحدة”. لكن متحدثاً باسم وزارة الخارجية الايرانية أضاف عبارة “في الوقت الراهن” إلى إعلانه عن أن ذلك الوصول قد “انتهى”، تاركاً بوضوح مجالاً لتكرار الحدث.
في واقع الأمر، تتشكل الروابط الروسية-الإيرانية للتعاون العسكري بشكل سريع، استناداً إلى التقاء في المصالح بين الروس المتنافسين مع الغرب على النفوذ الاستراتيجي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبين المتشددين الإيرانيين الذين يسعون إلى الهيمنة على السياسة المحلية والإقليمية.
في العقود الأخيرة، كان لدى أميركا وحلفائها فقط ترخيص مطلق باستخدام قاعدة في أحد بلدان الشرق الأوسط لمهاجمة أهداف في بلد آخر. وقد رسمت روسيا الآن وضعاً مناظراً مع هذه القدرة، وألمح بعض القادة الإيرانيين إلى أن مناورات بحرية إيرانية-روسية مشتركة واستخداماً روسياً للقواعد البحرية الإيرانية في الخليج العربي ربما تتلو.
تبدو الولايات المتحدة وروسيا بعيدتان كل البعد عن خوض حرب باردة جديدة. ومع ذلك، لدى أميركا كل مصلحة في تثبيط توجهات روسيا وإيران إلى الاصطفاف معاً في التنافس مع الغرب. وإذا اتخذ مثل هذا التحالف شكل جبهة مشتركة مدعومة عسكرياً، فإنه سيضمن ظهور إيران أكثر تطوراً تمارس السلطة في الشرق الأوسط، حتى بينما حاولت روسيا التي أصبحت أكثر حزماً وجرأة استعادة نفوذها في المنطقة بطرقها الخاصة.
تتقاسم روسيا وإيران موقف الاستياء من قدرة أميركا على عرقلة طموحاتهما التوسعية. ولذلك تسعيان إلى دعم بعضهما البعض. وقد تعاونتا على إدارة آسيا الوسطى والقوقاز منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. وفي هذا الصيف، زار رئيساهما معاً باكو، عاصمة أذربيجان، في إشارة إلى وحدة نفوذهما في منطقة القوقاز.
خلال الحرب الأهلية السورية، تقاسمت الدولتان الاستخبارات ونسقتا التخطيط، وقامت روسيا بتزويد إيران بصواريخ أرض جو متطورة. وقبل وقت قصير من تدخل روسيا في سورية قبل عام تقريباً، كان الجنرال قاسم سليماني، الذي يقود فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في موسكو. وعلى مدى العامين الماضيين، أخبرني مسؤولون أميركيون وعرب بأن الحرس الثوري جمع مقاتلين شيعة مختلفين، من أعضاء حزب الله اللبناني إلى المتطوعين من العراق وإيران أفغانستان، لتشكيل قوة قوامها عشرات الآلاف في سورية. وهم يكسبون خبرة عسكرية ميدانية تحت قيادة قوات الحرس الثوري، ويمكن توقع أن يخرجوا من الحرب الأهلية السورية كرصيد إقليمي متاح لأي محور روسي-إيراني جديد.
لمواجهة هذه القوات، زادت الولايات المتحدة باطراد من مبيعات الأسلحة الأميركية لمنافسي إيران الإقليميين بقيادة السعودية. لكن ذلك جاء بنتائج عكسية من خلال إعطاء المتشددين في إيران سببا آخر لتعزيز العلاقات العسكرية مع روسيا.
يشكل تصعيد التنافس على التفوق العسكري مجالاً واحداً فقط للسياسات الاستراتيجية. شيء آخر هو ملاحظة أن روسيا وإيران تركزان، بالإضافة إلى الفوز في سورية، على بذل محاولة يائسة للإبقاء على الرئيس السوري المكروه كثيراً في السلطة. وطالما لا تتكشف الحرب السورية عن انتصار وشيك لأي طرف، فإن أياً من إيران وروسيا لا تصبح أقرب إلى تحقيق الانفراج الاقتصادي والاندماج العالمي اللذين يسعى إليهما المواطنون في كل منهما.
تقدم هذه المعضلة فرصة للسياسة الأميركية. ففي إيران، ليس الحرس الثوري والمتشددون الآخرون هم الأصوات الوحيدة. وقد علَّق الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته، محمد جواد ظريف، مصيرهما السياسي على جني الازدهار من وجود علاقة جديدة لبلدهما مع الغرب، ويمكن أن تؤدي زيادة التعاون العسكري الروسي- الإيراني إلى المزيد من تعقيد هذا المسعى فحسب. وبالإضافة إلى ذلك، تشعر الأصوات الإيرانية المعتدلة بالقلق من التحالف الوثيق مع روسيا. ويعرف هؤلاء المعتدلون أن عدوان روسيا الامبريالي كان قد جرّد إيران من الأراضي في القرن التاسع عشر، وهدد بأن يفعل ذلك مرة أخرى في القرن العشرين. ويمكن أن يدق هذا الفهم إسفيناً بين المتشددين والمعتدلين.
لحسن الحظ، ما نزال في وقت مبكر من اللعبة. ولذلك، يجب على الولايات المتحدة أولاً أن تتحرك بشكل أكثر فعالية لإنهاء الحرب في سورية. ويمكن أن يكون التوصل إلى وقف لإطلاق النار مفيداً لهذا الغرض، وإنما فقط إذا أصر الدبلوماسيون الأميركيون على استخدام فترة التوقف لفتح مناقشات جادة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية. كما أن عليهم ممارسة الضغط على إيران وجيرانها العرب من أجل الحد من خصوماتهم الإقليمية، بما أن هذه التوترات تدفع بإيران إلى الزاوية الروسية فحسب. وبقدر ما تبدو هذه الأهداف بعيدة الآن، فإنها قد تصبح أقرب منالاً إذا أمكن إقناع بوتين بأن وجود حرب لا تنتهي وتصاعد التوتر مع الغرب سوف يمنعان روسيا من فعل ما تحتاج إلى فعله حقاً: إعادة بناء اقتصاد متعدد الأبعاد.
بالمثل، ومن أجل تقويض منطق التحالف مع موسكو، يتعين على الساسة الايرانيين المعتدلين أن يعرضوا للإيرانيين نتائج اقتصادية إيجابية للاتفاق النووي الذي تم توقيعه العام الماضي. ولذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تقدم مكاسب اقتصادية ملموسة في مقابل التزام إيراني حازم بعدم جعل الأراضي أو الموانئ البحرية والجوية الإيرانية متاحة أمام روسيا للقيام بعمليات عسكرية من هناك.
مع عودة الدبلوماسية إلى العمل مرة أخرى في الحرب الأهلية السورية، يتعين على أميركا استخدام الوعد الاقتصادي للاتفاق النووي من أجل تعزيز موقف أولئك الذين يرون مستقبل إيران مع الغرب، وليس مع الكرملين.
*عميد كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة. وهو مؤلف كتاب “الانبعاث الشيعي: كيف ستقوم الصراعات داخل الإسلام بتشكيل المستقبل”.

ولي نصر

صحيفة الغد