الشباب العرب يتطلعون أماما بغضب

الشباب العرب يتطلعون أماما بغضب

%d8%ae%d8%b1%d9%8a%d8%ac%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9%d8%8c-%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a6%d9%88%d9%86-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88

بيروت، القاهرة، الرياض- بشعره المسرح بالهلام، وحبه للقهوة واهتمامه الشغوف بالنساء، يمكن أن يكون محمد فوزي طالب جامعة في أي مكان. وكطالب بعمر 21 عاماً، ويدرس الهندسة في جامعة القاهرة، ينبغي أن يتطلع فوزي إلى مستقبل مشرق؛ فبعد كل شيء، يصرخ العالم مطالباً بالخريجين ذوي التخصصات التقنية. لكن فوزي يشعر بأن التوقعات والآفاق المستقبلية قاتمة. ويساوره القلق من أن أي عمل قد يجده بعد التخرج لن يجلب له ما يكفي من الدخل لتغطية تكاليفه، ناهيك عن تمكينه من دعم والدته الأرملة. ومن دون راتب جيد، لن يستطيع فوزي أن يشتري شقة؛ ومن دون منزل لن يستطيع أن يتزوج؛ ومن دون زواج، لن يستطيع أن يمارس العلاقة الطبيعية مع الجنس الآخر.
ويشرح فوزي: “لا يمكن أن تكون لي صديقة لأسباب دينية، لأنني لا أحب ذلك لأختي. كنت في علاقة (مع امرأة) في السابق، لكنها لم تصبح علاقة جسدية أبداً. لم أمسك يديها أبداً أو أقبلهما”. وهو كثيراً ما يتحدث إلى نساء، وإنما على “فيسبوك”؛ الذي يتيح الخصوصية ومسافة آمنة. وكما هو الحال مع كل شيء آخر، فإن مأزقه مع المرأة أكثر تعقيداً من مجرد ضغط التقاليد.
آراؤه في الإسلام متشابكة مختلطة. فهو يعتبر نفسه أكثر ورعاً من والديه، لكنه لا يصلي بانتظام؛ وهو يفضل صحبة الأصدقاء على الاستماع إلى الواعظين والدعاة، لكنه يتوق إلى تحقيق نسخة أنقى من الإسلام. وهو يعتقد أن التراث المصري تشوبه الرشوة، والمحسوبية، وغيرهما من التصرفات التي يحظرها الشرع. ويقول: “نحن في حاجة إلى فرض تطبيق الأخلاق التي أخذها الغرب منا”. ويشكل انتشار الإلحاد تهديداً، كما يعتقد.
بالكاد يمكن اعتبار نموذج فوزي فريداً من نوعه؛ فالبلدان العربية مليئة بالشباب المحبطين بسبب غياب فرص العمل؛ واستنطاق السلطة التقليدية؛ ومشاعر المرارة والإعجاب تجاه الغرب، بحرياته وسطوته؛ وهم مقهورون ومغلوبون بما يكفي ليعرفوا أن قسمتهم أسوأ من قسمة العديد من أقرانهم في بقية أنحاء العالم. ويقول رامي خوري من الجامعة الأميركية في بيروت: “يريد الشباب فقط أن يعيشوا وليس أن يصنعوا المتاعب، لكنهم غير قادرين على اقتحام الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بلدانهم، إنهم يضطرون إلى خلق عوالمَ موازية لأنفسهم لأنهم لا يستطيعون فعل أي شيء طبيعي في البيئات الطبيعية”.
الكثير من العوامل أفضت إلى قيام الانتفاضات العربية في العام 2011، والتي أطاحت بحكام تونس ومصر وليبيا واليمن، وهزت الكثير من الأنظمة الأخرى. لكن ثمة القليل من الشك في أن انتفاخ شريحة الشباب في العالم العربي، وفشل حكامه في تسخير ذلك لإحداث تنمية اقتصادية في بلدانهم، كانا عاملين مركزيين في قيام تلك الانتفاضات.
الآن، وقد آلت تلك الانتفاضات إما إلى إخمادها بالقوة أو تحولت إلى حروب أهلية قاتلة (باستثناء تونس)، فقد أصبح حال العديد من الشباب العرب أكثر سوءا؛ فقد أصبحوا يواجهون المزيد من القمع السياسي وآفاقاً أكثر قتامة فيما يتعلق بفرص العمل. وقد تخلفت التنمية السياسية في المنطقة وهي تعرج وراء الدول الأخرى ذات الدخل المتوسط. ويلحق انخفاض أسعار النفط الآن مزيداً من الضرر ببعض البلدان، كما أفزعت الفوضى المستثمرين، ودمر الإرهاب السياحة. وتتسبب السياسات الهازمة للذات والقائمة على تشبث الحكومات بالسلطة، مثل مصر، في إيقاع المزيد من الضرر.
في أماكن أخرى، سوف يُعد وجود شريحة كبيرة من السكان الشباب نعمة وهبةً اقتصادية كبيرة. أما في العالم العربي، فإن الشباب يعاملون -في الجزء الأكبر- على أنهم لعنة، والذين لا بد من كبحهم وتقويمهم. وفي هذه الأيام، كثيراً ما تكون حياة الشباب العرب خياراً بائساً بين صراع ضد الفقر في الوطن، أو الهجرة؛ وفي الحالات المتطرفة، الجهاد. وفي واقع الأمر، تتضمن أفضل الوظائف أجراً، في أماكن مثل سورية، حمل بندقية.
يأتي الشباب العربي، كما في بقية الأماكن الأخرى، في تنويعات لا نهاية لها. وينمو العالم العربي بسرعة؛ فقد تضاعف عدد سكان المنطقة في غضون ثلاثة عقود بعد العام 1980، ليصل إلى 357 مليون نسمة في العام 2010. ومن المتوقع إضافة 110 ملايين نسمة آخرين بحلول العام 2025 -في معدل نمو سنوي يعادل 1.8 %، مقارنة بنسبة 1 % لنمو السكان عالمياً. ويتزامن الضغط الديموغرافي مع الذهاب السريع إلى التحضر.
في العام 2010، بلغ حجم شريحة السكان العرب في عمر 15-24 عاماً ذورته، ليشكل 20 % من مجموع السكان. لكن الرقم المطلق لعدد الشباب سيواصل الارتفاع، من 46 مليوناً في العام 2010 إلى 58 مليوناً في العام 2025.
وثمة عنصر لافت آخر يميّز المنطقة، هو حجم البطالة بين الشباب. ففي العام 2010، عشية قيام انتفاضات الربيع العربي، كانت الأرقام للبطالة الإجمالية والبطالة بين الشباب في العالم العربي هي الأعلى من أي منطقة مُسبقاً، عند 10 % و27 % على التوالي. ومنذ ذلك الحين، ارتفعت هذه الأرقام أكثر لتصل إلى ما يقرب من 12 % و30 %.
في بعض الدول العربية، وعلى نحو مثير للدهشة، فإنك كلما قضيت وقتاً أطول في الدراسة ووصلت إلى درجات أعلى، قلت فرصك في العثور على عمل. وفي مصر، مثلاً، كان 34 % من خريجي الجامعات عاطلين عن العمل في العام 2014، مقارنة بنسبة 2 % لدى الحاصلين على تعليم أقل من ابتدائي. كما تبرز مسألة اللامساواة بين الجنسين في هذا المجال أيضاً: كانت 68 % من النساء اللواتي في عمر 15-25 عاماً بلا عمل في مصر، مقارنة بنسبة 33 % من نظرائهن الرجال.
وثمة اتجاه ثالث، هو المستويات العالية من الهجرة، خاصة إلى دول الخليج الغنية بالنفظ. وكانت كل من مصر، والمناطق الفلسطينية ومصر من بين أعلى 20 بلداً في العالم من حيث عدد الناس الذين يعيشون في الخارج في العام 2015، فيما يعود في جزء منه إلى التزايد الكبير لحجم اللاجئين.
لا عجب إذن أن يكون الشباب العرب أكثر تعاسة من مواطنيهم الأكبر سناً ومن نظرائهم الذين يعيشون في بلدان تمر بمراحل مماثلة من التنمية، وفقاً لإسحاق ديوان من جامعة هارفارد. وبالمثل، وجد مسح أجرته المؤسسة البحثية الأميركية، مركز بيو للأبحاث في واشنطن العاصمة، أن البلدان في الشرق الأوسط شكلت استثناءً لمكتشفات المركز التي تقول إن الناس في الدول الأفقر عادة ما يكونون أكثر تفاؤلاً عموماً إزاء مستقبلهم من أولئك الذين يعيشون في الدول الغنية. وقد اعتقد 35 % فقط من المستطلعة آراؤهم في الشرق الأوسط أن أولادهم سيكونون أفضل حالاً منهم مالياً، مقارنة بنسبة 51 % في أفريقيا و58 % في آسيا.
درجات من عدم اليقين
أكبر مكامن القلق لدى الشباب العرب هو مستوى معيشتهم. وفي الكثير من الأحيان، يكشف سواقو سيارات الأجرة أن لديهم شهادات في الهندسة؛ وفي بعض الأحيان تكون السياقة عملاً ثانياً يزاوله البعض لتغطية احتياجاتهم بعد يوم من العمل في مكان آخر. وقد حاولت الحكومات العربية طويلاً استيعاب المزيد من المستخدَمين عن طريق توسيع قطاع الخدمة المدنية؛ فمن الأفضل وضع الشباب الذين لا يفعلون شيئاً على جدول الرواتب العامة من خروجهم إلى الشوارع والتسبُّب بالمتاعب. وفي ذروة فورة القومية العربية في عهد عبد الناصر الذي أطاح بالنظام الملكي المصري في العام 1952، كان كل خريج جامعي ينال وظيفة حكومية.
لكن عبد الناصر لم يعرف ولم يعرف خلفاؤه أيضاً كيفية الاستفادة كما يجب من مواهب العدد المحلق من الخريجين (الذين تضاعفت صفوفهم أكثر من ثلاثة أضعاف في الفترة ما بين الأعوام 1970 و1980). ومع مرور الوقت، أصبح يترتب عليهم الانتظار وقتاً أطول، أحياناً لمدة تصل إلى عشر سنوات، من أجل الحصول على عمل. ومع الأزمة في ميزان المدفوعات في التسعينيات، جرت عملية تنحيف للقطاع العام، واختفت الوظائف الجديدة في الحكومة.
يدفع النفط الرخيص حكام الخليج، الذين اشتروا حتى الآن ولاء شعوبهم بالوظائف السهلة والهبات، إلى اختصار جدول الرواتب العامة. وبما أن دول الخليج لا تستطيع إيجاد ما يكفي من الوظائف لمواطنيها أنفسهم، فإن صمام الأمان الذي وفرته الهجرة من أجل العمل في الخليج أُغلِق على العرب الآخرين. وتحتاج أكبر دول الخليج؛ المملكة العربية السعودية، إلى خلق 226.000 وظيفة كل عام، وفقاً لمؤسسة الأبحاث السعودية “جدوى للاستثمار”. لكن حجم التوظيف ارتفع في العام 2015 بمقدار 49.000 وظيفة فحسب.
لمواجهة المشكلة، قررت دول الخليج حصصاً لتوظيف المواطنين المحليين، ولكن العديد من الشركات تشتكي من افتقار الخريجين المحليين إلى المهارات وأخلاقيات العمل. ويقول أحد رجال الأعمال: “أعرف مؤسسة تدفع للسعوديين للوفاء بمتطلبات القانون، لكنها تقول لهم أن يظلوا في البيت”. وفي ظل نائب ولي عهدها محمد بن سلمان (30 عاماً)، تخطط السعودية لعملية تحوُّل طموحة، بقيادة القطاع الخاص، من أجل تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط. لكن تدريب شباب السعودية المدللين على العمل من أجل كسب العيش سيكون مهمة بالغة الصعوبة.
في أجزاء عدة من المنطقة، ينطوي العرب على شعور قوي بالاستحقاق، كما يقول نادر قباني من هيئة “صلتك” القطرية التي تربط الشباب العرب بفرص العمل. وسوف يفضل الكثيرون الاستمرار في العيش مع أسرهم على القبول بمزاولة عمل يرونه أدنى من مستوى كرامتهم. وفي الوقت نفسه، تتزايد تطلعات الشباب. فهم يمتلكون مستويات تعليم أعلى من الجيل السابق والمزيد من قدرة الوصول إلى المعلومات عن العالم الأوسع. وهم مستخدِمون شرهون للهواتف النقالة، والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعية. وهم يصِلون إلى المزيد من الأخبار عن طريق الإنترنت، وهو ما يجعل من الأصعب على الحكومات مراقبة ما هو أكثر من محطات التلفزة والصحف، وفقاً لمكتشفات “استطلاع لآراء الشباب العرب”، الذي أجراه في العام 2016 بيرسون مارستيلر من شركة العلاقات العامة، “أصداء”، وشمل 3.500 شاب في 16 بلداً.
كل هذا شرع في التقليل من سطوة ثقافة تتسم بالطاعة للعائلة والقادة الدينيين والحكومات. وربما يكون هذا الميل ظاهراً بوضوح في التوتر القائم حول مكانة النساء اللواتي يشكلن الآن، على الرغم من كل تبعيتهن التقليدية والاتجاه الملحوظ إلى تغطية الرأس في الفضاءات العامة، غالبية خريجي الجامعات في العالم العربي.
بالنسبة للبعض منهن، يشكل الزواج مهرباً للخروج من قيود الأسرة. لكن أخريات اخترن أن لا يسلمن أنفسهن لذلك القيد. ويلاحظ “مكتب المراجع السكانية”، الهيئة البحثية التي تعمل في واشنطن العاصمة، العدد المتنامي من النساء العربيات اللواتي يبقين بلا زواج إلى عمر 39 عاماً. وتقول خلود فلودة، وهي امرأة سعودية غير متزوجة بعمر 35 والتي تعمل في الرياض في دائرة تكنولوجيا المعلومات في شركة الجميح، التي تقوم بتعبئة البيبسي، إن طموحها قبل جيل من الآن كان ليتركز على إنشاء عائلة، لكن “هدفي الرئيسي هو أن أحصل على منصب إداري في العمل”.
مع ذلك، وفي أحوال كثيرة، لا يكون السبب في تأخر الزواج هو الطموح، وإنما الفقر. ففي العالم العربي، يُتوقع من الرجل أن يشتري منزلاً ويؤثثه قبل أن يتزوج. كما يُطلب من الزوج أن يدفع مهراً. وفي مدينة غزة، تملأ حركة حماس الفلسطينية الإسلامية الحاكمة، جانب البحر باليافطات والإعلانات لعقد حفلات الزواج الجماعية لأتباعها غير القادرين على تحمل كلف إقامة حفلاتهم الخاصة. ويرعى إسماعيل هنية، رئيس الوزراء في الجيب الفلسطيني، وكالة لترتيب الزيجات.
يظل استقلال النساء، ناهيك عن ممارسة العلاقة الجسدية خارج الزواج، من المسائل مرفوضة بقوة في العالم العربي. وفي السعودية، لا يسمح للنساء بالسفر وحدهن من دون إذن صريح من ولي أمر ذكر (هناك الآن تطبيق هواتف نقالة لهذا الغرض). لكن العادات والأعراف الاجتماعية تظل صارمة حتى في بلدان مثل مصر، حيث يفترض أن يكون القانون أكثر مساواة.
وتروي ريهام (23 عاماً)، التي تعمل مصممة غرافيك مستقلة، من مدينة طنطا الواقعة إلى الشمال من القاهرة، كيف أنها انتقلت إلى العاصمة المصرية لتدرس الفنون الجميلة ولتهرب من تسلط أقاربها الذكور الذين حظروا عليها ارتداء التنانير والبقاء خارج البيت لوقت متأخر والسفر وحدها. وتقول: “حتى هناك لم يكن يُسمح لي بالعودة إلى مساكن الطلبة بعد التاسعة مساءً، بينما كان يُسمح لزملائي الذكور بالبقاء في الخارج حتى الحادية عشرة ليلاً”.
كما أن الإسلام بدأ يفقد دوره المساعِد على إضفاء الاستقرار أيضاً. وبشكل عام، يبقى العالم العربي أكثر ورعاً من الدول التي تمر بمرحلة مماثلة من التنمية، وفقاً لمكتشفات “مسح القيم العالمية”، وهو مشروع بحثي مقره فيينا. لكن الشباب العرب معرضون لفيض متكاثر من المعتقدات الإسلامية على القنوات الفضائية والإنترنت. وكان القادة الدينيون يتمتعون ذات مرة بدرجة من السلطة على أتباعهم، لكن الشباب العرب كثيراً ما يستشهدون الآن بالنصوص الإسلامية عندما يتحدون جيل الشيوخ.
بعض الشباب العرب أقل ورعاً من آبائهم وأمهاتهم؛ لكن آخرين أصبحوا أكثر ميلاً إلى ذلك. ويقول عبد العزيز الغنام، الطالب السعودي الذي يدرس في أميركا، إن القليل من الذين يعرفهم هناك في الوطن ما يزالون يذهبون إلى المسجد لأداء الصلوات اليومية الخمس، حتى ولو أن القانون يجبر المحلات والمطاعم كافة على الإغلاق في وقت الصلاة. ومع ذلك، في مصر، يقول أيمن نبيل، المحاسب بعمر 29 عاماً: “أنا أكثر محافظَة من أبي لأنه محافظ على أساس التقاليد التي ورثها؛ لكنني محافظ على أساس الأشياء التي أقرأ عنها”.
وهكذا، أصبح الشباب العرب أكثر شكاً إزاء دور الدين في الحياة العامة. وقد انخفض الحماس للأحزاب الدينية منذ الربيع العربي. واعتُبرت جماعة الإخوان المسلمين، التي تولت السلطة بعد الإطاحة بحسني مبارك، حركة كئيبة تقبض الصدر. (استغل الجيش ردة الفعل القوية ضد الإخوان المسلمين للإطاحة بها في العام 2013). ورأى نصف المستجيبين لـ”استطلاع لرأي الشباب العرب” في القسمة السنية/ الشيعية مصدراً للصراع.
يلاحظ السيد ديوان أن الشباب العرب، في المجمل، هم أكثر أبوية بشكل ملحوظ وأقل تسامحاً تجاه أصحاب الثقافات المختلفة أو الدين المختلف من نظرائهم في الدول الأخرى ذات الدخل المتوسط. وفيما يبعث على القلق، فإن التعليم الأفضل لا يولِّد انفتاحاً أكبر كما يفعل عادة في الأماكن الأخرى. ويعتقد السيد ديوان أن السبب في ذلك هو أن الحكومات والسلطات الدينية تستخدم التعليم كشكل من أشكال التلقين العقائدي. وبدلاً من تعليم التفكير الناقد، تديم الكتب المدرسية أفكار الطاعة (تحب الحكومات القمعية في المنطقة إبقاء الأمور على هذا النحو)، وفي كثير من الأحيان، تديم سوء فهم -أو حتى كراهية- الأديان والطوائف الأخرى. وعلى سبيل المثال، تضع السعودية يوم “عيد الميلاد” بين العطل والأعياد المحظورة.
ثمة مكمن قلق خاص، والذي ينطوي عليه الشباب أنفسهم، هو احتمال أن يدفع الإحباط بالشباب العرب المحبطين إلى أحضان الجهاديين. ويركز الكثير من إعلام “داعش” على الأيديولوجية المتطرفة والوحشية البالغة للمجموعة. لكن “استطلاع لرأي الشباب العرب” وجد أن الشباب يعتقدون بأن الافتقار إلى الوظائف والفرص كان السبب الرئيس في انضمام الناس إلى التنظيم. ويقدم “داعش” الرواتب، والزواج المرتب (أحياناً بامرأة مُسترقَّة)، والفرصة ليعيث المرء في الأرض فساداً بينما يشعر بالأحقية والصلاح الذاتي إزاء ذلك.
من الصعب أن نقيس بالضبط ما هو الذي يدفع الشباب إلى العنف. وبشكل عام، يتجنب معظم الشباب العرب تنظيم “داعش”. ويقول السيد نبيل في القاهرة: “الانضمام إلى ’داعش‘ هو مثل تحولك إلى ملحد أو إلى اعتناق المسيحية”. ويأتي المجندون في “داعش” من خلفيات فقيرة ومن الطبقة الوسطى، ومن المتعلمين وغير المتعلمين على حد سواء. لكن الغالبية العظمى من المنضمين إليه هم من الشباب.
وجد “استطلاع لرأي الشباب العرب” أيضاً أن 78 % من الشباب قالوا إنهم لن يدعموا هذه المجموعة أبداً. ومع ذلك، قال 13 % منهم إنهم ربما كانوا سيفعلون لو أنها كانت أقل عنفاً -وهو رقم ارتفع إلى 19 % في دول الخليج التي تلتزم بنسخ أكثر تشدداً من الإسلام. ولا شك أن هذه أقلية، لكنها ليست أقلية صغيرة. وهي تشير إلى أن “داعش” وأي مجموعة إرهابية قد تأتي لاحقاً يمكنها أن تعتمد على تجمع واسع من المجندين والمتعاطفين المحتملين.
صغار، وخطِرون
ربما تقدم الحكومات العربية الخدمة الكلامية وتتشدق بمخاطبة مكامن قلق الشباب -عينت الإمارات هذا العام امرأة شابة بعمر 22 عاماً وزيرة للشباب (إلى جانب وزراء جدد للتسامح والسعادة) لكن معظم الحكام ينظرون إلى الشباب كتهديد.
ما يزال المسنّون والمستبدون هم الذين يقبضون على زمام السلطة، ولديهم القليل ليقولوه للجيل التالي. ويبلغ الرئيس شبه الغائب في الجزائر، عبد العزيز بوتفليقة، 79 سنة من العمر؛ ويبلغ عمر نظيره في السودان، عمر البشير، 72 عاماً. وفي مصر، يقوم الرئيس عبد الفتاح السيسي (61 عاماً) بحبس الشباب من كل الأطياف -الإسلاميين، والليبراليين، والمهنيين- وبحماس يفوق حماس الرئيس المطاح به حسني مبارك. وتجتذب الأحزاب السياسية القليل من الأعضاء الشباب، بما أنها تتمتع بالقليل من السلطة. ويشكل البرلمان في سورية ورقة تين تغطي عورة الدكتاتورية؛ والأحزاب اللبنانية طائفية؛ بينما تمارس الأحزاب في الخليج أدواراً استشارية فقط. وفي مصر، تم حظر جماعة الإخوان المسلمين، وهي حزب آخر يقوده المسنون.
في واقع الأمر، عملت الحروب والاضطرابات المستمرة منذ الربيع العربي على قمع الجوع إلى الديمقراطية. وفي تونس، قصة النجاح المفترضة للثورات، تفوَّق الاشتياق إلى الاستقرار على الرغبة في الديمقراطية في أواسط 2012، وفقاً لمركز بيو للاستطلاعات. وقال “استطلاع لرأي الشباب العرب” أن التونسيين يعطون الأولوية للاستقرار.
مع ذلك، لا يعني هذا أن الشباب لا مبالون. وحتى لو أنهم ليسوا جميعاً حريصين على التصويت، فإنهم يريدون أن يكون حكامهم أقل فساداً ووحشية. وسوف يريد الكثيرون أن يروا النساء وهن يتمتعن بمزيد من الحقوق أيضاً. ويريد الجميع تقريباً من المؤسسات، مثل الشرطة على سبيل المثال، أن تعمل من أجلهم وليس ضدهم. وفي لبنان، كسبت “بيروت مدينتي”، وهي حركة جديدة وعدت بمعالجة مشكلات جمع القمامة، وانقطاعات الكهرباء والفساد، نسبة 40 % من أصوات الانتخابات المحلية التي أجريت في أيار (مايو). ويصبح الشباب أكثر حرصاً باطراد على التطوع والانضمام إلى المنظمات المدنية، كما تقول باربرة إبراهيم من الجامعة الأميركية في القاهرة.
كشفت انتفاضات الربيع العربي عن عطش للتغيير لدى الشباب، كما يقول السيد خوري، الذي يضيف: “إنهم يريدون أن يتم إشراكهم ويبحثون عن منافد تكون مُرضية. لكنهم استسلموا وتخلوا عن الحياة السياسية العامة. إنهم في الوقت الحالي متمردون مطواعون لينو العريكة: يعثرون على مجالات خاصة للعيش فيها”.
ولكن، كم من الوقت سيظل الشباب العرب مقهورين متجهمين؟ إن عالماً يصبح فيه العثور على عمل أكثر صعوبة باطراد، وحيث يعتمد سير الأحوال -كما كان حاله دائماً- على الواسطة، وحيث النظام السياسي يستثني الشباب ويقصيهم نمطياً، هو عالم منذور حتماً لمراكمة السخط وتأجيج الاستياء. وبالنسبة للسيد نبيل، فإن البؤس ينبع من الطغيان في أشكاله المتعددة”. ويقول نبيل: “كل مشاكل المجتمع تنبع منه: جعل الناس جميعاً يخدمون شيئاً واحداً، سواء كان الأب، العائلة، المدير في العمل أو الرئيس. الطغيان هو السبب الجذري لكل مشكلات المجتمع”.
في الوقت الراهن، ثمة احتجاجات صغيرة تثور، من بغداد إلى الرباط، وإنما هناك القليل من الدليل على وجود موجة ثانية وليدة من الثورة، إما لأن الناس تعبوا أو لأن أجهزة الشرطة السرية ما تزال مرعبة وفعالة. لكن ثمة شيئان يبدوان أكيدين. تقول الأدلة من كل أنحاء العالم إن وجود الكثير جداً من الشباب العاطلين عن العمل هو وصفة أكيدة لعدم الاستقرار. ويقوم الحكام العرب، بتخويفهم “الشباب” وبالفشل في مساعدتهم، بخلق الظروف التي تهيئ للانفجار القادم.

تقرير خاص –  (الإيكونوميست) 6/8/2016

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:

Arab youth: Look forward in anger

نقلا عن صحيفة الغد الاردنية