لا تسامح مع يمَنٍ تهيمن عليه إيران

لا تسامح مع يمَنٍ تهيمن عليه إيران

29-05-16-566628125

تغيّب معظم التحليلات التي تتناول أهداف السعودية في اليمن العنصر الأكثر أهمية: لقد بنت السعودية التحالف العربي للتدخل في اليمن من أجل منع حدوث شيء، وليس بقصد التسبب في حدوث شيء. أرادت منع اليمن من أن يصبح عراقاً آخر؛ حيث تكمن السيادة في طهران، وليس في بغداد. ويجب أن يبقى هذا التحذير ماثلاً في الذهن عند تحليل تطور أهداف السعودية هناك. وثمة شيء آخر يجب أخذه بعين الاعتبار أيضاً، هو أن السؤال السياسي يدور، من الناحية الاستراتيجية، حول كلمة واحدة: الخيارات.
تهدف الاندفاعة التوسعية الإيرانية إلى كسب المزيد من الخيارات -في العراق (حيث شكلت 56 ميليشيا)، وفي دول مجلس التعاون الخليجي (حيث بنت خلية العبدلي في الكويت)، وفي سورية (حيث أرسلت الميليشيات الأفغانية، والباكستانية، والعراقية واللبنانية لمساعدة الأسد)، وفي اليمن (حيث سلحت ميليشيات الحوثي)، ومؤخراً في العالم العربي ككل، من خلال الإعلان عن تشكيل “جيش التحرير”.
وتسير هذه الاندفاعة التوسيعة على قدمين اثنتين: الطائفية، التي تُستخدم كأداة لبناء التحالفات؛ وضعف الحكومات المركزية، الذي لن تكون الميليشيات إيرانية الصنع فعالة من دونه. ومن شأن هذه الخيارات، كما يأمل النظام الإيراني، أن تضمن أمنه، وتعزز مصالحه، وأن تعطيه مقعداً مهماً على الطاولة الإقليمية. وهكذا، وعندما نتحدث عن نهاية للقتال في اليمن في نهاية المطاف، سوف يكون أحد الأسئلة المطروحة: هل السعوديون على استعداد للتسامح مع وجود يمن تهيمن عليه إيران؟ الجواب: لا تسامح مطلقاً.
لذلك، ستكون أفضل نتيجة للأزمة اليمنية بالنسبة للتحالف العربي بقيادة السعودية، هو أن يشهد انسحاب ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران وقوات صالح من مؤسسات الدولة، إنهاء حصارها للمدن مثل تعز، وتسليمها الأسلحة الثقيلة (بما في ذلك الصواريخ البالستية)، والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة يعكس تشكيلها جميع مكونات المجتمع اليمني. ومع ذلك، من الواضح أن تحقيق هذه النتيجة سيكون بالغ الصعوبة.
الآن، في وضع يشهد اندفاعة توسعية إيرانية، حيث لا تسامح مطلقاً مع ظهور يمنٍ تهيمن عليه إيران، وحيث تحقيق أفضل نتيجة للتحالف العربي يبدو صعب المنال، كيف ترى السعودية تطور الأزمة؟
أولاً، هناك ما يكفي من الأدلة على أن السعودية لن تقبل بالعودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل شهر آذار (مارس) من العام 2015، الذي كان مشهداً سياسياً يهيمن عليه تحالف الحوثي-صالح المدعوم من إيران. ثانياً، تعتقد السعودية أنها يمكن أن تؤثر في الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. فبعد كل شيء، غيرت السعودية موقف الولايات المتحدة فعلاً بشأن التدخل في اليمن، ليتحول من اعتراض كلي إلى دعم متقلب ومتحفظ. وبنهجهم البراغماتي، تمكن السعوديون من إيجاد أرضية مشتركة مع روسيا، التي منحتهم الدعم لتمرير قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 (الذي فرض حظر أسلحة على الحوثيين) في نيسان (أبريل) 2015، الذي استبدل السعوديون على إثره عملية “عاصفة الحزم” بعملية “استعادة الأمل”. ثالثاً، إن الأزمة اليمنية هي جزء من المشهد الإقليمي؛ حيث يوجد فراغ استراتيجي خلقه النظام العالمي الناشئ غير القطبي وإعادة تمحور الولايات المتحدة في اتجاه آسيا. وعلى الصعيد الداخلي، أدى تغير طبيعة وهيكل السلطة إلى ظهور الدولة السعودية الرابعة. ولأنها ترى تهديداً وجودياً، ارتقت الرياض لتكون خط الدفاع الأول عن أمنها الخاص، مهما كلف الأمر. ونتيجة لذلك، يبدو أن مواصلة الجهود لاستعادة حكومة هادي اليمنية المشروعة سيكون الموقف الأكثر احتمالاً للسعودية، على الرغم من التكلفة.
حققت الرياض من التدخل في اليمن أهدافا استراتيجية عدة؛ فقد منعت اليمن من أن يصبح عراقاً آخر، مع تحرير أكثر من 80 في المائة من اليمن الآن؛ وأظهرت قدرتها على اتخاذ المبادرات؛ كما أظهرت قدرتها على وضع حد للدعم الإيراني للميليشيات في رسالة موجهة إلى الميليشيات المدعومة من إيران؛ وأثبتت قدرتها على بناء وإدارة عملية عسكرية واسعة النطاق، في رسالة موجهة إلى إيران نفسها.

منصور المرزوقي

صحيفة الغد