بأي ذنب يقتلون؟

بأي ذنب يقتلون؟

534413_10151602513074966_1288635135_n

” يقتسمون خبز الموت ثم يودعون، ما بال الطغاة على جثث الصغار يزمجرون“..

أربع سنوات وأطفال سوريا يعانون قسوة الحرمان، أربع سنوات وهم يقتلون، أربع سنوات في العراء بلا أوطان، أيتام عراة مشردون، لا دور تأويهم ولا وطن يبكيهم، هانت أرواحهم في أرض الوطن، فرخصت أرواحهم لدى العرب والجيران؛ إنهم براعم سوريا، البراعم التي تنمو فوق الألم والدمار.

الأطفال هم أكثر ضحايا الأزمة السورية على كافة الأصعدة، هم ضحايا الحاضر والمستقبل، بدمارهم يدمرون مستقبل سوريا. إن ما نقل وينقل على مدى أربع سنوات من قصص سواء من داخل سوريا، أو من مخيمات النازحين واللاجئين، حقائق أغرب من الخيال.

أتى الشتاء، أتى البرد، وهم في مخيمات فيها البرد والجوع لا يرحمان. هنا: برد يقتلهم، وأمطار تبللهم، وثلوج تجمد عظامهم، وهناك براميل تقصفهم بلا رحمة أو وجع، كم صرخوا نخوتنا لكن نخوتنا ماتت.
والله سنحاسب يوم القيامة على هذا الإهمال والتقصير في حق إخواننا في المخيمات، والملايين من الأطفال سنسأل عنهم؟ أطفال سوريا بأي ذنب يقتلون؟

أطفال المستقبل الضائع، والأحلام المدمرة، من حر الصيف إلى برد الشتاء، الذي لا يرحم طفولتهم؛ تجمدت أطرافهم كمشاعر الأمة العربية.

يعيش أطفال سوريا منذ أربع سنوات بين جحيمين: جحيم اللجوء لمخيمات العار العربي، الخالية من كل وسائل الإنسانية، أو البقاء في بلدهم تحت براميل الموت وانعدام كافة مقومات الحياة. مات المئات من الأطفال بردًا وجوعًا، وتلك الصور التي تدمي القلوب، إلا أن الضمائر لم تتحرك لإنقاذ ما تبقى من تلك الطفولة.

لا زالت الأوضاع في سوريا تسير من سيء للأسوأ. أربع سنوات، مئات الآلاف من الشهداء، والنازحين واللاجئين الذين يشكل الأطفال نصف أعدادهم، جيل بأكملة دمر، ودمر حاضره ومستقبله. أربع سنوات بلا تعليم، “جيل ضائع”، جيل ترك للتسول في شوارع وأرصفة طرقات البلدان التي لجؤوا إليها؛ ففي لبنان وحدها 200 ألف طفل سوري مجبرعلى العمل القسري أو التسول. مؤلم ومحزن وضع السوريين: عنصرية وعبودية وحرمان من كافة الحقوق الإنسانية. حرم السوريون في لبنان حتى من حق الدفن في مقابرهم. معاملة في منتهى الخسة والنذالة لأطفال سوريا في لبنان، وفي مخيم “سعد نايل” أقذر مخيمات العالم، مأساة حقيقية يعيشها السوريون في هذا المخيم.

الويل لهذا العالم ولكل من شارك بدمار هذا الجيال، أكثر من 5 ملايين طفل تخلف عن التعليم: تتراوح أعمارهم بين ٦-١٥؛ بسبب الحرب الدائرة والنزوح واللجوء، طبقًا لإحصائية منظمة الأمم المتحدة للأطفال “اليونيسف”.

في الوقت الذي يولي فيه العالم اهتمامًا خاصًا بالطفولة ودورها في المستقبل، فلا يمكن أن تتطور أو تزدهر الدول دون تطوير العنصر البشري وخاصة الأطفال، فأطفال اليوم هم رجال الغد.
كم بذلنا من مجهود لإعداد هذا الجيل الذي سيكمل الطريق في الغد.

مؤسف، محزن، مبكٍ، الغد الذي ستقوده أجيال اليوم، فأجيال المخيمات هم قادة المستقبل، ترى هل تدرك المؤسسات المسؤولة عن الطفولة حجم الكارثة التي تنتظر العالم العربي في السنوات الـ 10 القادمة بوجود أكثر من 5 ملايين طفل في سوريا وحدها، بلا أي نوع من أنواع الرعاية أو التعليم. وإن أطفال العالم العربي الذين يموتون سنويًا بسبب الإهمال والحروب والدمار الحاصل في الشرق، بالملايين.

هذا عدا الملايين من الأطفال الذين يشكلون عبئًا على الحاضر وخطرًا على المستقبل، فما يعانيه الطفل العربي في عديد من الدول العربية، وعلى رأسها سوريا، هو دمار للحاضر والمستقبل.
فلو أن هذه المجتمعات تدرك الخطر الذي ينتظرها في قادم السنوات، لما تركت هذه الملايين من الأطفال يتربون على أرصفة الشوارع وتحت القصف والبراميل، والمليارات تصرف لقصف داعش دون أي انتصار يذكر.

للأسف لم يعد منظر الدم يشكل رعبًا لمن اعتاد هذا المشهد اليومي، لم تعد أصوات القنابل والرصاص والأشلاء المقطعة، والأجساد المرمية بلا رؤوس تخيف أطفال اليوم، صار الأمر عاديًا؛ تجدهم يلهون بجانب أجساد بلا رؤوس.

الأطفال الذين كان يبكيهم صوت الرعد، لم تعد تهزهم أصوات المدافع! الويل لهذا العالم من هذا الجيل، الويل للصامتين، الويل للمتخاذلين. فلو تحدثنا عن هذه المحنة أو المأساة التي يتعرض لها الأطفال السوريون داخل وخارج سوريا. من المسؤول عن دمار جيل بأكمله؟ نعم بشار ونظامه هو المسؤول الأول، لكننا جميعًا شركاء: الشعوب والحكومات، العرب والغرب، الكل شريك بدمار هذه الملايين من الطفولة.
بشار قتلهم وشردهم داخل سوريا، ونحن شاركنا بقتلهم خارج حدود دولتهم. نظام مجرم؛ لم يفرق بين صغير أو كبير منذ بداية الثورة، فالثورة قامت لأجل عبارة خطها أطفال على جدار مدرستهم.
نحن لا نناقش إجرام النظام لأنه لم يكن نظامًا إنسانيًا منذ البداية، لكننا نبحث عن إنسانيتنا؟ صور مؤلمة تذيب القلوب وتخدش المشاعر، وتخجل منها الإنسانية؛ تلك التي نشاهدها سواءً في شوارع بيروت أو في المخيمات العربية، أين إنسانيتنا وهم يموتون بردًا وجوعًا؟

تعامل في منتهى الوحشية مع أطفال كان من المفترض أن يكونوا على مقاعدهم الدراسية، وفي بيوتهم آمنين؛ لكن حكم الجبابرة والطغاة جعلهم يتسولون كسرة خبز في مخيمات العار العربي.

لم يعش أطفال سوريا وضعًا أمر وأقسى مما يعيشوه اليوم، بالفعل؛ الوضع في غاية الخطورة، ظروف الحرب الدائرة والصراع المستمر منذ أربع سنوات تقريبًا تصنع لنا جيلًا خطرًا وفي خطر.

أطفال بلا معيل، أيتام معاقون نفسيًا وجسديًا. أشارت المنظمة الأممية للأطفال إلى كبر حجم المشاكل التي يعانيها الطفل السوري: تشوهات أجنة، حيث لوحظ ازدياد في الأجنة المشوهة خاصة في المناطق التي تعرضت للقصف الكيماوي، وانحدار مستوى التعليم والذكاء، وانتشار العديد من الأمراض النفسية والجسدية والعدوانية والاكتئاب.

لن تدفع سوريا وحدها الثمن، بل العالم كله سيدفع الثمن، ثمن هؤلاء الأطفال الذين تربوا فوق الأشلاء والرؤوس المقطعة.

سارا خلف المحمد
التقرير