اليمن بين الجموح الإيراني والاستفاقة العربية

اليمن بين الجموح الإيراني والاستفاقة العربية

2016-636104152476405360-640
لاقت خطة المبعوث الأممي، ولد الشيخ أحمد، لإحلال السلام باليمن(1) دعما أمميا، وهي تدعو لوقف النزاع المسلح بين الحكومة والمقاومة من جهة، والحوثي وصالح من جهة أخرى، وتتضمن خطة شاملة متعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية في اتفاق واحد، على أن يكون ذلك بتسلسل زمني محدد.
ورغم أن ولد الشيخ أحمد نفى وجود أي اختلاف بين خطته للتسوية السياسية، والأفكار التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري  يوم الخميس 25 أغسطس 2016م، لوقف التصعيد العسكري، فهناك تباين واضح في بعض النقاط المهمة.
تسير خطة كيري تقريبا في ركاب ميليشيا الحوثي وصالح، وتساوي بين الشرعية والانقلاب. ويفسر البعض الإلحاح الأممي، بقيادة الولايات المتحدة، على هذه المبادرة بأنه قُبلة الحياة الأخيرة لإنقاذ ميليشيا الحوثي وصالح من الهزيمة، بحسب رؤية قوات التحالف العربي، والحكومة اليمنية ومقاومتها. فالحوثيون لم يحضروا أي مؤتمر، أو اتفاق إلا وخالفوا ما نوقش فيه. وما الحروب السبع السابقة ببعيد. وإن وافقوا لبعض الوقت، فهو لالتقاط الأنفاس.
ولكن ثمة إرهاصات جديدة، ودلالات عديدة بقرب عودة صنعاء إلى قوات الشرعية اليمنية المدعومة من التحالف العربي، وهذا ما أكده رئيس هيئة الأركان اليمنى، اللواء محمد على المقدشى، من أن صنعاء باتت قريبة، وأن الجيش والمقاومة يتقدمان باتجاهها(2)، وذلك بعد فك الحصار عن تعز من جهة الغرب، وقبل ذلك انضمام مئات الضباط والجنود للجيش اليمني. وإن كان هذا ليس كافيا للتيقن من انتصار التحالف العربي مع الحكومة الشرعية اليمنية، فلا تزال هناك عوارض وعقبات تؤخر الحسم وربما تؤجله.
ويثير ذلك التساؤل عن عوامل  تأخر الحسم العسكري في اليمن حتى الآن، وهل هذه العوامل تخص طرفي الحرب فقط (المقاومة الشعبية، وميليشيا الحوثي وصالح)، أم أن هناك عوامل أخرى إقليمية ودولية؟ وما هي السيناريوهات المحتملة؟ وما هو أرجحها؟
أولا – عوامل تأخر الحسم العسكري:
1- عوامل ترتبط بالحكومة الشرعية والمقاومة الشعبية:
أ- الحرب في أكثر من جبهة في آن واحد:
 جبهة الحوثيين وصالح في شمال غرب اليمن، وجبهة تنظيم القاعدة، في جنوب شرق اليمن، مع انتشار أفراد التنظيم في أماكن عديدة من المدن اليمنية، بشكل فردي ينتظر الأوامر، بالتفخيخ والتفجير. فالحرب على جبهتي القاعدة والحوثي أنهكت قوات المقاومة بشكل كبير، وشتت جهودها في أكثر من جبهة.
ب- افتقاد المقاومة السلاح النوعي القادر على حسم المواجهة أمام الحوثي وصالح، اللذين يملكان سلاح الجيش اليمني السابق بكامل أنواعه. فالسلاح والذخيرة في يد المقاومة شحيحان لدرجة الندرة، ويرجع ذلك إلى خوف قوات التحالف من هزيمة المقاومة، ووقوع السلاح في يد الحوثيين وقوات صالح.
ج- افتقاد المقاومة الدعم اللوجيستي من غذاء، ودواء، ودعم فني وعسكري، عند الحاجة إلى ذلك، فهناك نقص واضح في كل ما يخص استمرار تحقيق الانتصار في الحرب، أو الصمود، والتمكن من المحافظة على المكتسبات، لذلك خسرت المقاومة الكثير من مكتسباتها.
د- أداء الرئيس هادي(3): يرى البعض أن الرئيس هادي رغم أنه وجد دعما داخليا من قوى الثورة بكل أطيافها، وعربيا، وإقليميا، ودوليا، ولم يسبق لرئيس قبله هذا الدعم، فإنه لم يستفد من ذلك الأمر، بل تصادم مع حلفائه من التجمع للإصلاح، والمشترك، وآل الأحمر، وحاشد، والقشيبي، واللواء 310، رغم أن كل هؤلاء كانوا اكثر الداعمين له، لتقوية مركزه بالسلطة، فتفتت جبهة المقاومة الداخلية، لحساب ميليشيا الحوثي وصالح، على أيدي قادتها، فيرى البعض أنه عهد إلى تصفية حسابات قديمة، وقدم ذلك على مصلحة اليمن العامة.
2- عوامل تخص ميليشيا الحوثى وصالح:
أ- التترس بالمدنيين، حيث تجيد ميليشيا الحوثي وصالح استخدام هذا الأسلوب لتقليل أثر القصف والضربات الجوية، والقصف المدفعي،  فضلا عن الاقتحام البري.
ب- تناثر القناصة في أعالي المباني والتلال والجبال المجاورة، مما يعني خسائر فادحة لمن يحاول الاقتراب أو الاقتحام.
ج- المفخخات المدمرة، والألغام القاتلة، التي تنشرها ميليشيا الحوثي وصالح، على جنبات الطرق، والممرات، وكذلك بالمدن والقرى التي تفقد السيطرة عليها بشكل كامل.
د- اختراق قوات المقاومة من قبل الحوثيين، ثم القيام بعمليات عكسية، وإفشاء مخططات المقاومة، وأماكن وجودها، مما يوقعها في شراك ميليشيا الحوثى وصالح.
هـ- لم تنجح فكرة فرض الحصار على الساحل اليمني لوقف الإمدادات الإيرانية المتتابعة للحوثي خصوصا، ميناء الحديدة، رغم فرض حصار بحري لقوات التحالف وسيطرتها على جزر حُنيش. فتدفق الإمدادات الإيرانية لم يتوقف من خلال السفن وغيرها، وكذلك بعض الجزر الإريترية التي كانت إيران تدرب عليها ميليشيا الحوثي قبل ذلك، وهي أيضا مخزن لسلاح ميليشيا الحوثي وصالح يقدم لهما عند الحاجة من خلال البحر أيضا.
و- استخدام ميليشيا الحوثي وصالح جغرافيا اليمن لمصلحتها الاستخدام الأمثل، من جبال، وتلال، وتضاريس، كدفاعات طبيعية لها، مما عطل بشكل كبير نتائج الضربات الجوية والقصف المدفعي للتحالف العربي والمقاومة اليمنية.
3- الضغوط الدولية(4):
يرى بعض المؤيدين لعاصفة الحزم أن أمريكا تمارس ضغوطا كبيرة، مستهدفة ثلاثة محاور، أولها: تأجيل تحرير صنعاء، ثانيها: إدماج الحوثيين في العملية السياسية (دون تجريدهم من السلاح)، وثالثها: نزع فعالية عاصفة الحزم، وهذا ما ترمي إليه خطة كيري تقريبا.
ثانيا السيناريوهات المحتملة:
1- نجاح المقاومة في تحرير اليمن وعودة الدولة:
ويدعم هذا السيناريو نجاحات المقاومة والتحالف العربي عسكريا وسياسيا.
أ- فك الحصار عن غرب تعز، وتحرير عدة مدن وقرى، وتلال وجبال حيوية من حولها.
ب- حدوث انشقاقات واسعة بين جماعات ميليشيا الحوثي وصالح المنهكة، في بعض الجبهات، مع الاتهامات المتبادلة بينهما بالانسحاب أمام قوات الشرعية، الأمر الذى وصل إلى التصفية والقتل، وذلك نتيجة لضغوط المقاومة عليها، في الجبهات كافة.
ج- تحقيق انتصارات مهمة في جبهات مختلفة، والسيطرة على مدن وطرق إمدادات حيوية، ورءوس جبال استراتيجية.
د- إثبات أن المقاومة الشرعية مع الحكومة يعملان على وأد الإرهاب أمام المجتمع الدولي.
هـ- النجاح في تحييد روسيا، وإبعادها عن أرض اليمن، ولو مؤقتا، وذلك من خلال اتفاقيات وصفقات اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، عقدتها المملكة العربية السعودية معها.
و-استخدام أوراق ضغط مختلفة على أمريكا والغرب، جعلتهما يغضان الطرف كثيرا عن مخالفات القصف لمواقع الحوثي وصالح، والتي تترس بالمدنيين، مما  أسقط  الكثير من الأبرياء عن طريق الخطأ، فضلا عن توجه المجتمع الدولي بانتقادات للانقلابيين باليمن لعرقلتهم الحل السلمي(5).
ز- استطاع التحالف تصدير “شيطنة” الحوثيين، واستخدام نفس السلاح الإيراني الشيعي في شيطنة المخالف، أيا كان(6).
ح- استيعاب التحالف والحكومة الشرعية لمراوغات صالح ورفاقه باللجوء كل فترة للمفاوضات لالتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الجبهة العسكرية، بموافقة التحالف والشرعية على أي مفاوضات، ولكن بمحاور أساسية، منها تطبيق القرار 2216 ، والمبادرة الخليجية، مما يغلق الباب أمام المراوغات المتكررة من قبل الحوثيين وصالح(7).
ط- نجاح السعودية في استخدام ضغوط دبلوماسية على منظمة الأمم المتحدة لسحب اسم التحالف العربي بقيادة السعودية من القائمة السوداء للدول والجماعات المسلحة، التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق الصراعات(8).
ي- كذلك، لم يهمل التحالف والحكومة الشرعية أهمية القبيلة في المجتمع اليمني، وذلك بإعادة الفريق الركن علي محسن الأحمر، وتعيينه نائبا للرئيس اليمني، وتسلمه قيادة القوات اليمنية في عدة محافظات(9). والرجل له اتصالاته مع وجهاء القبائل، وكان لعودته تأثير إيجابي لمصلحة التحالف وقوات الشرعية.
ك- واصل التحالف نجاحه في الجانب الاقتصادي أيضا، بنقل البنك المركزي، المُسَيطر عليه من قبل ميليشيا الحوثي وصالح، من صنعاء إلى عدن(10).
وفي المقابل، كان هناك إخفاق دبلوماسي لإيران وذراعها باليمن (الحوثي وصالح) تمثل في:
أ- الفشل في جلب روسيا إلى غياهب اليمن، كما فعلت سوريا، حيث رفضت روسيا ذلك الأمر، لعدم توافر قوات برية تحمي قواعدها المقترح إنشاؤها من قبل علي عبد الله صالح في مناورة قيل إنها المناورة الأخيرة التي يلعبها في المشهد اليمني(11).
ب- عمل برلمان مواز لبرلمان الحكومة الشرعية لم يلق إلا اعترافا وحيدا من إيران، وفشل الحوثي وصالح في استقطاب أي اعتراف آخر(12).
ج- ومن الإخفاقات الإيرانية افتقادها الدعم الإقليمي من كبرى دول الإقليم الإسلامية، كتركيا وباكستان، بل العكس، حيث استطاعت المملكة العربية دمجهما في مصالح استراتيجية مشتركة.
يمكن تصور نوعين من التداعيات لهذا السيناريو:
أولهما – بالنسبة للتحالف العربي وقوات الشرعية:
1- تحرير اليمن واستعادة الدولة، وبدء مرحلة البناء التي ستحتاج لجهد لا يقل عن جهد تحرير اليمن.
2- نجاح كبير يحسب للملكة العربية السعودية، على المستويين السياسي والعسكري، يزيد من ثقليها الإقليمي والعربي.
3- وقف التمدد الإيراني الإيراني العسكري الصريح في بلاد الخليج، ومحاولة منع التغلغل الثقافي والسياسي في بلاد تحت المجهر الإيراني، كالبحرين وعُمان.
4- تحجيم المطالب الشيعية المتصاعدة في شرق السعودية، ونجران، وربما إخمادها لوقت ليس بقليل.
ثانيهما – بالنسبة لإيران وذراعها باليمن (ميليشيا الحوثي وصالح):
1- سيكون المردود صعبا على الحوثي وصالح، وستتحول قواتهما إلى فلول تطارد في كل مكان بأرض اليمن، إن لم تتدخل القبيلة، ويشملهم عفو المنتصر.
2- أما إيران الداعمة للانقلابين (ميليشيا الحوثي وصالح)، فخسارتها ستكون كبيرة، وستضيع عليها فرصة تعويض خسائرها المتزايدة في سوريا، فضلا عن ضياع مئات الملايين التي أنفقت في دعم ميليشيا الحوثي وصالح هباءً.
3- فقد إيران لجزء من مكانتها الإقليمية. ففي سوريا موقفها حَرِج. وفي العراق، هناك صحوة عربية شيعية، بقيادة مقتدى الصدر وغيره، مطالبين بإقصاء كل رجال إيران من العراقيين بسبب قضايا فساد(13). وكانت إيران تأمل فى تعويض خسائرها في سوريا بحربها في اليمن، ووضع قدم جديدة في ممر مائي مهم هو مضيق باب المندب، ومد ذراعها إلى شرق إفريقيا، بعد أن توجت جهودها في غرب إفريقيا بملايين المتشيعين أصحاب الولاء الكامل للمرشد الأعلى لثورة إيران، على خامنئي.
4- إضعاف قوة تيار المحافظين، الذي يرأسه خامنئي، ومجموعة آيات الله المتشددة، والتي ترى وجوب تصدير الثورة الإيرانية للبلاد العربية والسنية، مهما كلف الأمر. فهزيمة في اليمن، واستنزاف في سوريا، واضطراب في العراق يعني فشل رؤية المحافظين إلى حد كبير لمصلحة تيار الاعتدال الإصلاحي الذي يميل للنهوض الداخلي بعيدا عن تصدير الثورة والصدامات الإقليمية.
2- سيناريو  إبقاء الوضع على ما هو عليه الآن:
وهذا الاحتمال وارد بنسبة كبيرة أيضا، وهو في مصلحة إيران وأذرعها بلا شك. ويؤيد هذا السيناريو الجهود الأمريكية المكثفة لتحجيم ووقف انتصارات التحالف العربي والمقاومة الشرعية، وإعادة ما تحقق على أرض المعركة إلى نقطة الصفر، وتطبيق خطة كيري غير المرحب بها من قوات التحالف والمقاومة الشعبية.
3- سيناريو انفصال الجنوب عن الشمال وعودة الدولتين:
وهذا السيناريو سيكون نتيجة مفروضة من الخارج، وبتأييد دول إقليمية وعربية، بل سيحظى بتأييد دول من التحالف العربي أيضا، وهو حل مُرَحب به من إيران، ويعد انتصارا لجهودها في السيطرة على بلاد العرب في الفترة الحالية على الأقل. فإن لم تستطع التهام اليمن كله الآن، فيكفي نصفه في المرحلة الراهنة.
خلاصة:
 بيد أن الأُطروحات السابقة، بسيناريوهاتها الثلاثة، في مشهد الإقليم المتأزم، ليس لها أرض دائمة الثبوت. فالشرق الأوسط أرضه مضطربة، وسماؤه متغيرة، والتنقل من حال إلى حال سمة متأصلة في تاريخه، وحاضره، ولن يعدَمها مستقبله، وهذا كله لا يجعل لسيناريو منها أفضلية على الآخر.
*************************************
جمال الدين أبو حسين
مجلة السياسة الدولية