قانون «جاستا» يزيد قلق الحلفاء

قانون «جاستا» يزيد قلق الحلفاء

1-306

في 19 سبتمبر الجاري كتبت في «الاتحاد» مقالاً بعنوان: «مجدداً أميركا تتنكر لحلفائها» محذراً من مساعي أعضاء الكونجرس الأميركي الرامية لتمرير قانون مُسيّس باسم «العدالة ضد رعاة الإرهاب» ويعرف اختصاراً بـ«جاستا»، بدعوى دعم أهالي ضحايا 11 سبتمبر، وللحفاظ على مقاعدهم في سنة انتخابات حاسمة. وهذه المرة جاءت الحملة المعادية لحلفاء أميركا ليس من الإدارة الأميركية بل من الكونجرس. ولا يهم إن كان القانون يتعدى على الحصانة السيادية ويخالف القانون الدولي ويحدث فوضى في العلاقات الدولية ويخلق مناخاً معادياً للدول المستثمرة خشية مصادرة استثماراتها، وبالتالي الإضرار بالتجارة العالمية.

وبعد ذلك المقال بعشرة أيام تعرض الرئيس أوباما لصفعة بتمرير مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين وبأغلبية ساحقة للقانون وضد «فيتو» أوباما. والأكثر إحراجاً له انشقاق عشرات الشيوخ والنواب من حزبه بالتصويت للتكسب السياسي ضد رئيسهم وإبطال نقضه لقانون «جاستا»! هذا على رغم تحذير الرئيس ووزير الخارجية ورئيس جهاز الاستخبارات المركزية ورؤساء كبريات الشركات الأميركية كـ«جنرال إلكرتيك» و«داو كيمكال» للكونجرس من مغبة تمرير القانون لإضراره بمصالح أميركا وأمنها القومي، ولكن الكونجرس لم يكن في وارد الاستجابة، ونقض «فيتو» الرئيس! وبعد يوم من ذلك التصويت راحت السكرة وأتت الفكرة، وبدأ قادة الحزب الجمهوري خاصة رئيس مجلس النواب وزعيم الأغلبية الجمهوريين ورئيس لجنة الشؤون الخارجية، التحذير من تداعيات القانون والمطالبة بإعادة النظر فيه! وإدخال تعديلات على القانون بعد الانتخابات في نوفمبر القادم لحماية القوات المسلحة في الخارج والمسؤولين الأميركيين من المقاضاة والمعاملة بالمثل من قبل دول وأفراد. والخطورة في هذا القانون الجائر أنه يخالف القانون الدولي ويتعدى على الحصانة السيادية ويقود لفوضى عارمة في العلاقات الدولية، بقدرما يعرض المسؤولين الأميركيين من قادة سياسيين وعسكريين وجنود للمساءلة القضائية. وبدلًا من أن تحاكم أميركا العالم يحاكمها العالم على جرائمها وحروبها وعدوانها، وخاصة أنه حسب مبدأ المعاملة بالمثل يحق لأهالي ضحايا حروب أميركا أن يُقاضوا مسؤوليها وبشكل خاص المدنيين ضحايا قصف الطائرات بدون طيار التي يستخدمها أوباما بشكل مكثف وغير مسبوق، وفي حالات كثيرة أدت لقتل أبرياء في مدنهم وقراهم في احتفالات الأفراح وغيرها.

وسيرث ترامب أو كلينتون تبعات وتداعيات قانون «جاستا»، الذي يستهدف مقاضاة السعودية بالدرجة الأولى على خلفية أحداث 11 سبتمبر 2001. ويحدث ذلك على رغم تبرئة المملكة العربية السعودية من قبل لجنة التحقيق المشتركة من الحزبين -وحتى في الـ28 صفحة التي حُجبت- على رغم مطالبات السعودية بنشرها، وهو ما حدث. ومن هنا فإن قانون «جاستا» المنحاز كلياً، يساهم بشكل فاضح في تسميم العلاقة بين الولايات المتحدة هذه المرة عن طريق الكونجرس والمملكة العربية السعودية ودول العالم ككل، حيث لن تكون هناك أي دولة بمنأى عن أن تتم مقاضاتها من قبل أي مواطن أميركي قد يتهمها بالتقصير وبدعم الإرهاب! في انقلاب كلي على مبادئ القانون الدولي!

والسؤال الآن: ماذا تملك السعودية وحلفاؤها من أدوات الرد على بلطجة الكونجرس وتسييسه لموضوع الإرهاب في سنة انتخابات حاسمة يلجأ العديد من المشرعين الأميركيين فيها للإضرار بمصالح أميركا وتهديد وابتزاز حلفائها رغم معارضة ورفض الإدارة للقانون؟ ولا في شك أن للسعودية أوراق قوة عليها لعبها سواء للتصدي لتداعيات قانون «جاستا» أو في التعامل مع الإدارة الأميركية القادمة بدءاً من يناير 2017. وقد كان هدف «القاعدة» من اعتداءات 11 سبتمبر بتعمد مشاركة 15 من حاملي الجنسية السعودية ضمن الـ19 مهاجماً انتحارياً في هجمات نيويورك والبنتاغون، خلق مواجهة أميركية- سعودية، وأيضاً خلق مواجهة أخرى بين الإسلام والغرب، تأكيداً لنظرية هنتنغتون حول «صِدام الحضارات»، ولهز أميركا من الداخل في أكبر عملية إرهابية في تاريخها.

ويمكن للسعودية خفض مستوى التعاون أو وقفه مع واشنطن، وسحب ودائعها وأرصدة الصناديق السيادية من الأسواق الأميركية -التي تتراوح بين 500 مليار دولار وتريليون دولار. وقد تتجه السعودية أيضاً لتوسيع شبكة حلفائها إقليمياً -تركيا، زيارة ولي العهد الأمير محمد بن نايف- ودولياً مع الاتحاد الأوروبي وحتى الصين وآسيا، لتعويض التراجع في العلاقات الاستراتيجية مع أميركا. كما يمكن للسعودية التنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي على تجميد التنسيق الأمني ومكافحة الإرهاب مع واشنطن، وإن كان لكل من تلك الخطوات الانتقامية تكلفتها على الطرفين بما في ذلك الطرف السعودي.

ولكن التحدي الكبير هو للعلاقة الاستراتيجية بين حليفين متباعدين ويختلفان على قضايا استراتيجية من طبيعة وأبعاد التقارب الأميركي- الإيراني، إلى الخلافات حول السلوك والتدخلات الإيرانية في المنطقة، وملفات سوريا والعراق واليمن. ويُضاف اليوم أيضاً قانون «جاستا» ليعمق الخلافات وينكأ الجراح، ويتعدى على الحصانة السيادية للدول، ويهدد الاستثمارات المالية في الولايات المتحدة.

وكان لافتاً ردة الفعل السعودية المعتدلة، حيث علقت الخارجية السعودية بأن قانون «جاستا» يشكل مصدر قلق للدول التي تعترض على مبدأ إضعاف الحصانة السيادية. ولكن يبقى التحدي المهم هو: هل يمكن تدارك هذا التدهور والتراجع في العلاقة بين الحليفين؟ وكيف سيؤثر هذا الخلاف على مستقبل العلاقات الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة التي دخلت عقدها الثامن؟ وكيف سينعكس هذا الخلاف العميق أيضاً على مستقبل العلاقة السعودية- الخليجية مع الإدارة الأميركية القادمة؟

عبدالله خليفة الشايجي

صحيفة الاتحاد