قبل معركة الموصل

قبل معركة الموصل

349
يترّقب العالم اليوم، كما تشير وكالات الأنباء العالمية، اندلاع معركة الموصل، إثر دخول التوقيت المحدّد بساعة الصفر مرحلته النهائية. ويبدو أن الولايات المتحدة قرّرت حسم هذه المعركة التي ستقضي على أخطر تنظيم إرهابي في الأرض.. ولكن، لا تُعرف ما هي القوى اللوجستية المساندة والمشاركة للجيش العراقي في مهمته الوطنية المشرّفة. يرحب أهل الموصل، وكلّ أبناء إقليم نينوى، بكلّ القوى الخارجية والداخلية المساندة والمشاركة في مهمّة التحرير، لكنهم لا يقبلون ألبتة دخول أيّة مليشيات طائفية ترتبط بإيران مدينة الموصل، إذ لا يريدون تبديل لطخة ظلامية سوداء بأخرى دموية حمراء، لها ممارساتها السالبة مع مناطق وجهويات سنيّة أخرى في العراق. وعلى الرغم من وجود الآف المسلّحين الذين يريدون اكتساح الموصل، إلا أن “رسالة” يريد أن يوجهها أهل الموصل إلى رئيس الوزراء، حيدر العبادي، كونه القائد العام للقوات المسلحة، أنّ كارثةً ستحلّ بالموصل، في حالة دخول أيّة مليشيات طائفيّة الموصل، فإن كان يوجّه خطاباته إلى أهل الموصل، ويطالبهم بالتعاون من أجل تحرير أرضهم وجغرافياتهم فهم يطالبونه بأن لا يحقّق للمليشيات الطائفية رغبتها وأغراضها أبداً، وأن يحول دون أيّة ممارساتٍ لا إنسانيةٍ ضدّ أهلنا في الموصل. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا يتم القبول بكلّ القوى الوطنية والإقليمية والخارجية بتحرير الموصل، ويتمّ رفض هذه المليشيات رفضاً قاطعاً؟ يبدو السبب واضحاً: أن قطيعة تاريخية قديمة حدثت بين الطرفين، وأنّ للمليشيات الطائفيّة أجندتها السياسيّة والايديولوجية، وهي تعبّر تعبيراً علنياً عن سياسات إيران. وعليه، فهي بذلك قد خرجت من ثوب الوطنية العراقية، لكي تكون في خدمة إيران وسياساتها، خصوصاً أن للموصل تاريخها المتشنّج والمأزوم ضدّ إيران منذ مئات السنين.
إنّ دوراً مهماً يلعبه المقاتلون في هذه الأيام بمختلف أنواعهم، مع دخول أسلحةٍ جديدةٍ تستخدم، أوّل مرّة، من أجل حملة استعادة السيطرة على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، والتي هيمن عليها تنظيم داعش الإرهابي، وبطش بها منذ عام 2014. ومثلما كان سقوط الموصل بأيديهم، قبل سنتين ونصف السنة، مجالا لتحقيق مزيد من كسب العراق، أو قضمه، لكي يصلوا إلى أطراف بغداد، فانّ من المرجح أن يكون التحرير واستعادة إقليم نينوى من براثن داعش نقطة تحوّل في تنظيف المنطقة كلّها منهم، والسيطرة على آخر معقل للمسلحين في العراق. مضت عدة أشهر طوال من التأخير، ومع بداياتٍ خاطئةٍ في التعامل مع الإرهاب. ولكن، تبدو

حملة الموصل تدخل المرحلة النهائية الآن. وقد وضعت الخطط للمعركة المقبلة، خصوصاً بعد استعادة قوات البيشمركة الكردية عدة قرى شرق االموصل، وبعد السيطرة الناجحة على قاعدة الكيّارة الجويّة، وهي على بعد 40 ميلا جنوب الموصل، ويحدّد كلّ من العراقيين والأميركيين وكلّ الشركاء الدوليين منطقة انطلاق استراتيجية للهجوم على المدينة. وقد تعهّد مسؤولون أكراد بأنهم يخططون للتقدّم إلى داخل حوالي 10 أميال من أطراف مدينة الموصل، من دون الدخول إليها. معنى ذلك أن المعركة الأساسية سيلعبها الجيش العراقي، في حين تلعب البيشمركة دوراً داعماً. ويتوّقع مقاتلون بيشمركة في خطّ المواجهة حدوث معركة دامية وطويلة ومعقدة في المستقبل، في حين يؤكد المقاومون من أهل الموصل، وفصائلهم الوطنية التي يقودها أثيل النجيفي، بأنّ مقاومة العدو ستبدأ في الانهيار، حال اندلاع المعركة الفاصلة.
أما الجنرال الأميركي، شون ماكفارلاند، فقد بدا متفائلاً في قوله “الأهداف سهلة جداً لنا”، وقد أبلغ الصحفيين أنّ “الدواعش تكبّدوا خسائر جسيمة جداً، فقد قتلت قوات التحالف ما يقرب من 45000 مقاتل من المتشدّدين، وإنّ الأعداد المتبقيّة منهم تقدّر بين 15000 إلى 30000 محارب، هم الأقلّ فعاليّة والأضعف ممّا كانوا عليه في الماضي”. وأضاف “عندما نذهب إلى مكانٍ ما، من السهل أن نذهب إلى هناك الآن مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام، وغدا العدو أضعف من المواجهة في معركة مصيرية”. وعليه، لا يمكن الاستهانة بمقاتلين شرسين جداً، خصوصاً أنهم يتوزعون على امتداد الخطوط الأمامية، فمن المتوقع حدوث مقاومةٍ شرسةٍ من القناصة، وربما تكون “غير مسبوقة” مع استخدام عبواتٍ ناسفة وهجومات انتحارية مع محاولات مخادعة، وربما تكون يائسة ومعبرّة عن “الموقف الأخير”، لأنه ليس في استطاعة أحدٍ من هؤلاء المسلحين التراجع أو الاستسلام، اذ يستدعي ذلك الغضب والموت الشنيع.
يتابع ماكفارلاند: “الكفاح من أجل الموصل يختلف عن أيّ شيء آخر رأيناه في العراق، نظرا لأهمية المدينة استراتيجيا، وكونها اتخذها داعش مركزاً حقيقياً له، فالموصل هي التي تشغلنا جميعا أكثر من أيّ مكان آخر”. وعليه، من يسمع هذا كله سيعتقد أنّ المعركة ستكون دموية. من غير الواضح متى سيبدأ القتال بشكل جدّي، أو كم من الوقت سيستغرق ذلك. وقد رفض ماكفارلاند الكشف عن جدول زمني لعمليةٍ يقوم بها الجيش العراقي جنوب الموصل، ولكن من المتوّقع أن يؤدي الهجوم بكفاءة مع جنود الولايات المتحدة في مركز الخدمات اللوجستية جنوب المدينة، والمتخذ من قاعدة الكيارة الجوية دائرة له.
وقد توّفرت لكلّ من الجيش العراقي والبيشمركة الأكراد، في ربيع العام الجاري، جملة من

المعدات الهائلة، مثل ناقلات جند مدرعة ومدافع الهاون والأسلحة المضادة للدبابات مع أسلحة جديدة، اكتملت التدريبات عليها في دورات مدة ثمانية أسابيع. وفي الشهر الماضي، وقعت وزارة الدفاع العراقية اتفاقاً لتزويد القوات الكردية بمبلغ قدره 415 مليون دولار لدفع رواتب للمقاتلين، ولشراء المواد الغذائية والوقود والذخائر والإمدادات الأخرى. ويوضح المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، رانكين غالاوي، أنّ تسليح الأكراد عملية حسّاسة، وإن أيّ اتفاق كردي مع حكومة المركز يثير معارضة من أعضاء في البرلمان.
مصدر المشكلات والتوترات والأزمات في العراق قوى لا تريد استقراره وتقدّمه. وكان من نتائج سوء سياسات رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، كارثة سقوط الموصل، بعد أن حكم دورتين ثماني سنوات، شهد العراق في أثنائها أسوأ حرب أهلية، وغرق العراق في الفساد والتفكك بين بغداد وأربيل ليست جديداً. ولم يزل هذا الرجل يثير المشكلات والنعرات والانقسامات. ويرجح أن استعادة الموصل (وتحريرها) ستكثف الصراعات الداخلية على السلطة. وإن جملة تحوّلات استراتيجية ستحدث، ليس في العراق وحده، بل في كلّ المنطقة، فمن المتوقّع ان يحافظ العراق على وحدته بولادة أقاليم بديلاً عن المحافظات الحالية .. كما أن التوقعّات تشير إلى حدوث تبدّلات جذرية في العملية السياسية، وتغيير النظام السياسي إلى نظام سياسي عقلاني من نوع آخر، مع تحجيم دور إيران في العراق.
ويعتقد مراقبون عديدون أنّ تحرير الموصل والمناطق المحيطة بها (يسكنها خليط من المسلمين العرب السنة، والمسيحيين السريان والكلدان والآشوريين واليزيديين والأكراد والتركمان والشبك) سوف يؤدي إلى تفاقم التوترات العرقية والدينية. وعليه، من أجل أن لا يقود الصراع إلى حدوث مظالم جديدة، وانتهاكاتٍ طويلة الأمد بشأن توزيع السلطة والأراضي والنفط، فمن الأجدر تأسيس إقليم نينوى، ومركزه الموصل، للمحافظة على مصالح أبناء الإقليم، ووحدتهم المستقبلية وخصوصياتهم الاجتماعية والثقافية، فضلاً عن قدرة الإقليم في الدفاع عن أهله كلهم، وعودة النازحين والمهجّرين إلى بيوتهم، والمطالبة وطنياً ودولياً بتعويضات كلّ المتضررين بدمائهم وأعراضهم وأموالهم وأملاكهم، مع إعادة فتح المدارس والجامعات.. ومعاقبة كلّ المجرمين الذين قاموا بعمليات القتل والبطش وهتك الأعراض، ولعلّ من أهم الضرورات فرض الأمن والعدالة وإعادة القضاء وفرض القانون، خوفاً من وقوع عملياتٍ وحشية، كما تؤكد على ذلك جماعات حقوق الإنسان.

سيار جميل
صحيفة العربي الجديد