الحرب في سورية: قواعد غروزني في حلب

الحرب في سورية: قواعد غروزني في حلب

pict16

تماماً عندما يبدو أن الحرب في سورية لا يمكن أن تصبح أسوأ، فإنها تصبح كذلك. ففي 19 أيلول (سبتمبر)، ضربت الطائرات السورية والروسية قافلة كانت على وشك إيصال مساعدات إلى الأجزاء المحاصرة من حلب. وأدى ذلك الهجوم إلى تدمير وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا، كما تبعه أسوأ قصف تشهده المدينة القديمة حتى الآن. وتتحدث التقارير عن إمطار المدينة بالقنابل الخارقة للتحصينات، والقنابل الحارقة وقذائف الفسفور الأبيض.
يقوم الرئيس السوري بشار الأسد بتدمير بلده من أجل التشبث بالسلطة. ويقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصدير أساليب الأرض المحروقة التي كان قد استخدمها ذات مرة لترويع العاصمة الشيشانية، غروزني، وإجبارها على الخضوع. ولن تؤدي هذه الوحشية إلى وقف الجهادية، وإنما ستقوم بتسعيرها. ويجعل التقاعس الأميركي الأمور كلها أكثر سوءا. ويشكل العذاب في سورية أكبر وصمة عار أخلاقية على جبين رئاسة أوباما. كما أن الفوضى التي تمتد من سورية –حيث يتطلع الكثيرون الآن إلى تنظيم القاعدة، وليس الغرب، من أجل الخلاص- هي أعظم فشل جيوسياسي له.
يعتقد أوباما أن البقاء بحزم خارج المستنقع السوري هو حنكة سياسية عقلانية وتفكير هادئ. وربما يكون “مسكوناً” بصور الفظاعات، لكنه مقتنع بأنه ليس هناك شيء يمكنه أن يفعله هناك، والذي يمكن أن يكون مفيداً. وقد علق أوباما في مقابلة أخيرة مع مجلة “فانتيتي فير” بالقول: “هل كان هناك تحرك غير ما كان يُقدم لي، والذي ربما كان سيراه تشرشل، أو كان ليستشرفه آيزنهاور؟” ربما يكون أوباما محقاً في الاعتقاد بأن مشكلات العالم لا يمكن أن تُحل كلها بالقوة الأميركية، وأن التدخل غير المدروس يمكن أن يجعل هذه المشكلات أسوأ، كما حدث عندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق. لكن عذابات سورية تُظهر أن غياب الولايات المتحدة يمكن أن يكون مضراً بالمقدار نفسه.
تفكير هادئ، وعقلاني، وخاطئ
بينما تراجعت الولايات المتحدة، كان آخرون يدخلون -فالجغرافيا السياسية تكره الفراغ. وقد استولى “داعش” على مساحات شاسعة من سورية والعراق. وتم إلهام جيل جديد من الجهاديين للقتال في سورية أو مهاجمة الغرب. وانضمت تركيا إلى القتال في سورية بعد أن هزها عنف الأكراد والجهاديين (ومحاولة انقلاب فاشلة). ويخشى الأردن ولبنان، المزدحمَين باللاجئين، من احتمال امتصاصهما إلى الصراع. ويؤدي نزوح السوريين إلى تقوية شعبويي أوروبا الكارهين للأجانب، ويهدد بقاء الاتحاد الأوروبي. وتشعر روسيا المحاصرة بأنها أصبحت أكثر جرأة.
بإرساله الطائرات الحربية إلى سورية لدعم الأسد، ألهب بوتين الصراع بين المسلمين الشيعة والسنة. ويبدو بوتين والأسد الآن مصممين على كسب السيطرة على “سورية المفيدة” -سلسلة المدن من دمشق إلى حلب، والمناطق الواقعة إلى الغرب، والتخلي عن الصحراء ووادي الفرات -قبل أن يتولى رئيس أميركي جديد المنصب في العام المقبل. ومن هنا تأتي ضراوة الهجوم الذي يُشن على شرق حلب، آخر المناطق الحضرية الرئيسية التي يسيطر عليها الثوار.
لا يصب أيٌّ من هذا في مصلحة الولايات المتحدة. ولن يفيدك كونك هادئ التفكير وكثير الحسابات كثيراً إذا كان كل الآخرين يظنون أنك ضعيف. وحتى لو أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تصلح سورية، فقد كان بإمكانها أن تساعد في الحد من حجم الضرر، والتخفيف من المعاناة وتقليل جاذبية الجهادية. وكانت هذه الصحيفة قد دعت منذ وقت طويل إلى إقامة مناطق حظر للطيران لحماية المدنيين. وقد أدى الفشل في ضرب نظام الأسد بعد أن عبر “الخط الأحمر” الذي فرضه أوباما على استخدام الأسلحة الكيميائية إلى تدمير مصداقية الولايات المتحدة، كما يعترف الكثيرون حول الرئيس. والآن، أصبحت روسيا هي التي تضع قواعد اللعبة. وأصبح العمل الغربي في سورية الذي كان ينطوي ذات مرة على القليل من المخاطرة، ينطوي الآن خطر الصدام مع روسيا.
يقول أوباما إن الأسد يجب أن يذهب في نهاية المطاف، لكنه لم يرغب في توفير الوسائل لتحقيق هذه الغاية أبداً. (بعض جماعات الثوار تتلقى أسلحة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لكن هذا ليس هو الموضوع). وبدلاً من ذلك، ركز أوباما على تدمير “الخلافة” التي أصبحت عاصمتها السورية، الرقة، تحت التهديد، وأصبح الهجوم على عاصمتها العراقية، الموصل، وشيكاً. ويريد الرئيس تجنب بناء الدولة غير المجزي وأن يركز على محاربة الإرهابيين. وهذا مهم، لكن الجهادية تتغذى على الحرب وفشل الدول. ومن دون اتفاق أوسع إطاراً لتقاسم السلطة في سورية والعراق، فإن أي انتصار على تنظيم “داعش” سيكون قصير الأجل، وسيأتي آخرون ويحلون محله. ومن أجل تحقيق تسوية عادلة، يحتاج الغرب إلى امتلاك قدر أكبر من النفوذ ووسائل الضغط.
ما نزال نأمل في أن يتخذ أوباما إجراءات أكثر حزماً. لكن الأكثر ترجيحاً هو أنه سيترك الفوضى السورية على طبق خليفته. ويجب أن تبدأ أي استراتيجية غربية من إدراك مسألتين. أولاً، أن أهم هدف في الشرق الأوسط هو تخفيف مظالم السُنّة بما يكفي لجذبهم بعيداً عن عقيدة الموت التي تعتنقها الجهادية، ونحو سياسات بناءة وأكثر إيجابية. ثانياً، أن روسيا ليست جزءاً من الحل، وإنما هي جزء من المشكلة.
على الغرب أن يفعل المزيد لحماية السوريين، ومعظمهم من السنة، من الذين ما يزالون خارج قبضة الأسد. وربما تكون إقامة منطقة حظر طيران غير معلنة فوق حلب مفيدة. كما تستطيع الولايات المتحدة الانتقام من قوات الأسد بعد ارتكابها أعمالاً فظيعة بشكل خاص. ويمكنها أن تقوم بإسقاط المساعدات من الجو على المناطق المحاصرة. وفي المناطق المحررة من “داعش”، يجب على الولايات المتحدة إقامة مناطق آمنة حيث تستطيع حكومات بديلة ترسيخ أقدامها.
كما أظهر تحقيق كان قد أُجري بقيادة هولندية في حطام رحلة الطائرة MH17 فوق أوكرانيا في العام 2014، فإن التحدي الذي تشكله روسيا لا يقتصر على سورية حصرياً. ويجب أن يواصل الغرب التحدث مع بوتين، وإنما يجب أن يقاوم نزعة المغامرة ليديه -بدءاً من الإبقاء على عقوبات الاتحاد الأوروبي. ولا شك أن بوتين فتوة مستأسد، لكنه ليس شخصاً غير عقلاني. وسوف يستمر في المقامرة من أجل كسب الميزة طالما ظل يعتقد بأن الغرب غير راغب في العمل. لكنه سيتراجع بالتأكيد بمجرد أن يشعر بأن الغرب أصبح جدياً إزاء الوقوف في وجهه.

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

صحيفة الغد