الرفيقان بوتين وأوباما

الرفيقان بوتين وأوباما

1016815415
يبقى أن تُمنح جائزة نوبل للسلام لهذا العام للرئيسين الأميركي، باراك أوباما، والروسي، فلاديمير بوتين. دورهما في سورية يستحق ذلك. عمل الرجلان ويعملان بكدّ لمنع سقوط مزيدٍ من الضحايا وإرساء السلم والأمن على امتداد الأراضي السورية. على هذه الجائزة أن تُخصص مكاناً خاصاً في سجلاتها التاريخية للثنائي الأكثر جدلاً في القرن الـ21 حتى الآن. وعلى هذا المكان أن يكون مزداناً بالذهب، لا بدماء آلاف السوريين، لإبعاد الشعور بالذنب عن أحاسيسهما.
المعايير كثيرة في هذا الصدد. عمل بوتين وأوباما بقوة في السنة ونصف السنة الأخيرة على تمتين علاقتهما بمبدأ السلام، إلى درجة أن أحدهما قد يسبق الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في إطلاق الصواريخ النووية، خارج إطار المناورات التدريبية. سواء في سورية أو في أوروبا، على خلفية الملف الأوكراني. لا يعبأ الرجلان بشيء، طالما أنهما يسعيان، يداً بيد، في سبيل سلام عالمي، ينشده الكوكب وأهله.
صحيح أن أوباما يعاني، بسبب إرث الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، تحديداً في العراق وأفغانستان، محاولاً معالجة الأمور “على طريقته”، في ما بدا وكأنها محاولةٌ للفصل بين عهدين، إلا أن الرئيس المفترض أن تنتهي ولايته بعد أسابيع يُعتبر شاهداً على أسوأ مآسي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945): سورية.
لم يعمل أوباما إطلاقاً لنجدة السوريين، لا سياسياً ولا إنسانياً. بات، في آخر أيامه الرئاسية، يتصرّف على قاعدة “أنا راحل، ومن بعدي الطوفان”. ما بدا كـ”نسمة في سبرينغفيلد” في خريف عام 2007، قبل إعلان ترشيحه لرئاسة الولايات المتحدة، ينتهي كإعصار مجنون، يُصيب السوريين في مقتل. بالنسبة لأوباما “سورية بعيدة”. الرجل يستحق جائزة نوبل للسلام.
بدوره، يُعتبر بوتين حمامة سلام من الطراز الرفيع. لم يرد على قرارٍ يخصّ جورجيا سوى برسائل التنديد، ولم تقم قواته باجتياح تلك الدولة السوفييتية السابقة. كما أنه لم يضمّ شبه جزيرة القرم الأوكرانية، بل رغب سكانها في الانفصال من أوكرانيا والانضمام إلى روسيا. تماماً كما فعل في الشيشان وداغستان اللذين سيمنحهما استقلالهما، نوعاً من تطبيق مبدأ “حق تقرير المصير”. لم تقصف الطائرات الروسية سورية، بل عمل بوتين على إرسال قوافل المساعدات الإنسانية. لم يُدمّر جنوده “معاقل الإرهابيين” فحسب، بل ارتكبوا مجازر تستحق جائزة نوبل للسلام.
لا يحتاج الرفيقان بوتين وأوباما إلى تلميع صورتهما، كون “نقائها” تغني عن كل تلميع وتبييض. لم يُشكّل الرجلان، في نهاية اليوم، مساراً مختلفاً عن أسلافهما. بل استمرّا على هديهم. يشكل بوتين امتداداً صارخاً لكل مفاهيم “السوفييتية” الممزوجة بالتاريخ القيصري، والمعطوف على عالم اليوم، أما أوباما فيُعتبر “تصالحاً” شكلياً مع تاريخ أميركي عنصري، عرقياً واجتماعياً، فقط لا غير. الاستراتيجيات واحدة لدى ساكني موسكو وواشنطن، وإن اختلفت تكتيكاتهما.
قد يكون “ندم” ألفريد نوبل في اختراع الديناميت سبباً في تأسيس جائزة نوبل للسلام، لكنه بات عُرفاً في المسار التاريخي لصناعة أبطال هذه الجائزة. يُمكن لجزارٍ أن يصبح حمامة سلام. شيمون بيريز وإسحاق رابين نموذجاً. يُمكن لغزاة دول باسم “الحرية والديمقراطية” أن يصبحوا أبطالاً خالدين في سجلات “نوبل” للسلام. يُمكن لديكتاتوريين يدمّرون بلادهم التحوّل إلى أساطير باسم “محاربة الإرهاب وحماية الاستقرار”.
غداً قد يأتي يوم، ويضع فيه الرفيقان أوباما وبوتين شهادة نوبل مرتقبة للسلام، تكون الثانية للأميركي (بعد عام 2009) والأولى للروسي، على حائط ما في مقرّي سكنيهما. سيدلّان عليه بالإصبع لزوارهما قائلين “كسبناها بفعل الدمار السوري والمجازر في سورية. حصلنا على الجائزة فقط لأن هناك مجرما وشريكا غير مباشر في الجرم، قرّرا التفرّج على الانهيار السوري”. بعدها، سيصفق الجميع، لأن روسيا والولايات المتحدة حميا الكوكب على حساب إنسانه.
بيار عقيقي
صحيفة العربي الجديد