طهران تواجه سؤال التحدي في علاقتها مع موسكو

طهران تواجه سؤال التحدي في علاقتها مع موسكو

456326934-2-620x429

يتابع الإيرانيون بقلق مآل التسخين المحفوف بالمخاطر بين واشنطن وموسكو في جبهات الشمال السوري، في ضوء المواجهات الجديدة بين الطرفين. المواجهة التي تقودها موسكو ضد واشنطن بسبب اتهامات روسية للأمريكيين بتعمد قصف قوات ومعسكرات الجيش السوري في دير الزور بتزامن هجوم شنته ميليشيات «داعش» الإرهابية ضد مطار دير الزور عصر يوم السبت (17/‏9/‏2016)، والمواجهة التي تقودها واشنطن ضد موسكو وتتهمها والقوات الجوية السورية بشن الهجوم على قافلة المعونة التابعة للأمم المتحدة في ريف حلب، وهو الاتهام الذي نفاه الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع وكالة أسوشيتدبرس (22/‏9/‏2016)، موضحاً أن «تلك القوافل كانت في منطقة المجموعات المسلحة التي يجب توجيه الاتهامات لها»، ومشيراً إلى أن «الأمم المتحدة قالت إنه لم تكن هناك ضربات جوية على القافلة»، ما يعني أن قوات المعارضة هي التي قصفت تلك القافلة، وليس القوات الروسية، أو السورية.
هاتان المواجهتان خلقتا قناعة لدى الإيرانيين بأن الهدنة التي أقرها اتفاق الوزيرين الأمريكي والروسي، جون كيري وسيرجي لافروف، في التاسع من سبتمبر/‏أيلول الفائت، قد تلاشت مع التباعد في الرؤى الآخذ في الازدياد حول الأزمة السورية، وأن الولايات المتحدة مصممة على الاحتفاظ بهامش المناورة والاحتفاظ بالورقة السورية، وترحيلها إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر/‏تشرين الثاني المقبل، خصوصاً مع تزايد كثافة الوجود العسكري الأمريكي في شمال سوريا، خاصة في الحسكة، أو قاعدتي الرميلان وعين العرب، معززاً بالوجود العسكري للفرنسيين والإنجليز والألمان، بشكل يوحي بأن «عملية تدحرج للحضور الأمريكي- الأطلسي» في سوريا، تحاكي تجربة التدحرج الأمريكية في العراق مطلع التسعينات، وعلى عكس كل تحسبات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري، قد أخذت تفرض نفسها، ولعل الضربة الأمريكية للقوات السورية في دير الزور كانت مؤشراً قوياً على ذلك.
هذه الضربة، والهجوم المتزامن لميليشيات «داعش» على مطار دير الزور، أدى إلى ترسيخ قناعة روسية – إيرانية مضمونها أولاً أن الضربات الأمريكية تجاوزت، منذ اللحظة الأولى، فرضية الخطأ المحتمل والمستحيل إلى عملية مدبرة ومتشعبة الأهداف، أبرزها إخراج القوات السورية من دير الزور ضمن مخطط أمريكي لتفريغ الشمال السوري من قوات النظام، توطئة لتسليمها إلى منظمات المعارضة الكردية الحليفة.
أزمة انعدام الثقة بين موسكو وواشنطن كشفتها ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، بقولها إن «موسكو توصلت إلى استنتاج مرعب بأن أمريكا تساعد (داعش) في سوريا».
كان من المقرر أن يقدم المندوبان الأمريكي والروسي في مجلس الأمن من خلال هذا الاجتماع تفاصيل حول اتفاق الهدنة الأمريكي- الروسي الذي توصل إليه كل من وزيري الخارجية جون كيري وسيرجي لافروف، ووقف القتال في سوريا يوم التاسع من سبتمبر /‏أيلول، لكن الأمريكيين رفضوا في هذا الاجتماع تقديم أية معلومات، أو تفاصيل لمجلس الأمن لمنع المجلس من إصدار أية توصية بخصوصه، وكانت النتيجة هي إلغاء الجلسة كلها، الأمر الذي خلق قناعة لدى روسيا أن الولايات المتحدة تتنصل من هذا الاتفاق، أو أن هناك من هم أطراف في القرار الأمريكي غير الرئيس ووزير خارجيته، من يرفضون الاتفاق.
تصعيد أمريكي غير مسبوق في سوريا تدرك إيران أن روسيا وحدها ليست المستهدفة منه، بل النظام السوري، وحلفاؤه، خاصة إيران، الأمر الذي بات يشكل ضغوطاً غير مسبوقة على دوائر صنع القرار الإيراني بالنسبة للخطر القادم، والأعباء الإيرانية الجديدة في سوريا، وفي القلب منها حدود العلاقة مع روسيا، وهي العلاقة التي تعرضت لاهتزاز مؤقت عقب الأزمة الطارئة الناتجة عن تعمد الإعلام الروسي كشف موافقة إيران على استخدام الطائرات الروسية لقاعدة مطار همدان العسكري (شمال غربي إيران)، «لشن ضربات ض أهداف معادية في سوريا».
كشف موسكو هذه الأسرار تسبب باندلاع ردود فعل إيرانية غاضبة وسريعة على مستويين؛ الأول، على مستوى الحكومة الإيرانية وعلى لسان وزير الدفاع حسين دهقان الذي انتقد الطريقة التي أدارت بها الدولة الروسية إعلامها للترويج لمثل هذه الترتيبات، والثانية على مستوى البرلمان الذي خرجت منه أصوات تطالب بالتحقيق في انتهاك الحكومة المادة 146 من الدستور التي تنص على «منع وجود قواعد عسكرية أجنبية على الأراضي الإيرانية، ولو لأهداف سلمية». الأمر الذي استدعى رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني لنفي منح روسيا أي قاعدة على الأراضي الإيرانية.
هذا السجال انتهى بإعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، وقف استخدام الطائرات الروسية لقاعدة مطار همدان لشن غارات في سوريا، وقال «لقد نفذوا المهمة وذهبوا الآن».
والآن، مجدداً، وفي ضوء تسارع الأحداث والتطورات في سوريا، وظهور مؤشرات على نوايا أمريكية لمزيد من التورط المباشر في الحرب في سوريا، وسيعود السؤال مجدداً إلى طهران: ما هي حدود التحالف مع روسيا، وهل يمكن أن يتحول «التعاون الانتقائي» مع موسكو إلى تحالف استراتيجي، أو حتى إلى«تحالف انتقائي»؟ هذا هو التحدي.

د.محمد السعيد إدريس

صحيفة الخليج