ماذا بعد هزيمة داعش بالعراق؟

ماذا بعد هزيمة داعش بالعراق؟

yyyy1_832438

قال “صلاح الطه” أحد شيوخ السنية البارزين إن زوال الدولة الإسلامية المتمثلة في “داعش” يمكنها أن تمهد الطريق للمصالحة بين السنة والشيعة، مضيفًا أنه عند عودته لمنزله في منطقة سامراء بالعراق أوقفه أحد جنود الشيعه قائلاً له: “شعبكم فجر لنا الأضرحة”، وأمره بالترجل من السيارة تاركًا إياه عدة ساعات في الشمس بانتظار القائد الخاص به، موضحًا أن سامراء – وهي تقع شمال بغداد – لم تعد وطنه، حيث أن ميليشيات الشيعة استحوذوا عليها وطاردوا أهلها من السنة للخارج.

وقال تقرير نشره موقع “ايكونوميست” إن منطقة السامراء في الماضي كانت مدينة بسيطة تجمع بين السنة والشيعة قبل انقسامها، حيث يقبع جزء من النازحين السنة في مدينة تحيط بمنطقة تديرها ميليشيات الشيعة، ومحورها قبة مطلية بالذهب لأحد أضرحة أئمة الشيعة، والتي فجرها الجهاديون في عام 2006 وتم استعادتها وطلائها مرة آخرى بالذهب، ولا يزال القليل من السنة الذين يعبرون عتبة هذا الضريح يصلون أمامه، أما الباقي من السنة والذين كانوا يخدمون هذه الأضرحة طردوا، وقال أحد أعضاء المجلس المحلي السني إنهم يريدون الحرية من الغزو العسكري.

ويحتفل الحجاج الشيعة بحريتهم من 1400 عام من القمع من أهالي السنة والقتل الوحشي للأئمة، ولا يزال أهل السنة يتسلقون الملوية وهي مئذنة تم بناؤها في عهد الخلفاء العباسيين في العاصمة منذ 1200 عام، عندما حكموا العالم الإسلامي، وهذه المئذنة تم وضع العلم الشيعي عليها.

وخلال القرن الماضي، فقد السنة معظم عواصمهم التي حكمها الخلفاء عندما كانوا يملكون إمبراطورية عظمى، حيث أخذت القوى الاستعمارية المنطقة من رام الله في فلسطين إلى بغداد بالعراق، وتم تقسيمها للمناطق التالية “إسرائيل، ولبنان، وسوريا، والعراق، والأردن”، وفقدت السنة الحكم على هذه المناطق، وعلى الرغم من أن أغلب المسلمين على مذهب السنة، ولكنهم يعيشون في مناطق متفرقة كتابعين؛ حيث أن من ضمن 26 مليون مسلم لاجىء ونازح يشكل السُنة أكثر من 85% من هذا العدد.

ويعتبر الوضع في العراق أصعب، حيث أنه منذ القرن السادس عشر أخذ السنة العراق كحصن ضد شيعة إيران، ولكن الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 قلب الوضع لصالح الشيعة، حيث أنه من أجل القضاء على طغيان صدام حسين تم استبدال قادة الجيش والضباط السنة بغيرهم من الشيعة، وتم اجتثاث حزب البعث الحاكم من الحكومة.

وكانت العشر سنوات الماضية صعبة، حيث أنه لمحاربة الإرهاب، تم مطاردة ملاك الأراضي من أهل السنة خارج أرضهم من قبل حرس الأكراد والشيعة، وتم وضع السنة تحت حصار الشيعة وفي بعض المناطق تم حظر عودة عدد كبير من أهل السنة، وقال أحد ضباط المخابرات الكردية إنهم أخرجوا العرب من أراضيهم وقراهم عن طريق اتهامهم بأنهم ينتمون لداعش ويعيشون الآن في مخيمات، وبعض الأرقام غير المؤكدة قالت إنه من عدد 7 مليون من العراق السنية هناك حوالي 2 مليون ونصف نازحين يقبع معظمهم في كردستان، حيث يجب عليهم تجديد إقامتهم كل أربعة أشهر، وهناك حوالي مليون ونصف تركوا العراق.

وقال سليم جابوري رئيس مجلس النواب العراقي، إنه لا يستطيع العودة لوطنه حيث أن ميليشيات الشيعة أصبحوا يحكمون بلدته بولاية ديالي، ولا يرغبون في إعطائه إقامة، وتحول المسجد السني المحلي إلى شيعي.

ولا يعتبر نزوح السكان أمرًا جديدًا، حيث أن صدام حسين عندما كان يشغل منصب رئيس الجمهورية تسبب في نزوح الشيعة والأكراد، والآن بعد أن نزح أهل السنة وجدوا الصعوبة في تحمل الظروف، وتم نفي الفريق رائد حمداني آخر قائد لقوات الحرس الجمهوري الخاص بصدام حسين، إلى العاصمة الأردنيه عمان؛ حيث قام بنشر مذكراته تحت عنوان ” قبل أن ينسانا التاريخ”.

ويقضي المحاضرون من مدينة أنبار وقتهم في كافيهات أربيل، ساردين المذابح التي تعرض لها أقاربهم من قبل ميليشيات الشيعة بعد إحكام سيطرتهم عليها وأخذها من داعش، ويقول أحد السياسيين السنة إن أمريكا تبنت الأكراد والعراق تبنت الشيعة، أما السنة فإنهم مثل أيتام العراق.

وعادة جاء رد السُنة بالعنف، حيث قال ابن خلدون المؤرخ الإسلامي من خلال كتابه “المقدمة”، إن القوة هي من ضمن أربع وسائل مشروعة لاستعادة السلطة، وفي أشكال متعددة من “القاعدة وحتى داعش”؛ فإن المسلمين السنة حاربوا لاستعادة العراق مرة أخرى، وفي الخارج نال أبو بكر البغدادي الملقب بالخليفة الإسلامي دعم سني واسع لاستعادة الأراضي التي طردهم الشيعة والأكراد منها، وتجنبت داعش بشكل كبير القتال على أراضي الشيعة.

وتم تحديد الموصل كمقر للخلافة الإسلامية الحديثة يمكن من خلالها استعادة أهل السنة للخلافة العظيمة، كما قال محمد رشيد رضا المصلح الإسلامي في أوائل القرن العشرين.

وجاء حكم الجهاديين كصحوة عنيفة، حيث قال أحد السُنة الذين تم نفيهم من الموصل إنهم اكتشفوا أن أهل السنة كانوا أول ضحايا هذه الخلافة، ولكن كان هذا الاكتشاف متأخرًا، حيث أنه خلال سنتين تم إجبار الأطفال على حضور إعدامات علنية وعلموهم العد عن طريق تعداد عدد القتلي على أيدي الانتحاريين، وتم غلق الجامعات وتدمير قاعدة الصناعات ودمرت المدن على طريق قصف قوات التحالف، ولكن إذا فقدت داعش الموصل التي تعد أكبر حصونها إلى أين سيفر أهل السنة الغاضبين؟

وبدأت داعش في التحضير تحسبًا لسقوط الموصل عن طريق تعيين البغدادي للخلافة، بالاعتماد على الاستثمارات المالية والخبرات والخلايا النائمة فإن الموالين بدأوا في التحدث على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن إعادة استراتيجية القاعدة بنشر الفوضى والوحشية.

وتحدث بعض الجهاديين عن العودة لعضوية تنظيم القاعدة أو فروعها الموجودة بسوريا، والتي تم تطويرها إلى مجموعات أقل وحشية، وما يدعو للتفاؤل أن عددًا كبيرًا الآن أصبح يشكك في جدوى الجهاد، حيث أن المشاريع الإسلامية لكسب الأراضي التي تنتمى للسنة بمزيد من العنف انتهت دومًا بالفشل.

وفقدت خطط العودة إغراءها بالنسبة للعديد من القبائل السنية والشخصيات الدينية، وقال أحد ضباط المخابرات الكردية إن هذه الجماعات توقعوا أنهم يمكنهم السيطرة على إيران، مؤكدًا أن السُنة نازحون في العالم كله.

وتم تكوين الميليشيات في الماضي بسبب المظالم التي تعرضوا لها، وهذه المرة توقف أهل السنة لإعادة التفكير، وقال جابوري إن السُنة تعلموا بالطريقة الصعبة تكلفة الوحشية، والتغييرات الأخيرة داخل العراق شجعت على التساؤلات حول إمكانية التعايش، ومازال البعض يرى أن النظام فاسد يصعب إصلاحه ولكن القليل لازالوا يستمعون.

ويبدو أن حيدر العبادي رئيس وزراء العراق، أكثر إنصافًا من سالفيه؛ حيث أنه وعد بكبح الميليشيات الشيعية، وأدرك زعماء الشيعة خطر ترك الأوضاع التي تخرج الجهاديون دون علاجها، وقد أبدى البرلمان البغدادي استعداده للتفكير مرة أخرى بشأن حزب البعث، وقال أحد الشيوخ الذي ادعى أنه يمثل حوالي 70000 من الأشخاص الذين تم نفيهم لعمان، إنه إذا توقف عقاب حزب البعث كما فعل الأكراد في الشمال فإن الغالبية ستعود.

وقامت المجتمعات السنية بتقديم مقترحات تدور أغلبها حول التنازل والحكم الذاتي، وهو ما سيتيح ملاذًا لملايين من النازحين السنة، وقال على سمير أحد شيوخ قبيلة محمد بالفلوجة، إنهم كانوا دومًا أكثر أشخاص تحمسًا لعودة العراق المتحدة، والآن كل ما يريدوه هو الإقليم الخاص بهم، ويبدو أن انتقاله لأربيل عاصمة إقليم كردستان قد أعطى له قدوة، ويبدو أيضًا أن مسؤولين أكراد متلهفون لكسب دعم من أجل إقامة الولايات المتحدة العراقية، متحدثين عن مزايا ولاية سنية ترتبط بالمملكة العربية السعودية والأردن.

وشجب القوميون إقامة هذه الولايات، واصفين إياها بمنحدر للتقسيم وطريق لوجود الحروب بين السنة والشيعة، بينما رأى نقاد آخرون استحالة تحقيقها من الناحية الاقتصادية، ولعل حالة الإفلاس التي تعرضت لها كردستان توضح صعوبة تعايش الولايات الصغيرة حتى مع وجود النفط، ولكن الأهم هو افتقار الجماعات السنية لأي شكل من أشكال القيادة الجماعية، حيث قال أحد قادة جماعة من أنبار إنه إذا وضعت الموصل وتكريت والفلوجة معًا فإنهم يتصارعون دومًا للتفوق، ولكن النموذج السياسي الأكثر شعبية حاليًا هو إعطاء المزيد من السلطة للمحافظات الحالية، ولعل الانتخابات المقبلة في الربيع ستشجع الجماعات السنية للمشاركة في الحياة السياسية.

ويواجه هذا الاتحاد العراقي الكثير من المعوقات، حيث أن في الوقت الذي يوافق فيه السياسيون الشيعة على نقل الخدمات مثل الصحة والكهرباء فإنهم يضعون قيود على الموافقة على وجود قوات حراسة لحكام الأقاليم، والذين قد يهددون وجود الميليشيات، حيث قال أحد قادة الميليشيات إن هذا قد يؤدي لوجود حرب أهلية طائفية أخرى والتي ستؤدي بدورها لسقوط العراق مرة أخرى، ولكن قوات التحالف تدرب حوالي 900 ضابط كل ثلاثة أشهر بمساعدة قوات الدرك الإيطالية، حيث أنه بعد عودة قوات الشرطة إلى تكريت فإن حوالي 95% من السكان عادوا مرة أخرى.

ولكن في نهاية المطاف ومن أجل تحقيق ذلك، فإنه يجب على السنة الثقة والموافقة على هذا المقترح، ودعا يحيى القبيسي الذي يدير مركز أبحاث عراقي في عمان، إلى توزيع المناصب العليا كما حدث في لبنان في نهاية الحرب الطائفية الطويلة.

ويجب أيضًا على دول الخليج بقيادة السعودية التعامل مع العراق ومعاملتها كدولة عربية وليست تابعة للعراق، ودعم إعادة إعمار المحافظات السنية المحطمة، وقال أحد شيوخ الفلوجة إن الغرب سلموا العراق لإيران، موضحًا أنهم يريدون من الدول التي سببت هذه المأساة، ومنهم أمريكا والعراق، العودة وحماية أنبار من تحولها لجسر إيراني، مؤكدًا رغبتهم في وجود إقليم تحت حماية الولايات المتحدة.

محاولات المصالحة صعبة، ولكن على الأقل فإن الطوائف تتحدث مجددًا؛ حيث قال أحد السنة من برلمان الموصل إنه في الماضي كانت كل طائفة تجلس بمفردها في البرلمان، ولكن الآن يحدث نقاشات بينهم، ويعتمد إنهاء الانشقاق على دول خارجية مثل السعودية وإيران، ولكن إعادة مكانة السنة بعد التخلص من الدولة الإسلامية هو أمر ضروري لتقليل حالة الاحتقان.

التقرير