عذابات حلب

عذابات حلب

0bf1c653-45c0-4d01-b48a-94d972bd724e_16x9_600x338-590x331

في الأسبوع قبل الماضي، واجه شرق حلب -المنطقة التي يسيطر عليها الثوار وموطن أكثر من 250.000 شخص- إعصارا من القنابل والشظايا. وتقول جماعات الثوار أن نظام الأسد ينتهج هناك “سياسة أرض محروقة لتدمير المدينة واقتلاع سكانها”. ويحاول الأسد استعادة السيطرة الكاملة على القسم الغربي من البلاد، حيث يعيش نحو 70 % من السوريين. ويقدم له حلفاؤه الروس المساعدة باستخدام نفس التكتيكات وبعض الأسلحة التي كانت قد حولت العاصمة الشيشانية، غروزني، إلى ركام مشتعل في العام 1999.
منذ انهيار وقف إطلاق النار قصير الأجل الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا، ضربت مئات الغارات الجوية والقذائف الجزء الشرقي من مدينة حلب. وقد أحصى الناشطون نحو 250 غارة جوية منفصلة في يوم واحد في الأسبوع الماضي، بينما يسعى النظام إلى الاستيلاء على آخر معقل حضري كبير للمعارضة. ويوم 27 أيلول (سبتمبر)، شن النظام –بدعم من الميليشات الشيعية من العراق ولبنان وإيران- هجوما بريا استهدف مواقع الثوار في جميع أنحاء المدينة المقسمة.
يقول واحد من عدد قليل من أطباء الأطفال المتبقين في شرق حلب، والذي يسمي نفسه الدكتور حاتم: “الوضع خانق. العديد من الأطفال ماتوا. وهناك نقص في الكادر الطبي والغذاء والوقود. كل شيء مريع الآن. يبدو الأمر كما لو أنهم يريدون مسح أكثر من 250.000 إنسان عن وجه الأرض”. وتقول مجموعة الدفاع المدني المكونة من المتطوعين “الخوذات البيضاء” أن 450 شخصاً قتلوا و1.600 جرحوا منذ بدء القتال مرة أخرى. وتقول مؤسسة “أنقذوا الأطفال” الخيرية أن نصف الضحايا في المرافق الطبية التي تدعمها في شرق المدينة كانوا من الأطفال.
بالإضافة إلى المذبحة، تستخدم روسيا أسلحة أكثر تطوراً، من بينها TOS-1A، وهي قاذفات لهب عملاقة يمكن أن تطلق صواريخ حرارية تمتص الأكسجين من الجو وتصنع موجات انفجارات ضخمة. و BETAB-500، وهي قنبلة عملاقة تخترق البنايات قبل أن تنفجر؛ وRBK-500، وهي ذخيرة عنقودية حارقة.
عندما يكون هناك وقف قصير للقصف، يخرج الناس من منازلهم وملاجئهم للبحث عن الطعام والدواء، لكن هناك القليل مما تبقى في الاسواق، بينما حلقت أسعار اللحوم إلى عنان السماء. وهم يعرفون أن لديهم بضع ساعات فقط قبل أن يُستأنف القصف. ويقول أحد سكان حلب: “كل يوم عندما أغادر منزلي للبحث عن المؤن، أقول لنفسي أن هذه ستكون آخر مرة أرى فيها عائلتي. هذا أسوأ قصف شهدناه منذ بداية الحرب. تجعل الأسلحة الجديدة الأرض تهتز تحت أقدامنا. ويبدو الأمر أشبه بيوم القيامة”. ويبقى الكثيرون محتمين من القنابل داخل أقبيتهم أو في ملاجئ بدائية تحت الأرض.
يوم 25 أيلول (سبتمبر)، قالت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، سمانثا باور، لمجلس الأمن: “ما تقوم روسيا برعايته وفعله الآن ليس مكافحة للإرهاب، إنه بربرية. بدلاً من السعي إلى تحقيق السلام، تقوم روسيا والأسد بشن الحرب. وبدلاً من المساعدة في إيصال المساعدات للمدنيين، تقوم روسيا والأسد بقصف قوافل الإغاثة الإنسانية، والمستشفيات والمستجيبين الأوائل الذين يحاولون يائسين إبقاء الناس على قيد الحياة”. وقال المبعوث البريطاني، ماثيو رايكروفت، أن روسيا كانت “تشارك النظام السوري في ارتكاب جرائم حرب”.
طوال أشهر، شدد النظام ببطء قبضته على شرق حلب. وقد أصبح الطعام نادراً جداً هناك حتى أن الكثير من الناس يعيشون على وجبة أرز واحدة كل يوم. وتصبح الإمدادات الطبية شحيحة بشكل خطير بينما تزدحم المستشفيات بالجرحى. وتقول منظمة الصحة العالمية أن هناك 35 طبيباً فقط ظلوا في المدينة، وأن كافة المرافق الطبية الخمسة والعشرين التي ما تزال قائمة هي على حافة الدمار الكامل. ولا تصل أي مساعدات إلى داخل حلب على الإطلاق.
أي مستنقع؟
في السنة التي انقضت منذ جاءت روسيا لإنقاذ نظام الأسد الوحشي، تحول مسار الحرب الأهلية السورية بشكل جذري. وكان قرار روسيا مدفوعاً بالمخاوف من أن حليفها كان على وشك الإطاحة به. وقال أوباما في ذلك الحين أن روسيا تخطو إلى مستنقع –ربما بإسقاط مخاوفه الخاصة على تلك الخطوة. ويبدو ذلك الآن بعيداً جداً عن الصواب. فبكلفة صغيرة نسبياً –نحو 480 مليون دولار وخسارة 20 جندياً –تبدو روسيا ماضية جيداً على الطريق إلى الحفاظ على النظام وجعل نفسها حكماً في أي تسوية لاحقة.
بعد أن أصبح أكثر أمناً من أي وقت منذ العام 2011، أصبح الأسد واثقاً من أن تحقيق انتصار يجعله مسيطراً على معظم غرب سورية قد أصبح في المتناول. وبينما يهنئ أوباما نفسه على حكمته بعدم التدخل في الحرب الأهلية بقوة أكبر، يحسب النظام وداعموه الإيرانيون والروس أنهم سيتمتعون بمطلق الحرية على مدى الأشهر الخمسة أو الستة القادمة لفرض السيطرة على معظم المناطق قبل أن يستطيع رئيس جديد إعادة صياغة السياسة الأميركية، إذا أراد هو/ أو هي القيام بذلك من الأساس. وقد لخص أوباما موضوع سورية في جملتين فقط في خطابه الوداعي في الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي.
على هذه الخلفية جاهد وزير الخارجية، جون كيري، لأشهر من أجل ترتيب الاتفاق الحالي على وقف مؤقت للأعمال العدائية، والذي انهار بمجرد أن بدأ. وكان هذا الاتفاق منذوراً للفشل منذ البداية. فلدى روسيا والولايات المتحدة أهداف مختلفة كليا في سورية. وفي حين يريد بوتين أن يكون الأسد جزءاً من أي ترتيبات سياسية انتقالية، ينظر إليه باراك أوباما على أنه العقبة الرئيسية.
لقد تحطم حتى الأمل بأن تستطيع الدولتان العثور على أرضية مشتركة لمحاربة المجموعتين الإرهابيتين –”داعش” وتابع القاعدة الذي غير اسمه مؤخراً “جبهة فتح الشام”. ويعتبر الروس أي جماعات ثوار تحارب إلى جانب “جبهة فتح الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً)، بما فيها تلك التي تدعمها الولايات المتحدة، هدفاً مشروعاً. وكان الهدف الرئيس من تكتيك “جبهة فتح الإسلام” القائم على النأي بنفسها عن القاعدة هو تطمين الجماعات الأخرى الأقل تطرفاً إلى أنها تشاركهم طموحاتهم الوطنية وليس لديها أجندة جهادية أوسع. ويبدو أن هذا التكتيك يعمل. ففي حلب، دفع الشعور بعدم عناية الغرب وتخليه عنها جماعات الثوار الأكثر اعتدالا إلى أحضان “جبهة فتح الشام”.
الشتاء بات على الأبواب
يصف فريد هوف، المستشار السابق للشأن السوري في وزارة الخارجية، جهود كيري بأنها “الدبلوماسية الحزينة التي لا طائل تحتها لليأس والتفكير المتمني”. ويرى مايكل أوهانلان، من معهد بروكينغز، أملاً ضئيلاً في تخفيف حدة القتال لأن حلب مهمة جداً لكلا الجانبين. ويقول أنه مع قدوم الشتاء واستمرار الحصار، فإن برنامجاً كبيراً لإسقاط المساعدات من الجو سيكون الطريقة الوحيدة لإبقاء سكان المدينة على قيد الحياة. وسوف يتطلب ذلك تنسيقاً مع الروس والنظام، لكنهما يجب أن يعرفا أن فرص تهريب الأسلحة ستكون أقل بكثير من تهريبها مع المساعدات القادمة عن طريق البر.
على الرغم من ضراوة القصف الذي شهدته الأيام القليلة الماضية، وبدء هجوم بري جديد، سوف يعاني النظام وحلفاؤه في سبيل استعادة المناطق، إلا إذا تمكنوا من ترويع السكان ودفعهم إلى النزوح الجماعي. ولا يحدث هذا حتى الآن. ومع وجود نحو 25.000 جندي فقط قيد الخدمة، فإن النظام يفتقر إلى الأعداد اللازمة لاحتلال شرق حلب ومواصلة الحملة ضد جماعات الثوار في محافظة إدلب المجاورة معاً.
من جانبهم، ما يزال الثوار يواصلون التحدي. ويقول ياسر اليوسف، الضابط السياسي في مجموعة “نور الدين زنكي”، أكبر وحدات الثوار في شرق حلب: “هذا قتال من أجل وجودنا. خطوطنا الأمامية جاهزة تماماً. سيكون على الأسد أن يحول حلب إلى تراب لكي يفوز. نحن لا نملك خياراً سوى المقاومة”. ويزعم أن هناك “عشرات الآلاف من المقاتلين في حلب”. وعلى الرغم من أن القليل من الإمدادات العسكرية تمر الآن، فإن بعض التقارير تقول أن السعوديين والقطريين يستعدون لإرسال المزيد من الأسلحة الثقيلة إلى المُدافعين، بما فيها صواريخ مضادة للطائرات من التي تُطلق من على الكتف.
سوف تكون أولوية خليفة أوباما هي العثور على سياسة تزود الولايات المتحدة ببعض النفوذ على ما يحدث في نهاية اللعبة السورية على الأقل، بدلاً من منح روسيا حرية مطلقة. ويقول أوهانلون أن الرغبة في استخدام بعض القوة ستكون ضرورية، سواء من خلال القوة الجوية أو إرسال بعض القوات البرية الإضافية. وهو يدافع عن فكرة تأسيس عدد من المناطق المحمية -“بقع الحبر”- التي يمكن أن تصبح مناطق مستقلة في سورية أكثر كونفدرالية. ولتحقيق هذه الغاية، يقترح توجيه ضربات انتقامية ضد الطائرات السورية ووحدات المدفعية التي تهاجم المدنيين. ويعتقد أنه سيكون من السهل نسبياً إسقاط الطائرات السورية بمجرد هبوطها، ويعتقد أن استخدام نهج “دقيق جداً، وانتقائي جداً” سوف يتجنب إصابة الطائرات الروسية، لكنه سوف “يجعلهم يعرفون أنك جاد”. وسوف تكون هناك بعض المخاطرة، كما يعترف. لكن المخاوف من أن يبدأ ذلك حرباً مع الروس ربما تكون بعيدة كثيراً عن الدقة.

ترجمة:علاء الدين أبو زينة

صحيفة الغد