تغيير الخرائط.. هل هو الحل؟

تغيير الخرائط.. هل هو الحل؟

90309-imgcache

لا أحد من عربنا، يبشرنا، بأن متاهتنا قابلة للحل والتجاوز، وأننا ننوي استعادة زمام أزماتنا ونزاعاتنا، قبل المزيد من الاهتراء العربي، وقبل الطوفان
هناك من يفكر نيابة عنا كعرب، تماماً كما حدث قبل مئة عام، عندما رسم غيرنا، تضاريسنا السياسية.
غرف عمليات استشراقية، موجودة في أكثر من مكان، لها سماسرتها ومحترفوها، تجري فيها حوارات ومناقشات. وترسم سيناريوهات، لا تقع في فضاء توقعاتنا.
هي ليست ثرثرة إعلامية، أو دردشة في مقهى، كما أنها ليست لترداد الصوت، ولا أحد يقول فيها، إن وقت المتحدث قد انتهى، إذا لم يردد الصدى، أو إذا سمع ما لا يروق للمجتمعين.
قرأت أن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أعلن قبل أيام، تأييده لفكرة «فدرلة» سوريا!!، ولعل ذلك، هو أول الغيث.
وقال لي صديق، يرأس مركزاً خليجياً للأبحاث، إنه شارك في «خلوة» ورشة تفكر، نظمتها جهة سويسرية، وشارك فيها باحثون استراتيجيون من فرنسا وبريطانيا وإيران وأمريكا وتركيا، وكان موضوعها يدور حول تعديل الخرائط العربية، وفقاً للطائفة والمذهب والعرق، وقال لي: «ناقشنا سيناريوهات «الفدرلة» والكونفدرالية، على مدى يومين في منتجع سويسري، وأضاف، «فوجئت أن المشاركين لهم مواقع – خفية – حساسة في دولهم».
تذكرت أدواراً لأكاديميين وباحثين من النرويج و«إسرائيل»، وهم يتفاوضون سراً في أوسلو على مدى سنتين، في مطلع التسعينات، مع ممثلين لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبمعرفة أمريكية ومصرية.. للوصول إلى «اتفاقيات أوسلو».
تذكرت في هذا المجال، مؤسسة الأبحاث النرويجية (فافو) التابعة لحزب العمال النرويجي، التي رعت هذه اللقاءات السرية، ومعها قنوات سرية أخرى ضمت أكاديميين من جامعة «تل أبيب». من أمثال (رون بونداك) و(يائير هيرشفيلد).
قال صديقي هامساً، «تتصاعد الدعوات لمعالجة الحدود الداخلية المتنازع عليها داخل الدولة الوطنية، من خلال تغيير الخرائط».وتساءلت مستنكراً، هل ستسهم الخرائط الجديدة، في استقرار السلام، أم أنها ستكرس العنف والاقتتال الأهلي والكراهية؟
إذن، هم يُحضِّرون لزمن التسويات الكبرى، زمن تعديل الخرائط، والتي تحتاج إلى حاضنات دولية وإقليمية، وأكلاف سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة، ويطلبون منا كعرب، التكيّف مع هذه الأفكار!! التي تتمحور حول فصل جماعات إثنية أو مذهبية عن غيرها من الجماعات المغايرة، وضم أراضٍ وعزل أخرى، وبناء جُدر أسمنتية بينها.. وفي المحصلة. تذرر العالم العربي، إلى دويلات وأقاليم.. قد يصل عددها إلى أكثر من ستين «قطعة» – إقليم.
أحداث كثيرة وقعت، خارج نطاق ما يمكن التنبؤ به، في عالمنا العربي، وفي دول أخرى.
نتذكر الاتحاد السوفييتي، ويوغسلافيا، والخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.. وغيرها.
ونتذكر المقولة الشهيرة: «إن رفيف جناح فراشة، في بروكسل، قد يؤدي إلى زلزال عنيف في اليابان، في غضون بضع سنين» إن هذه الخفقة لجناح الفراشة في عالمنا العربي كانت مجسدة في إحراق البوعزيزي نفسه، وأدت لحدوث زلازل سياسية في تونس، وما بعد تونس.. سموها «الربيع العربي».. والذي ما زالت أمتنا تدفع أثمانه وآثامه.
أين نحن الآن، من تحديات هذا الاضطراب الكبير، والفوضى الصاخبة في كافة الميادين السياسية والأمنية والاجتماعية، والتي أدت إلى زعزعة أسس المجتمعات العربية. وهددت وجودها ذاته.. وانهارت أو فشلت دول ومراكز حضارية؟
هل صارت الجغرافيا، مصدراً جديداً للأزمات، بعد أن كانت مهداً لحضارات إنسانية وأديان سماوية. ولملل وأقوام. أنتجت حضارة إسلامية عربية. تفاعلت بندية وانفتاح مع حضارات أخرى، وهضمت واستوعبت وأضافت وجددت؟
كيف «ماتت السياسة» في مجتمعاتنا، وانفلتت الهويات الفرعية، وصار بعضنا يسعى إلى «التقسيم»، وآخرون يفكرون وينظِّرون ويعيدون رسم الخرائط، على أسس كونفدرالية أو فيدرالية، بأبعاد عرقية ومذهبية وجهوية.. إلخ؟
هناك من يُمسك بعنق المنطقة العربية، وهناك سيوف اضطرابية على تخوم الجغرافيا العربية، وفي قلبها أيضاً، وهناك من يكتفي بإدارة أزمات المنطقة. وهناك في عالمنا العربي، محنة تاريخية ووجودية، ومتاهة مذاهب وأشتات أقوام يتمزق فيها النسيج الوطني الداخلي، وتُلغى الهوية الوطنية الجامعة، ويعاد من أجلها رسم الخرائط والتضاريس في القادم من السنين.
لكن لا أحد من عربنا، يبشرنا، بأن متاهتنا قابلة للحل والتجاوز، وأننا ننوي استعادة زمام أزماتنا ونزاعاتنا، قبل المزيد من الاهتراء العربي، وقبل الطوفان.
لا أحد من نُخبنا في النظام العربي، يُذكِّرنا بأن المخاوف كاسحة وحقيقية، وبخاصة حينما ننظر للتحولات الجارية في العالم، وها هو أمامنا المشروع الأوروبي الاندماجي، بعد أن كان نموذجاً للبناء والتقدم والازدهار، صار اليوم يقف أمام إمكانية التفكك، بعد ستين عاماً من عمر الاتحاد الأوروبي، ويواجه تحديات خطيرة، وتصدعات، عناوينها كثيرة، وعلى رأسها صعود تيارات وأحزاب قومية متطرفة، وهجرات سكانية غير شرعية، وتمرد شعبي ضد العولمة، وموجات الإرهاب العابر للحدود، وجمود النظم وضعف قدراتها وديناميتها على معالجة الأزمات..
ومن المؤكد، أننا كعرب، فوَّتنا القراءة الاستراتيجية لمقتضيات الواقع العالمي المعاصر ومتغيراته، وما يفرضه هذا الواقع من توازنات وحسابات ومعادلات.
أخشى أن تطول وتتعمق المتاهة العربية، إذا لم نجد باباً نفتحه على الفرج والإنقاذ، باباً عربياً، يستشعر الخطر، ويعيد الاعتبار إلى مسألة الهوية العربية، وإلى الأسئلة التأسيسية الأولى، ويُغلق «أبواباً» يجري تصنيعها في مختبرات ومراكز أبحاث دولية وإقليمية، لا تقود إلا إلى صندوق (باندورا)، المفتوح على مصراعيه..
تذكرت قولاً، من التاريخ: ومَنْ رعى غنماً في أرضِ مسبعةٍ/‏ ونامَ عنها، تولَّى رعْيَها الأسَدُ.

د.يوسف الحسن
صحيفة الخليج