عن معنى الصمت الايراني ازاء مشاركة تركيا في معركة الموصل

عن معنى الصمت الايراني ازاء مشاركة تركيا في معركة الموصل

%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b5%d9%84-%d9%80-%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86-%d9%80-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d9%82-%d9%80-%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a7

في ظل الاستعدادات لإطلاق عملية استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش وفي ظل تضارب المصالح المحلية والإقليمة بشأنها، ولأن معركة الموصل تشكل لها أهمية لتركيا على مستوى سياساتها الداخلية والخارجية وافق المجلس الوطني التركي”البرلمان” بغالبية كبيرة لتمديد مهمة الجيش التركي لمواصلة عملياته العسكرية خارج الحدود في العراق وسوريا، لعام إضافي. وبهذا التمديد يستطيع الجيش التركي التحرك والقيام بكافة العمليات العسكرية، حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017، خارج حدود بلاده، وخاصةً في العراق وسوريا. وفي هذا السياق أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ان قوات بلاده سيكون لها دور في عملية استعادة مدينة الموصل التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش، مشيراً الى أن لا يمكن لأي جهة منع ذلك. وأضاف الرئيس التركي في افتتاح الدورة التشريعية للعام الحالي، “سنبذل قصارى جهودنا في عملية تحرير الموصل ويجب أن نكون على طاولة الحل ولا يجب أن نكتفي بالمراقبة ولن نسمح للميليشيات الشيعية وحزب العمال الكوردستاني بالمشاركة في العملية وسنقوم بكل ما يجب لمنع هذه اللعبة”. وتابع بالقول “برأينا فإن القوات المحلية والعربية والتركمانية قادرة على تحرير المدينة”. ودعا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إلى أن يبقى في مدينة الموصل، شمالي العراق، أهاليها فقط الذين يتكونون من السنة باختلاف عرقياتهم العربية والكوردية والتركمانية. وطالب علي يلدريم رئيس الوزراء التركي على ضرورة عدة العبث بالنية الديموغرافية لمدينة الموصل بعد تحريرها من تنظيم داعش.

عراقياً، رفضت المؤسسات الدستورية العراقية قرار مجلس النواب التركي ورتصريحات الرئيس أردوغان بشأن المشاركة في معركة الموصل، فمن جانبه رفض مجلس النواب العراقي-قبل عدة أيام- بالإجماع وجود القوات التركية في شمالي العراق، واعتبرها قوات محتلة ومعادية، ودعا إلى قطع العلاقات الاقتصادية مع أنقرة؛ ومن جانبه قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إنه لن يسمح للقوات التركية بالمشاركة في معركة استعادة الموصل من تنظيم داعش، وأعرب العبادي في مؤتمر صحفي بمدينة كربلاء”جنوب بغداد” الأحد الماضي عن استغرابه من إصرار تركيا على وجود قواتها على الأراضي العراقية، مشيرا إلى أنها لم تشترك في التخطيط والإعداد للمعركة، ووجود قواتها يعرقل الحرب ضد تنظيم الدولة.وأكد العبادي أن هدف القيادة التركية مرتبط بمشروع داخلي الغرض منه إشغال الجيش التركي بمعارك خارج حدود بلاده. وشدد على أن معركة استعادة الموصل لن تشارك فيها قوات أجنبية، وسيقتصر دور التحالف الدولي على التدريب وتقديم المشورة والدعم اللوجستي وتوفير الغطاء الجوي للقوات العراقية، وجدد التمسك بمشاركة الحشد الشعبي في المعركة. والسؤال الذي يطرح في هذا الاطار هل تمتلك الحكومة العراقية من عناصر القوة المادية التي بوسعها على اجبار تركيا عن العدول بالمشاركة في معركة الموصل؟

 هذا الموقف من المؤسسات الدستورية العراقية قد يعد أمراً مبرراً، و الذي ينسجم تماماً مع مصالح النظام الإيراني الذي يرفض أي تنافس إقليمي على نفوذه في العراق وخاصة من تركيا. كما قوبل أيضاً تفويض التدخل العسكري التركي في العراق وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حيال التدخل التركي في الموصل برفض شديد من قبل بعض القوى السياسية العراقية والمراجع الدينية، فعلى المستوى الأول دعت النائبة احلام الحسيني مقررة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي، اليوم الأحد الماضي، مجلس النواب العراقي الى الرد على البرلمان التركي الذي اعطى تفويضاً جديداً لجيشه بالتواجد على الاراضي العراقية، التي عدته تدخلاً سافراً في الشأن العراقي، وعدم احترام للسيادة الوطنية. وأضافت الحسيني أن “هذا التفويض هو  احتلال للاراضي العراقية” كما طالبت مجلس الأمن بإصدار قرار يدين الوجود التركي بالعراق. من جانبها عدّت النائب عن ائتلاف دولة القانون ، فردوس العوادي تصويتَ البرلمان التركي، على بقاءِ القوات التركية في العراق وسوريا، قبيل معركة الموصل، عدمَ احترام ٍ للطلبِ العراقي، بخروج هذه القوات من الاراضي العراقية. وقالت العوادي اِن هذا القرار، “هو بمثابة ِاعلان ِمواجهةٍ مع القوات الامنية والحشد الشعبي ، التي من المؤكد اَنها سوفَ تتعامل مع هذه القوات، بنفس المعاملة، التي تُعامِل بها تنظيم داعش الارهابي” ودعت العوادي الحكومة المركزية، الى “الوقوف بحزم، تجاه الاطماع اِلتركية، سواءٌ سياسية او اقتصادية”.

أما عن رفض المراجع الدينية للتدخل التركي في معركة الموصل، فقد أفتى المرجع الديني قاسم الطائي، بضرورة قتال القوات التركية الموجودة في بعشيقة بمحافظة نينوى، واكد ان القتال ضد تلك القوات واجب شرعي واخلاقي. وقال الطائي في بيان له الاحد الماضي، “يجب قتال القوات التركية الغازية في العراق” على حسب وصفه. واوضح قائلا، ان “مقاومة التواجد التركي في العراق عسكريا، خاصة بعد تصويت البرلمان التركي على تواجد هذه القوات، هو واجب شرعي واخلاقي واجتماعي”. وطالب المرجع الديني، بمقاومة تلك القوات عن طريق مقاطعة الشركات والبضائع التركية.

ولكي يتجنب النظام الايراني أي توتر علني مع تركيا إزاء نيتها في مشاركتها بمعركة الموصل التزم ذلك النظام فضّل عدم التعليق الرسمي عليها، واكتفى بحلفائه العراقيين من الأحزاب والمليشيات للتعبير عن ذلك. لكن إذا جاز لنا القول وافترضنا أن  النظام الايراني ابدى موقفه الرافض للتدخل العسكري التركي في معركة الموصل، مبرراً لرفضه على أنه انتهاكاً لسيادة العراق وتدخلاً في شؤونه الداخلية، وتجاوزاً للقواعد القانونية الدولية المستقرة في القانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة. لكن النظام الايراني ليس بهذه السذاجة -لغاية الآن- كي يبدي هذا الموقف. لأن ممارساته العدائية في المنطقة العربية وفي العراق تحديداً لا يوجد أي منطق إنساني أو أخلاقي يدعم موقفه.

ما يمكن قوله في هذا المقام، أن من يقتل المسلمين في العراق ويقف مؤيدا ومناصراً لسياسات رئيس وزرائه السابق نوري المالكي القائمة على الطائفية المقيتة والتهميش والاستئصال، لمكون رئيسي من أبناء العراق، وهو المكون السُني، فالمالكي هو الذي شرع الباب أمام نفوذ إيراني على أساس طائفي غير مسبوق في العصر الحديث، وبذلك ربط مستقبل العراق بالخضوع للنفوذ الإيراني، وتحويله إلى حديقة خلفية له.  ومن يقف في وجه تطلعات الشعب السوري في الانعتاق من حكم بشار الأسد الشمولي وتأسيس لدولة ديمقراطية، ويعمل في ذات الوقت على قتله من خلال فرق الموت الميليشاوية التي تم جلبها من إيران كالحرس الثوري الإيراني والباسيج والأفغان الشيعة المقيمين فيها، وانتهاج النظام الايراني سياسة التهجير القسري التي انتهجها بشار الاسد بإخلاء المدن والبلدات والقرى منذ الشهور الأخيرة لعام 2011م استثمارها في الأعوام التالية لإحداث تغيير ديموغرافي مبرمج، خصوصاً في محيط دمشق وفي حمص، وقد ظهرت معالمها أخيراً في حصارات التجويع والقصف الوحشي في الزبداني والقلمون وداريّا وحي الوعر. ولا ترمي هذه السياسة إلا الى جعل أي حل سياسي مستحيلاً لاستحالة عودة النازحين واستعادتهم بيوتهم وأملاكهم أو الذين أحرقت محالهم التجارية وأُزيلت عقاراتهم، أو حتى عودة «الغائبين» الذين صودرت أملاكهم باعتبارهم «إرهابيين» (تطبيقاً للسيناريو الإسرائيلي بالتصرف بأملاك الفلسطينيين).

ومن العراق كعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله ومن لبنان حزب الله- الذي أعلن زعيمه أن طريق فلسطين يمر عبر مدينة الزبداني السورية- وباكستان لواء الزينبيون وأفغانستان لواء الفاطميون وحتى من أوكرانيا وكوريا الشمالية، ومن ساعد الحوثيون على الانقلاب العسكري في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، ضد حكم الرئيس عبدربه منصور هادي، وأدخل اليمن في أتون حرباً أهلية لولا تدخل المملكة العربية العربية السعودية في الوقت المناسب من خلال عاصفة الحزم لإعادة الأمور إلى نصابها السابق على الانقلاب.

ومن يعمل أيضاً على زعزعة استقرار دولة لبنان عبر وكيله هناك حزب الله، ومن يساهم ببث سمومه الطائفية في الخليج العربي وتحديدا في دولة البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية ويعمل بلا كلل أو ملل على زعزعة استقرارهم، ومن يدرب الخلايا النائمة من أبناء العرب الشيعة المغرر بهم في صحراء مدينة النجف العراقية؛ ليعودوا إلى أوطانهم كخلايا نائمة، تنتظر لحظة الصفر لتفجير الأوضاع الداخلية فيها وتعد دولة البحرين و الكويت مثالاً بارزا على ذلك. ومن يقوم بإشعال حرباً طائفية في المشرق العربي، ويتباهى أحد رموز نظامه السياسي بالسيطرة على أربع عواصم عربية، وأن العاصمة العراقية بغداد هي مركز حضارة وثقافة الإمبراطورية الفارسية لا يحق له أن ينظر في مجال احترام سيادة الدول. ومساعدة النظام الإيراني إدارة الرئيس الأمريكي  السابق جورج دبليو بوش على احتلال افغانستان والعراق. وفي سياق هذه الممارسات والاعتداءات الايرانية على سيادة الدول العربية فلا معنى لأي تصريح ايراني رسمي يحاول أن يظهر حرصه على احترام سيادة العراق الذي كان -ولا يزال- ينتهكها،  لأنه فاقد لكل قيمة سياسية وأخلاقية وإنسانية. كون النظام الايراني يعد ركن أصيل في أزمات العراق وتعقيدها وليس حلها.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية