واشنطن- طهران.. ومتلازمة استوكهولم

واشنطن- طهران.. ومتلازمة استوكهولم

1280x960

هل واشنطن مصابة بمتلازمة استوكهولم Stockholm Syndrome تجاه طهران؟

كثير من الأحداث تقودنا إلى الاقتناع بأن ذلك كذلك بالفعل، وإن كنا نعرف أن تلك الظاهرة تنسحب على الأفراد، وليس على الدول والكيانات الكبرى، فالفرد في تلك الحالة يتعاطف أو يتعاون مع عدوه، أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، ويظهر له الولاء على عكس ما يقتضي الأمر من رفض للمسيء وعقاب للمخطئ.

لم تتعرض الولايات المتحدة لإذلال بقدر ما تعرضت له من قبل إيران بعد ثورة الخميني، لكن يبدو أن باراك أوباما يصر على ألا يترك البيت الأبيض إلا بعد أن يفتح الباب واسعا للتطبيع مع إيران، ربما ليضع خلفه أمام أمر واقع لا يملك أن يغيره.
بداية المشهد كانت مع الاتفاق النووي الأميركي الإيراني الذي يجمع العالمون ببواطن المشهد السياسي الداخلي في طهران أنه لن يقدر له أن يدوم مفعوله طوال خمسة عشر عاما، فعقلية تسويف الوقت حاكمة في طهران، ومراوغات نظام الملالي مكشوفة للعالم برمته، فيما عدا إدارة أوباما، حتى لو نصبت طهران نظامًا صاروخيًا طويل المدى روسي الصنع (S300)، تسلمته أخيرا للدفاع عن منشآتها النووية في «فوردو» التي يشتبه بأنه كان يجري العمل فيها على تطوير أسلحة نووية.

ما الذي يدفعنا لهذه القراءة في الأوقات الراهنة؟

أمران ولا شك، الأول يتعلق بصفقة الطيران الحديثة بين واشنطن وطهران، والثاني زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني للأمم المتحدة الأيام الماضية، والمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والسبعين.
قبل أن ينصرم سبتمبر (أيلول) الماضي، كانت واشنطن تعطي الضوء الأخضر لبيع طائرات غربية لإيران بشكل مباشر، لتنهي بذلك ما هو أكثر من مجرد أربعة عقود من العقوبات حظرت مثل هذه الصفقة.

صفقة الطائرات سبقتها مبالغ مالية هائلة (1.7 مليار دولار) يتردد أن واشنطن أرسلتها عدا ونقدا إلى إيران لإطلاق سراح أميركيين، وقد برر أوباما ذلك بأنه لا توجد علاقات مصرفية مع إيران، لذلك لم يكن من الممكن إرسال شيك إلى طهران، وهو كلام يجافي وينافي ما حدث عام 2007، عندما سهلت واشنطن حصول كوريا الشمالية علي بعض من أموالها عن طريق بنوك آسيوية، مثل بنك «دلتا آسيا».
هل المشهد يتجاوز صفقة الطائرات بالفعل إلى ما هو أشمل وأعم وربما أعمق؟

على قدر الأهمية التي يوفرها أسطول الطائرات الجديد لإيران التي تهالكت وسائل النقل لديها بعد عقود الحظر والمنع، تبدو الصفقة محاولة تطبيع بين واشنطن وطهران لا شك في ذلك، فالأمر يقتضي أن تقوم شركة «بوينغ» الأميركية بفتح مكتب إداري لها في العاصمة الإيرانية، ما يعني أن أميركيين من إداريين وفنيين وغيرهم يتوجب عليهم الإقامة في إيران من جديد، بعد النزوح الشهير للحضور الأميركي من هناك عام 1979.

أغراض إيران الحقيقية لا توارى، ولا تدارى، والحقيقة أيضًا التي يعرفها الجميع، وتتغاضي عنها إدارة أوباما، هي أن عقلية حكام طهران تدير العلاقات مع واشنطن بطريقة «البازار»؛ كل شيء سلعة قابلة للبيع والشراء، والأمر مرده محاولة إحياء ملامح ومعالم الاقتصاد الإيراني خلال سنوات الاتفاق النووي.

«استوكهولم سندروم» الأميركية تجاه طهران تدعونا للتعجب من فتح صحف أميركية كبري صفحاتها لجواد ظريف، ليهاجم جيرانه من العالم العربي، والبراغماتية الإيرانية عند روحاني تشابه كثيرا نظيرتها الأميركية عند أوباما الذي حاول أن يجعل من صفقة النووي مع طهران الفرصة التي تمكنه من كتابة اسمه في سجل القياصرة الأميركيين.

إشكالية «متلازمنة ستوكهولم» عند إدارة أوباما أنها تتعامى عن التهديدات الإيرانية البحرية لقطع الأساطيل الأميركية في مياه الخليج، والنيات العدوانية الإيرانية الواضحة هناك.

لم تهتز أركان البيت الأبيض، عندما قامت روسيا بإطلاق قاذفاتها الاستراتيجية من نوع «توبوليف» من قواعد عسكرية تقع داخل الأراضي الإيرانية، وهي المرة الأولى، ربما منذ الحرب العالمية الثانية، التي تنطلق فيها قوات أجنبية من قواعد عسكرية إيرانية لمهاجمة بلد ثالث، هو سوريا.

أغمضت واشنطن العينين عن الجولات التي ظاهرها دبلوماسي وباطنها أمني استخباراتي لجواد ظريف في خمس دول من أميركا اللاتينية، الخلفية الجغرافية التقليدية للولايات المتحدة الأميركية، وكأن هذا كله لا يعنيها.

ما تبطنه إيران دوما أكثر مما تظهره؛ إنها «التقية» التقليدية، وواشنطن – أوباما تسعى وراءها للعجب أو للأسف، وشيوخها ونوابها يفكرون ويدبرون لمعاقبة الأصدقاء والحلفاء عبر «جاستا» الذي لم تنته فصوله بعد.. هل لدى أحد تفسير لتصرفات واشنطن خارج الفهم الكلاسيكي لمتلازمة ستوكهولم؟

قد تؤسس إدارة أوباما قبل الرحيل بذلك قاعدة جديدة لبقية دول العالم في التعامل معها، حتما ستكون كارثية على الحضور الأميركي حول العالم.

إميل أمين

صحيفة الشرق الاوسط