معركة الموصل ومشروع الإمبراطورية الايرانية

معركة الموصل ومشروع الإمبراطورية الايرانية

%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b5%d9%84-%d9%80-%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86

معركة تحرير الموصل من تنظيم داعش ليست معركة التحالف الدولي بقيادة الادارة الامريكية و لا الحكومة العراقية ولا تركيا التي تحاول المشاركة فيها على الرغم من رفض الحكومية العراقية ذلك، وإنما أيضا هي معركة النظام الايراني هناك. لذلك قد لا يلتزم حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بما اتفق عليه مع باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الامريكية في استمرار الدعم الامريكي للعراق في معركته ضد تنظيم داعش شريطة عدم مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل. إذ أكد رئيس الوزراء في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الأحد الماضي في مدينة كربلاء جنوبي بغداد على التمسك بمشاركته فيها. وتبدي قيادات الحشد الشعبي ذات النفوذ السياسي والعسكري الكبير إصرارا على إشراكها في معركة الموصل رغم اعتراض أبناء المدينة أنفسهم خوفا من الممارسات الطائفية الانتقامية التي سبق لفصائل الحشد أن نفذها في مناطق عراقية سُنية.

وفي هذا السياق أكدت هيئة الحشد الشعبي، يوم الأحد الماضي، أن معركة استعادة الموصل من سيطرة تنظيم داعش ستبدأ خلال أيام، معتبرة أن مشاركة الحشد في المعركة أصبحت بحكم “المنتهية”، فيما جددت رفضها لتواجد أي قوة أجنبية على الأراضي العراقية.وقال المتحدث باسم الهيئة أحمد الأسدي في حديث لقناة السومرية إن “القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء أعلن قبل عدة أشهر في مجلس النواب أن الحشد الشعبي سيكون من القوات الأساسية المشاركة في تحرير الموصل، ثم أعلن ذلك في كل مناسبة وبالتالي فهو قرار”. وأشار الأسدي إلى أن “قطعاتنا على الأرض، وبدأت تنتشر وتتحرك وتتهيأ، وموضوع المشاركة أصبح بحكم المنتهي من حيث القرار”، مبينا أن “معركة الموصل ستبدأ خلال أيام”. والسؤال الذي يطرح في هذا الاطار ماذا يعني مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل بالنسبة للنظام الايراني؟

لقد استخدم النظام الايراني عمليات تنظيم داعش كأدوات تأثير وتحكم في المجتمع العراقي، بغية توجيه الجمهور العراقي وفق ما يريد، وتأمين تواجده جيوسياسي له في العراق لمواجهة الاخرين. لقد أغرى النظام الايراني العراقيين الشيعة بأنه نصيرهم وحليفهم الذي يقاتل بالنيابة عنهم ضد تنظيم داعش، واندفع تحت هذا الستار لإنشاء ميليشيات دربها وسلحها ووضعها في أعلى سلم السلطة والجيش، وأعطاها أدوارا بارزة في التصدي، وبات قرارها هو القرار الاول في الدولة، إلى الحد الذي لم يعد أمام أي مسؤول عراقي أن يتجاوز هذه الميليشيات. بينما يعرف الجميع كيف دمر النظام الايراني مدن الجنوب العراقي، طوال حرب السنوات الثماني بالقصف المدفعي والصاروخي.

 لذا يرى متابعون للشأن العراقي أن قوات الحشد الشعبي التي تضم عشرات الآلاف من المقاتلين المنتمين إلى ميليشيات شيعية، ليست سوى جيش إيراني رديف للقوات المسلّحة العراقية نظرا إلى ارتباط تلك الميليشيات قيادة وتسليحا وتمويلا بطهران. لذلك تسعى الميليشيات الشيعية من وراء مشاركتها في تحرير الموصل إلى مد نفوذها، ومن ورائه نفوذ النظام الايراني إلى مناطق الأكثرية السنّية لترسيخ حضورها في العراق وإبعاد أي تهديد محتمل لهذا الحضور. وتثبيت نفوذه فيه عبر استخدام العامل الطائفي التركماني”الشيعي” في مدينة “تلعفر”  وكما تسعى إلى الحد من التمدد الكردي في مزيد من الأراضي، فيما لم تهضم بعد تغلغله في كركوك. بل لن تسكت على خروج المدينة عن السلطة. وتدرك أن مساهمة «البيشمركة» في تحرير الموصل يرسخ حضور حكومة أربيل في محيط المدينة. ويسهل عليها الدفاع عن انتشارها في الأراضي المتنازع عليها. مثلما يسهل عليها التواصل التجاري والاقتصادي مع تركيا. وتعي ميليشيات «الحشد» أن عودة القوى السنّية إلى إدارة محافظة نينوى وحدها يعزز موقع هؤلاء الذين حاولت حكومة المالكي مواجهتهم في السنوات الأخيرة وساهمت في قيام «دولة البغدادي». ولا تخفي طهران رغبتها في إبعاد النفوذ التركي عن العراق وكردستان، كما هي سياستها في سورية. قد تكتفي بترك الأرياف المحاذية لتركيا، والتي تعتبرها هذه جزءاً من فضائها الأمني ومصالحها السياسية والاقتصادية. لذلك، لم تتوانَ عن تعزيز الشقاق داخل صفوف الكرد والسنّة العرب أيضاً. وإن راج أنها على دراية بالتفاهم بين أنقرة وموسكو في شأن مستقبل حلب، وتعي ما يربط بين أنقرة وواشنطن على رغم ما يشوب العلاقة بين العاصمتين هذه الأيام. فما لا يغيب عن حساباتها أن هناك أكثر من مطرقة تضرب على أوتارها. من المرجعية في النجف إلى تشظي القوى الشيعية وتنافسها على السلطة وما تدر من مكاسب ومصالح. ومن العودة الأميركية وما قد تخلف من مكاسب للكرد والسنّة العرب… إلى مشهد التظاهرات الشعبية في الساحات التي كانت تنادي قبل أشهر بأعلى الصوت برفع يد طهران عن بغداد!

 فمشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل سيشكل أهمية جيوستراتيجية للنظام الايراني ليؤكد لجميع الفاعلين على المستوى العربي والإقليمي والدولي، انه استطاع أن يوظف مخرجات الاحتلال الامريكي للعراق بما يخدم مصالحه ويعزز مكاسبه الإقليمية إذ ذكر “مارتين تشولوف” مراسل صحيفة “الأوبزرفر” في العاصمة اللبنانية بيروت، أن مقابلات أجريت على مدار الأشهر الأربعة الماضية مع مسؤولين وعراقيين نافذين ومواطنين في شمالي سوريا، أكدت أن معالم الطريق الإيراني نحو المتوسط بدت معروفة، ما يجعل من مهام  الحشد الشعبي غرب الموصل جزءا من ورشة إيرانية تشارك في إنجازها قوى مختلفة، تعمل لتحقيق طموحات طهران. ويبدأ الممر من بعقوبة في محافظة ديالى، وهي أقرب مدينة عراقية للحدود الإيرانية، باتجاه الشرقاط في محافظة صلاح الدين التي سيطرت عليها الميليشيات في سبتمبر الماضي، ويمتد باتجاه تلعفر وسنجار التي تسيطر عليها منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي قوات “بي كا كا” القادمة من سوريا ويستمر امتداد الممر من معبر ربيعة بين العراق وسوريا مرورا بالقامشلي وعين العرب (كوباني) وصولا إلى عفرين، وهي مناطق تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية.  التي يعتقد النظام الايراني بأنها “في المكان المناسب”.

وتعتبر مدينة حلب هي نقطة مفصلية لذلك الممر، وأن المدينة استنزفت جهودا إيرانية تتفوق على كل ما بذل في نقاط أخرى، حيث أرسلت طهران أكثر من 6 آلاف عنصر من الميليشيا التابعة لها، وأكثرها من العراق، لمحاولة السيطرة على حلب الشرقية.وتنقل الصحيفة البريطانية ” الأوبزرفر” أن قاسم سليماني كان قال للسياسي العراقي الراحل أحمد جلبي، في عام 2014، إن “خسارة سوريا هي خسارة طهران، وسنحول هذه الفوضى إلى فرصة” لإيران. ويرى “مارتن تشيلوف” مسؤول شؤون الشرق الأوسط في صحيفتي “الغارديان والأوبزرفر” البريطانية أن تأمين حلب هو مرحلة هامة في المعبر، الذي يمر ببلدتي نبل والزهراء الشيعيتين هناك، ومنهما إلى ضواحي مدينة حمص، ثم إلى الساحل السوري، معقل العلويين هناك، والذي أمنته روسيا.

وتنقل صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية عن مصدر أوروبي متخصص قوله إن “النظام الايراني يعمل بقوة لتحقيق الهدف”، بحيث يصبح بإمكانه نقل السلع والأفراد داخل ذلك الممر الذي تتولى حراسته من خلال قواه الذاتية أو قوى أخرى تابعة له. ويرى خبراء غربيون أن النظام الايراني ربما لم يتوقع رد فعل تركيا التي لم تتقبل خطة قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني التي تعني، من ضمن ما تعني، توطيد علاقات النظام الايراني بالـ”بي كا كا” “قوات حزب العمال الكردستاني” وامتداداته السورية. ويحتاج المشروع الإيراني إلى تغييرات ديموغرافية بدأ تنفيذها في وسط العراق وهي جارية حاليا في شمالي سوريا. وتعمل على إنجاح الخطة وتأمين مراحلها ميليشيات وأحزاب عراقية تابعة له، كل وفق حساباته. ويبدأ الممر من النقاط التي استخدمتها إيران لإرسال الأسلحة والمقاتلين إلى العراق خلال الـ12 عاما الماضية. وهي نفس الطرق التي استخدمها الحرس الإيراني لإرسال المقاتلين ضد القوات الأميركية التي كانت تحتل العراق والتي سببت 25 بالمئة من خسائر الأميركيين خلال تلك المرحلة.

ومن هنا يمكن لنا فهم أهمية دور الحشد الشعبي في الاستراتيجية، فمن خلاله يمكن تأمين “هلال من التأثير” عبر العراق وسوريا، يصل إلى الشرق الأوسط، فدخول الحشد المعركة يتعلق بخطط النظام الايراني القديمة لإنشاء ممر يربطها بالبحر المتوسط. ويرى علي خضيري، مستشار كل السفراء الأميركيين إلى العراق وأربعة قادة لغرفة العمليات المركزية خلال الأعوام 2003- 2011، إن تأمين الممر نحو البحر المتوسط سيعتبر انتصارا استراتيجيا للنظام الايراني، وأنه سيعزز سلطة النظام الايراني على العراق والمشرق العربي، وسيثبت طموحاتها التوسعية في المنطقة”، وأن هذا سيمثل عبئا لكل رئيس غربي، وحلفاء الغرب في المنطقة، لأنه سيمكن النظام الايراني من التوسع المستمر، حيث يتوقع أن يتوجه إلى الخليج العربي في هدفه المعلن تكرارا.

 خلاصة القول أن الخرائط التي يرسمها النظام الإيراني في العالم العربي، وهو ما يتناقض مع الروحية التي أرادت واشنطن تسويقها من خلال التوقيع على الاتفاق النووي بين الجماعة الدولية والنظام الايراني. فالأخير الخلفية يستبسل في الدفاع عن مصالحه العراقية والسورية، كما يوحي بتعارض كامن للأجندة الإيرانية مع مصالح إقليمية دولية أخرى قد تتناقض ربما مع التقارب الذي ترتسم معالمه بين موسكو وأنقرة.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية