“داعش” يضع عينه على بقية أفريقيا

“داعش” يضع عينه على بقية أفريقيا

%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%af%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%a3%d9%81%d8%a7%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%86-%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%b8%d9%8a%d9%85-%d8%af%d8%a7%d8%b9%d8%b4-%d8%a3

وصف أوباما التدخل في ليبيا بأنه “عرض رديء”. ولكن، ما لم يتحرك الغرب بسرعة، فإن الجهاديين المتطرفين جاهزون لجعل المأزق الليبي يبدو وكأنه مجرد بداية فحسب.
على المستوى الرسمي، أصبحت مجموعة “الدولة الإسلامية” (المعروفة على نطاق واسع باسم “داعش”) في وضع الأفول: فقد تراجعت قواها العاملة في الشرق الأوسط، وطردت قواتها من حصنها الليبي. وبالنسبة للرئيس أوباما، الذي أقر بأن العمل بغير إتقان في فترة ما بعد التدخل في ليبيا في العام 2011 كان “أسوأ خطأ” ارتكبته رئاسته، فإن المكاسب التي تحققت في شمال إفريقيا تشبه التخلص من الخطيئة عند الساعة الحادية عشرة. وتعلن عناوين الأخبار الآن أن “داعش” في تراجع. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: تراجع إلى أين؟
في مقال ترجمته مؤسسة كويليام، يعرف أحد أنصار “داعش” ليبيا بأنها “بوابة استراتيجية”، والتي يمكن من خلالها “إغراق جنوب أوروبا في الجحيم”. ومن المرجح أن يكون مصير ليبيا -حتى أكثر من سورية- هو الذي سيلون السياسة الخارجية للرئيس الأميركي التالي. وبينما كانت سورية دوامة تجتذب وتمتص العناصر الأكثر سمية في المنطقة، تشكل ليبيا عاصفة رملية تقوم بتوسيع جحيمها إلى الخارج. ووفق المقال الذي كتبه مؤيد “داعش” المذكور، فإن ليبيا هي “المفتاح إلى مصر، والمفتاح إلى تونس والسودان ومالي والجزائر والنيجر أيضاً”.
من بين الأخطاء العديدة التي كانت قد ارتكبت خلال التدخل الخارجي في ليبيا العام 2011، كانت إحدى العثرات الكبيرة هي الفشل في التساؤل عن الوجهة التي هرب إليها مؤيدو القذافي. وفي غضون أشهر، ظهر المئات من مقاتلي الطوارق في مالي وهم يحملون رشاشاتهم وأنظمة الصواريخ المحمولة على الكتف من ترسانة أسلحة القذافي. وبينما كنت مسافراً مع تجار ملح بدو في شمال تمبكتو، شاهدت وصولهم: وأشار دليلي إلى الخيام غير المألوفة، مشتكياً من أن هناك “الكثير جداً من الغرباء في الصحراء. وبعد أسابيع قليلة، قتل سائح ألماني وتم اختطاف ثلاثة مرافقين كانوا بصحبته. وأصر قائد الشرطة في البلدة التي كنت فيها على تسيير دوريات على الدراجات النارية طوال الليل لضمان عدم وقوع حوادث اختطاف أخرى. وقد أدرك القليلون حقيقة الوضع في ذلك الوقت، لكن كابوس مالي كان قد بدأ.
سوف يجري بحث تأثير الأزمة في مالي في لاهاي هذا الشهر؛ حيث من المقرر أن يصدر الحكم على أحمد الفقي المهدي، بعد تجريمه بتهمة “إلحاق الضرر بالإرث الإنساني” في تمبكتو. وقد تم اختطاف الكثير من طرق التهريب الموجودة منذ وقت طويل الآن -الطرق نفسها التي ستنقل “داعش” عميقاً إلى داخل إفريقيا. وفي الأثناء، لم تر المجموعات الجهادية التي تعمل في مالي أي حد لطموحاتها الإقليمية، تماماً كما هو حال “داعش”. ولعل الفارق هو أن “داعش” يمتلك نفوذاً مالياً حقيقياً، وقدرة تشغيلية، وعلامة تجارية قوية. وإذا تمكن “داعش” من شق طريقه عبر رمال السهل الساحلي، فسيكون بمقدوره الوصول إلى جنوب الصحراء الإفريقية، وسيتمتع بإمكانية الوصول إلى أنحاء القارة كافة، مستغلاً مجموعة من المجتمعات المهمشة، تماماً مثلما استغل في السابق قبائل الأنبار في العراق وقاعدة دعم القذافي في ليبيا.
لا يجب أن تكون الأمور كذلك. وكما قضت لجنة النخبة للشؤون الخارجية في المملكة المتحدة في الأسبوع الماضي، فإن الحملة الليبية في العام 2011 أشّرت على “فشل في تطوير استراتيجية ليبية متماسكة”، مما أفضى إلى “انهيار سياسي واقتصادي” في ليبيا، وتحليق تدفقات الهجرة غير الخاضعة للتحكم، و”تصاعد الإرهاب”. وفي المملكة المتحدة، يوجه النقد إلى ديفيد كاميرون. لكن هيلاري كلينتون هي التي تحت النار في الولايات المتحدة. وقد هوجمت بسبب ادعائها بأن ليبيا “عملية قيد العمل”. ولا يعني هذا أن لدى منافسها الكثير ليتفاخر به. وتظل تصريحات دونالد ترامب عن ليبيا غير متساوقة، تماماً مثل أحاديثه عن الهجرة أو موقفه من حلف الناتو. وهو يراوح بين اتهام كلينتون بـ”تنفيذ” التدخل في العام 2011 وبين الدفاع عن التصعيد في التورط العسكري الأميركي، وبين التبجح بصلاته التجارية مع العقيد القذافي.
إنها تصريحات غير متساوقة أو مشوهة: فهي لا تصب في صالح دور أميركا المتعلق بإدارة النفوذ في المنطقة. وهو دور ينطوي على مشاكل، لأن الحاجة تمس الآن إلى قيادة إيجابية أكثر من أي وقت سابق. وهناك حاجة إلى القضاء على “داعش”، وليس دفعه إلى النزوح. ولعل المفتاح لتحقيق ذلك يكمن في ضمان الدعم من القيادات المحلية، من زعماء القبائل إلى الحكومات القومية، والقضاء على الفساد وتحسين نوعية الاستثمار وليس حجمه. وتجدر الإشارة إلى أن مليارات الدولارات أعطيت للكثير من البلدان في شمال إفريقيا بدون أن تستفيد منها المجتمعات الفقيرة والضعيفة.
على المستوى الدولي، يجب أخذ الحذر بعين الاعتبار لتجنب هوس حرب الإنابة الذي دمر سورية. وثمة تشابه ينطوي على مفارقة مع الحرب الباردة؛ حيث تقف الطائرات المقاتلة الروسية والثوار المدعومون من وكالة المخابرات المركزية الأميركية في مقابل الملحمة السنية-الشيعية بقيادة السعودية وإيران. وقد أصبحت أمة احتفلت ذات مرة بالتنوع مقسمة الآن بفعل الطائفية، وهي تسقط في اتجاه رقعة شطرنج “القوة العظمى” التي تُلعب فيها. وإفريقيا هي المكان التالي.
من ناحية أخرى، تقوم عدد من الدول الخليجية بتوسيع نفوذها، وتمول مبشري الوهابية وتقدم وسائل العيش التي لا تستطيع الحكومات المحلية الغارقة في الفساد تقديمها. كما يرفع التواجد الاقتصادي للصين استثمار البنية التحتية في مقابل استغلال العمالة الرخيصة والموارد. وتلعب فرنساً دوراً كبيراً في غرب أفريقيا، حيث ما تزال حملتها العسكرية التي مضى عليها ثلاثة أعوام ونصف العام تتحرك، فيما يعود في جزء منه إلى تأمين مناجم اليورانيوم في النيجر (التي توفر ثلث اليورانيوم اللازم لصناعتها النووية المربحة). ولذلك كله، يحتاج كل من يعتقد أن شمال أفريقيا خالٍ من احتمال اختبار حرب بالوكالة إلى أن يعيد النظر في الخريطة.
هناك لاعبون آخرون يتجمعون، منجذبين بإغراء الموارد غير المستغلة في شمال إفريقيا. وتنطوي المنطقة على وعد اقتصادي كبير، بغض النظر عن القلق الناجم عن التنبؤات السياسية. لكن المفتاح يكمن في معالجة مشكلات المنطقة. والمعروف أن الغرب يستفيد من اليورانيوم والفسفور والنفط والموارد الأخرى فيها، لكنه بدأ يشعر أيضاً بأثر الجهادية وتهريب المخدرات والهجرة الجماعية. ونحن في حاجة إلى الانخراط في هذه المنطقة وليس إلى إدارة ظهورنا لها. وتعد معالجة ما يصفه أوباما بـ”العرض الرديء” والنزاعات العديدة التي تتفجر حولها أساسية. وبغير ذلك، فإن هذه الكوارث ستستمر في التمدد وستبعثر السياسة الخارجية للرئيس الأميركي التالي في رياح عاصفة رملية أخرى في شبه الصحراء الإفريقية.