هل استعراض العضلات الأخير الذي تقوم به إيران هو أكثر من الإظهار المعتاد للقوة؟

هل استعراض العضلات الأخير الذي تقوم به إيران هو أكثر من الإظهار المعتاد للقوة؟

iranjethormuzgulftankerrtr1bzl7-639x405

كل عام في نهاية فصل الصيف، تسلّط الجمهورية الإسلامية الضوء على التضحيات، والخيارات (المشكوك فيها في كثير من الأحيان) التي قدمتها خلال النزاع الطويل مع العراق عندما كان يحكمها صدّام حسين في الثمانينات. وفي إحياء ذكرى نهاية تلك الحرب، يسلّط القادة السياسيون والعسكريون الضوء أيضاً على من تعتبرهم إيران “أعداءً” – أي، وفقاً لتعبير المرشد الأعلى علي خامنئي، إسرائيل والولايات المتحدة (والمملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة أيضاً). وهذا العام، يبدو أن النظام أكثر تركيزاً من أي وقت مضى على تعزيز قوة ردعه بشكل واضح ضد هؤلاء الأعداء، سواء من خلال استعراض أنظمة أسلحته الهائلة على نحو متزايد في الشوارع، أو من خلال ممارسة قدراته العسكرية باقترابه أكثر من السفن الأمريكية في مضيق هرمز، أو من خلال توجيه الانتقاد ضد عناصر داخل الحكومة تحاول أن تنصح بالتخفيف من النزعة الحربية.

استعراض العضلات الأخير

خلال الاستعراض العسكري السنوي في 21 أيلول/سبتمبر، عرضت إيران نظام الدفاع الجوي الروسي الطويل المدى “إس-300” الذي تسلّمَته مؤخّراً، بالإضافة إلى صاروخيْ أرض-أرض جديدين، هما “عماد” ذو الوقود السائل و “ذو الفقار” الذي يعمل بالوقود الصلب، ويبلغ مداهما كما يُدّعى 1650 و750 كلم على التوالي. وإذا كان هذان النطاقان دقيقيْن، فباستطاعة الأوّل بلوغ إسرائيل، بينما يعطي الثاني إيران القدرة للمرة الأولى على ضرب أهداف استراتيجية بدقة أكبر في عمق شرق المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الرياض، والقاعدة الجوية في الخرج، ومدينة الملك خالد العسكرية. و”ذو الفقار” هو صاروخ متعدد الميزات له خصائص تسمح بإخفاء مساره، لكي تكون صعوبة أكثر في تعقّبه واعتراضه؛ ويُقال أيضاً إنه يشمل رأساً حربيّاً عنقوديّاً للحيلولة دون دخوله مناطق معينة، وتم تطويره بمساعدة كوريا الشمالية. ويُقال إن صاروخ “عماد” يضم رأساً حربيّاً موجّهاً لتحقيق المزيد من الدقة، والصمود بوجه الدفاعات الصاروخية. وقد لعبت الصواريخ البالستية المتوسطة المدى أيضاً دوراً بارزاً في الاستعراض والخطابات المرافقة له.

بالإضافة إلى ذلك، وكجزء من الاحتفالات، استعرضت قوات «الحرس الثوري الإسلامي» طائرتي هجوم عراقيتين مجددتين من نوع “سوخوي سو-22” فوق مرفأ بندر عباس. وتخطط هذه القوات أيضاً تسليح الطائرتين بصاروخيْ “نصر-1” مضادين للسفن، وتتفاخر بمداهما الذي يبلغ حوالي 35 كلم، مما قد يشكل خطراً أكبر على أصول القوات البحرية الأمريكية وعلى سفن أجنبية أخرى في الخليج.

وفي غضون ذلك، لم تكتفِ قوات «الحرس الثوري الإسلامي» بزيادة عدائيتها تجاه الولايات المتحدة وحلفائها فحسب، بل تجاه فصائل محلية متحالفة مع حكومة الرئيس حسن روحاني أيضاً. وفي خطاب ألقاه ضمن الاستعراض، دعم الرئيس الجديد لـ “هيئة أركان القوات المسلحة” اللواء محمد باقري، موقف قادة آخرين من قوات «الحرس الثوري»، الذين اتهموا الحكومة مراراً بأنها تتعرض للتخويف من قبل الأجانب. وأكّد أيضاً أن إيران كانت بحاجة إلى صواريخ طويلة المدى للحفاظ على سيادتها ولتفادي الوصول إلى مصير بعض البلدان، مثل العراق وسوريا واليمن. وفي آذار/مارس، وصف قائد آخر في قوات «الحرس الثوري»، هو نائب رئيس “هيئة أركان القوات المسلحة” الجنرال مسعود جزايري، القوة الصاروخية على أنها عامل مهم في عقيدة إيران الدفاعية الوطنية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. وبعد ثلاثة أشهر، أعرب علناً عن توقه إلى “تخليص العالَم من السياسات الأمريكية الإمبريالية” مرة واحدة وإلى الأبد في معركة مباشرة.

وتشنّ إيران أيضاً حملة نفسية تهدف إلى نزع شرعية تواجد الولايات المتحدة في الخليج، بقيامها بشكل متزايد بمضايقة الطائرات الحربية الأمريكية وطائرات الاستطلاع خارج حدودها البحرية والجوية، بينما تحاول إظهار هذه الحوادث على أنها نشاط طبيعي. ويخاطر هذا التصرف بتفاقم التوترات في الخليج، في الوقت الذي ترفض فيه قوات «الحرس الثوري» بشدة أي وسيلة من وسائل اتصالات الطوارئ التي قدّمها الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في البحرين. وأشار القائد السابق للأسطول الخامس الأمريكي، نائب الأميرال جون ميلر، إلى هذا الرفض في حدث نظّمه “المجلس الأطلسي” في 27 أيلول/سبتمبر. وفي 21 أيلول/سبتمبر، استبعد الجنرال غلام علي راشد من قوات «الحرس الثوري» – الذي هو الرئيس الجديد المعيَّن لـ “المقر المشترك لـ خاتم الأنبياء”، أي الهيئة التي تنسّق عمليات قوات «الحرس الثوري» والجيش الوطني – إنشاء أي خط ساخن مقترَح مع البحرية الأمريكية، ودعا الولايات المتحدة إلى الانسحاب من المنطقة بشكل كامل.

وبالمثل، في 24 أيلول/سبتمبر، حذّر ممثل المرشد الأعلى في قوات «الحرس الثوري» من توقيع اتفاق الحد من الأسلحة [الاستراتيجية] مع واشنطن على غرار “محادثات سولت”، وقال إنّ اتّفاقاً كهذا سيكون بمثابة بداية النهاية للجمهورية الإسلامية. ومثل هذا الكلام يناقض بشدة سياسة الوفاق الخاصة بروحاني، ويوحي بالمزيد من المشاكل القادمة بين قوات «الحرس الثوري» العدائية والعناصر المدنية الأكثر تسامحاً، على الرغم من أن المغزى الكامل لهذا الصدع الآخذ في الاتساع لم يتحدد بعد.

لقد بذل المتشددون جهداً كبيراً في انتقاد رسالة وجّهها الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، المعتدل نسبيّاً والذي يرأس “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، من على موقع “تويتر” بتاريخ 23 آذار/مارس. ودعت التغريدة إلى تسوية الخلافات مع البلدان الأخرى عن طريق التفاوض بدلاً من التخويف بالصواريخ؛ حتى أنه اقترح اتّباع مسار يخلو من المواجهة على غرار ذلك الذي اتبعته ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. وليس من المستغرب أن تثير ملاحظاته حفيظة المتشددين الإيرانيين أصحاب النزعة العسكرية.

وتتوافق تلك الردّود مع أسلوب قوات «الحرس الثوري»، على مدى الأشهر القليلة الماضية، والمتمثلة في تجاهل الأصوات الداخلية والخارجية التي تدعو إلى تغيير الموقف. وعلى وجه التحديد، طُلب من طهران مراراً وتكراراً وقف تجاربها الصاروخية ونشر الصواريخ، ووقْف موقفها المعادي والمشاغب في الخليج، وإعادة النظر في سياسات التدخل العسكري الكبير التي تعتمدها في المنطقة. غير أن نائب قائد قوات «الحرس الثوري»، حسين سلامي، أعلن في 10 آذار/مارس أنّ صواريخ «الحرس» “التي يزداد تعدد ميزاتها وتزداد دقتها وقوتها” لا تهدف إلى حماية إيران فحسب، بل العالم الإسلامي بأجمعه أيضاً. وهذه التصريحات تحذو حذو دعوة خامنئي حول اعتماد موقف أكثر عدوانية لتعزيز قوة الردع، ما يشكّل مقاربة يبدو أن مصدرها تطوران هما: سلسلة من اللفتات التصالحية التي قام بها معسكر روحاني نحو “العدو” منذ التوصل إلى الاتفاق النووي مع دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» في العام الماضي، وازدياد الثقة والعدائية اللتين أظهرتهما المملكة العربية السعودية من خلال أعمالها في اليمن وسوريا وغيرهما. ففي 5 تشرين الأول/أكتوبر مثلاً، أصدرت القوات البحرية في «الحرس الثوري» بياناً شديد اللهجة ينتقد المناورات العسكرية التي قامت بها المملكة في نهاية الأسبوع الذي سبق، في المياه الدولية قبالة الساحل الإيراني، وفوجئت على ما يبدو من جرأة الرياض. كما منعت القطع المشاركة في المناورات من المرور عبر مضيق هرمز.

القوى الدافعة وراء السياسة الخارجية الإيرانية

على نطاق أوسع، قد تدلّ تحركات طهران الأخيرة على بذل جهد متزايد من أجل محاكاة استراتيجية “الدفاع الهجومي” التي اعتمدها ماو تسي تونغ في الثلاثينات (أي، ضمان الدفاع الوطني من خلال اتخاذ إجراءات حاسمة بدلاً من التدابير السلبية الصارمة). ومن هذه العدسة، سينظر النّظام على الأرجح إلى كل محاولة لوضع القيود على برنامجه الخاص بالصواريخ البالستية على أنها تشكّل عائقاً بوجه دفاع إيران الشرعي عن نفسها.

كما أن رد الفعل الدولي والمحلي على التجارب الصاروخية الإيرانية (تسعة منها على الأقل منذ الاتفاق النووي) يسلط الضوء على جدال الجمهورية الإسلامية الدائم حول ما إذا كانت العقيدة أو المصالح الوطنية هي التي يجب أن تحدد السياسة الخارجية بشكل أساسي. وتزداد حدة هذا الجدال في وقت تحتاج فيه إيران إلى الانفتاح على العالَم – على الأقل من الناحية النظرية – لكي تستطيع أن تحسن توقعاتها الاقتصادية ومكانتها الدولية.

إن تاريخ الجمهورية الإسلامية مليئاً بالتفسيرات الخاطئة لمصالح إيران الوطنية وتحريفاتها. ولم يذكر سلف الخامنئي، آية الله روح الله الخميني، بتاتاً “المصالح الوطنية” عندما كان يتزعم الثورة أو البلاد. بل على العكس من ذلك، شجب القومية وشدّد على عقيدة تجاوزت حدود إيران. وفي العقد الماضي أو نحو ذلك  فقط، عملت فكرة “مصلحة النظام” على إعادة القومية إلى الواجهة، باعتبارها أداة مفيدة لآية الله خامنئي، وذلك من أجل حشد الدعم المحلي ضد التهديدات الخارجية المتصورة.

وهذا العام، بدأ القادة الإيرانيون يستخدمون “المصالح الوطنية” في كثير من الأحيان كمصطلح سياسي أجنبي. فخلال خطاب ألقاه خامنئي أمام مجموعة من أعضاء رفيعي المستوى في القوات المسلحة في 10 نيسان/أبريل، أدلى المرشد الأعلى بتعليق غامض بل جدير بالملاحظة، بأن المهمة الأساسية للقوات المسلحة هي الدفاع عن “حدود الأمن القومي” بدلاً من حدود إيران الجغرافية المعترف بها.

ومثل هذا التفكير يساعد طهران على تبرير برنامجها الصاروخي المكلف، وغير الضروري على ما يبدو. وفي حين يمكن للمرء أن يجادل بأن أي بلد يحق له امتلاك قوات مسلحة قوية، إلا أن جهود إيران الأخيرة لتوسيع ترسانة صواريخها الطويلة المدى لا تخدم مصالحها الوطنية – بل تخدم كثيراً المصالح الثورية الخاصة بالنواة المتطرفة للنظام وبنخبته العسكرية. ولهذا السبب ربما، لم تُعهد الصواريخ الطويلة المدى يوماً إلى “القوات المسلحة الوطنية” (“أرتش”) الأكثر علمانية.

نمط من المبالغة

على الرغم من جهود إيران لتبرير سلوكها الأخير على الصعيد الاستراتيجي، إلا أن الكثير من أعمالها منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية قد أضرت بشكل واضح بالمصالح الوطنية للبلاد. وفي ما يخص الحرب بين إيران والعراق، على سبيل المثال، غالباً ما تتغاضى الشخصيات البارزة في طهران عن الحقيقة بأن سوء تقديرها – حول نقاط ضعف إيران وقدرات عدوها – بالإضافة إلى النوايا العدائية لصدام حسين، هي التي ساهمت مباشرةً في بدء النزاع وإطالة أمده إلى ثماني سنوات من البؤس واليأس للشعب الإيراني. ومن المدهش أن رئيس قوات «الحرس الثوري» في ذلك الوقت، محسن رضائي، لم يعترف علناً بأي أخطاء من هذا القبيل حتى هذا العام، أي بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود على وقوعها. وعلى الرغم من أن ايران قد حسّنت مهاراتها الدبلوماسية إلى حدٍّ كبير منذ الثمانينات، لا يبدو أنها تعلمت كثيراً من أخطائها الاستراتيجية الأكثر فضاحةً. إن هذا النطاق المحجوب كما يبدو، فضلاً عن نوايا الجمهورية الإسلامية غير المؤكدة على المدى الطويل وقدراتها الصاروخية المتوسعة، تجعل استعراض عضلاتها الأخير مثيراً للقلق بشكل خاص.

 فرزين نديمي

 معهد واشنطن