الممارسات الروسية في سورية وفشل القانون الدولي

الممارسات الروسية في سورية وفشل القانون الدولي

271

قول سامانثا باور، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إن العالم وصل إلى “نقطة انعطاف” حول سورية. وفي الأثناء، يقول الروس الذين يرفضون وقف قصفهم المتواصل لمدينة حلب إن الإدارة الأميركية تعاني من “الهستيريا”، حين تلوم موسكو عن إخفاقاتها الخاصة. ومن جهتها، تعتقد الأمم المتحدة، التي أعياها العثور على تعبير مناسب، أن سورية أصبحت “مسلخاً”. ويحذر ستيفان أوبريان، المسؤول الكبير، على نحو يائس من أن مدينة حلب “تنحدر إلى هاوية كارثة إنسانية خالية من الرحمة والشفقة”. وعليه، ما الذي ينبغي عمله؟
الجواب المختصر هو أن أحداً لا يعرف ما يجب عمله، كما يبدو -أو كيف يتم عمله على الأقل. وكانت هذه الأزمة تتكشف على مدى خمسة أعوام. وقد فشلت المحاولات المتكررة لوضع عملية سلمية قابلة للحياة على السكة. وتم التوصل إلى اتفاقيات عدة لوقف إطلاق النار، لكنها ذهبت كلها أدراج الرياح بعد أن انتهكها طرف أو آخر خلال أيام، أو حتى خلال ساعات من إبرامها. وقد انهارت أحدث هدنة في الأسبوع قبل الماضي، وسط فيض مشوش من الاتهامات المتبادلة.
تقول الولايات المتحدة الآن إنها تدرس خيارات “غير دبلوماسية”، وربما فرض عقوبات جديدة ضد الحكومتين الروسية والسورية وأشخاص يبدون مسؤولين عن استخدام قذائف ضد التحصينات وقنابل حارقة في حلب. وفي الأثناء، هناك بعض الهمس الغامض عن احتمال توجيه ضربات جوية أميركية ضد أهداف عسكرية سورية. ومن الممكن أن يجلب هذا الخيار الأخير القوات الأميركية الروسية إلى مواجهة مباشرة. ومن شأن ذلك أن يكون تصعيداً خطيراً من النوع الذي لطالما تجنبه الرئيس باراك أوباما حتى الآن، حتى عندما تم تجاوز “خطه الأحمر” الذي كان قد وضعه حول استخدام الأسلحة الكيميائية في العام 2013.
لكن هذه الأزمة أصبحت الآن تتعلق بما هو أكثر من شعب حلب أو سورية أو حتى العلاقات الأميركية الروسية. فمن المعروف أن الحرب السورية زعزعت استقرار البلدان المجاورة مثل تركيا. كما أنها تسببت بحركة لجوء ومهاجرين اقتصاديين غير مسبوقة عبر الحدود الأوروبية. كما غذت صعود الإرهاب الجهادي. وصرفت الانتباه والموارد عن مناطق مناطق أخرى تشهد المشاكل، مثل اليمن. لكن الأمر الذي قد يكون أكثر أهمية على صعيد الضرر طويل الأمد، هو أن هذه الحرب كشفت على نحو درامي الضعف المقيم في نظام الأمم المتحدة، وعدم الاحترام المتزايد الذي تظهره العديد من الدول للقانون الدولي.
تشكل روسيا المنتهك الأسوأ. وكانت قد تلقت تحذيرات متكررة من الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وكان أحدثها التحذير من أن ضرباتها الجوية في وحول حلب وأمكنة أخرى ضد الأهداف المدنية والمستشفيات والمدارس قد تشكل جرائم حرب. وتتضمن لائحة الاتهام تدمير قافلة مساعدات تشرف عليها الأمم المتحدة في شمالي حلب في الشهر الماضي، مما أسفر عن مقتل 20 شخصاً. ولم يلقَ النفي الروسي والسوري التصديق على نطاق واسع.
وكان ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في العام 2014 بمثابة انتهاك فظيع آخر للقانون الدولي، ونوع من القضم المفضوح للأرض، بطريقة اعتقد معظم الناس أنها تعود إلى الأيام القديمة السوداء لأوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي. وكان إسقاط روسيا لطائرة الركاب الماليزية فوق أوكرانيا قبل عامين، والذي أسفر عن مقتل حوالي 300 شخص، انتهاكاً لا يغتفر، ناهيك عن ذكر اللباقة العامة. كما أن استخدام رسويا المتزايد للحرب السيبرانية، خاصة قرصنة الأنظمة الانتخابية الإلكترونية للحزب الديمقراطي (الأميركي)، يعد حدثاً آخر من سلسلة تفصح عن عدم اعتبار للمعايير الدولية. وتبدو روسيا راغبة جداً في استغلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على الرغم من مسؤولياتها كعضو دائم في هذا المجلس. ومن شأن هذا أن يتسبب في إلحاق ضرر رئيسي بميثاق الأمم المتحدة الذي وضع كهدف “تأسيس الشروط التي يمكن بموجبها الحفاظ على العدالة والاحترام للالتزامات الناشئة عن المعاهدات والمصادر الأخرى للقانون الدولي”. ومع ذلك، لا تقتصر هذه المفارقة السلوكية على نظام فلاديمير بوتين.
في وقت سابق هذا العام، رفضت الصين، العضو الدائم الآخر في مجلس الأمن، جملة وتفصيلاً الحكم الذي أصدرته محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي بأن بناء جزيرتها ومطالباتها البحرية الأوسع في بحر الصين الجنوبي لا تستند إلى أساس قانوني. وقالت بكين ببساطة إن القرار لا ينطبق عليها، لا لسبب سوى أنه يتعارض مع أهدافها الاستراتيجية. كما أوضحت الصين أيضاً في أعقاب التجربة النووية غير القانونية التي أجرتها كوريا الشمالية، أنها تحتفظ بالحق في صد المحاولات التي تجري في الأمم المتحدة لفرض المزيد من العقوبات على ذلك البلد إذا لم تعجبها، مقوضة بذلك أكثر محاولات كبح النظام المتمرد في بيونغ يانغ. وتشير المناورات البحرية المشتركة الأخيرة في بحر الصين الجنوبي إلى أن روسيا والصين تصران على دعم السلوك السيئ لبعضهما بعضاً.
يشكل عدم احترام الأمم المتحدة ومؤسساتها مشكلة آخذة في الانتشار، كما يظهر في الحصانة الواضحة التي يتمتع بها أولئك يهاجمون أو يعيقون مراقبي السلام وموظفي ومنظمات الإغاثة التابعين لها. وكان عدم قدرة الأمم المتحدة المتكرر على الدفاع عن نفسها وعن أولئك الذين يعملون تحت رعايتها قد تجسد في تموز (يوليو) الماضي في جوبا في جنوب السودان، عندما هاجمت قوات الجيش هناك موظفي الإغاثة بوحشية. وفي بلدان مثل السودان، تمكن مشاهدة فشل تأثير القانون الدولي في التمرد المستمر للرئيس عمر البشير على مذكرات القبض عليه بتهم ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم حرب ضد الإنسانية.
ولم تكن محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت مذكرة القبض عليه وكالة تابعة للأمم المتحدة، لكنها تظل تشكل ذراعاً قانونياً رئيسياً للنظام الدولي الذي أصبحت سلطته محل ازدراء لدى بعض الدول التي لا تحترم التزاماتها، حتى ولو أنها وقعت على معاهدة روما الأساسية في العام 2002. ويلقى هذا الاتجاه نحو الحصانة تشجيعاً من جانب الولايات المتحدة وبلدان رئيسية أخرى ليست أطرافاً في المعاهدة، على الرغم من أنها تدعم أعمال محكمة الجنايات الدولية. ويعبر هذا بوضوح عن نهج الكيل بمكيالين الذي يسمح لواشنطن بالشكوى من الاستهانة بالقانون الدولي في سورية وأوكرانيا، بينما تتجاهل سابقتها الضارة في العام 2003، عندما قامت إدارة بوش بغزو العراق من دون الحصول على تخويل قانوني من الأمم المتحدة للقيام بذلك.
إن المعاناة في حلب مرعبة ورهيبة. وكما قلنا مرات عدة، فإنه يجب على المتقاتلين الانسحاب ووقف إطلاق النار كمقدمة لاستئناف الجهود الدبلوماسية. لكن علينا أن نكون واضحين أيضاً إزاء حقيقة أن الضرر الهيكلي طويل الأمد يصبح باطراد غير مقصور على سورية. ويقوم السلوك غير القانوني الذي تقوم به الدول القوية بإضعاف المؤسسات الحاسمة التي كانت قد أنشئت في العام 1945 بهدف منع وقوع مواجهة عالمية أخرى. ومن خلال السماح بازدراء القانون الدولي بشكل متكرر، فإننا نخاطر بكارثة ستكون أكبر من أي شيء سابق.

ترجمة:عبدالرحمن الحسيني

صحيفة الغد