بين “درع الفرات” ومعركة الموصل.. خيارات تركيا للحفاظ على وجودها في العراق

بين “درع الفرات” ومعركة الموصل.. خيارات تركيا للحفاظ على وجودها في العراق

10220161475411285

في بداية أكتوبر، جدد البرلمان التركي مذكرة تحيز للجيش، لشن عمليات عسكرية خارج حدودها وتحديدًا في سوريا والعراق، وهو ما أثار غضب الحكومة المركزية في بغداد، بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وفي المقابل تعطلت الاعتبارات التركية، المرتبطة بالعمليات المستقبلية في البلدين، خصوصا فيما يتعلق بالمعركة الدائرة لتحرير الموصل من داعش.

معركة مدينة الباب

بعد استكمال المرحلة الأولى والثانية من عملية “درع الفرات” في وقت قياسي، ما أسفر عن تحرير  مدينة جرابلس من داعش، فإن أعين تركيا تحولت لاستكمال المرحلة الثالثة، لتحرير مدينة “الباب” القريبة من مدينة “حلب”، لإحكام السيطرة على مدينة “منبج” لطرد الميليشيات الكردية منها.

على عكس المرحلة الأولى من العملية، التي تم إنجازها سريعا دون وجود خسائر ملحوظة، فإن التنبؤات بشأن مدينه الباب، تشير إلى احتياجها مزيد من الوقت والتحضيرات، ومن المحتمل وجود خسائر أكبر،  حيث أنه في البداية هناك الحاجة لمزيد من القوات، كذلك الحاجة إلى ممر آمن بين مدينة الباب والحدود التركية، والزيادة في المناطق التي يحكمها الجيش السوري الحر والمدعوم من تركيا، كما أن هناك عددًا كبيرًا من السكان المحليين، مقارنة بالوضع في جرابلس والمناطق المحيطة، وهو ما يشكل تحديًا؛ لاجتناب وجود خسائر في الأرواح البشرية.

إضافة إلى ذلك،  المقاومة العنيفة المتوقعة من داعش، في ظل مكانة المدينة لهم، والأهمية الدينية لمدينة “دابق”، وهو ما يصعّب تخيل انسحابهم من المنطقة بسهولة، كما كان الحال في جرابلس، وهناك أيضًا التحديات العسكرية، ومنها حقول الألغام، التي أبطأت من تقدم القوات التركية، وفي النهاية هناك احتمالية لتأخر المعارك الخاصة بالرقة والموصل، وفق مخططات التحالف الدولي.

ترغب تركيا في تحقيق عدد من الأهداف من هذه المعركة، وأهمها هو تجديد والحفاظ على شرعية وجودها العسكري في سوريا ضد داعش، كما أنها تريد منع سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، التي يعتبر أغلبها من القوات الكردية، عل مدينة الباب، ولتحقيق ذلك فإن على تركيا تدمير فكرة إنشاء دولة كردية، التي يرغب الأكراد في إنشائها، لتجميع الأقاليم الخاصة بهم.

وترغب تركيا أيضًا في توسيع المناطق، التي تقع تحت سيطرة الجيش الحر السوري إلى 5000 كيلو متر، وهو ما يزيد من فرصة إقناع موسكو وواشنطن بفرض حظر الطيران في المناطق التي لا تقع تحت سيطرة داعش، يتيح عودة بعض اللاجئين.

ومن استراتيجية الولايات المتحدة، هو إنشاء جيش حر سوري، كطرف محلي قادر على مواجهة داعش، كبديل لوحدات حماية الشعب والقوات السورية، وهو أيضًا من أهداف تركيا، خصوصا في المواجهات المتوقعة مع داعش في الرقة.. كل ذلك سيؤدى لتقوية موقف الجيش الحر في المفاوضات المتوقعة، عند إعادة رسم الخريطة السياسية والجيوفزيائية، وتم تعزيز ذلك عن طريق التقارب بين تركيا وروسيا، وإنجازاتها في التوقيت الخاص بعملية “درع الفرات”

الموصل وبعشيقة

تحرك تركيا إلى “الباب”، أدى إلى إبطاء أولوياتها وتحركها للرقة، كذلك رؤيتها لضرب داعش في معاقلها، قبل أن يفعل ذلك أطراف أخرى، وهذا يعد أيضًا، بسبب التحديات العسكرية التي تم ذكرها.

لكن خلاف الولايات المتحدة وروسيا، بسبب مطالبات وقف إطلاق النار، أدى إلى تأخر معركة الرقة واستعجال تحرير الموصل، ووضعها كأولوية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، ما يعد سبب التوتر بين بغداد وأنقرة.

على الرغم من تحرك البرلمان التركي، فإنه يعد تجديد مذكرة العام المقبل، دون أي تغيير في عدد القوات التركية الحالية في مخيم بعشيقة أو المهام الموكلة لهم،  ورفعت حكومة “العبادي” السقف في خطاباتها، معترضة على القرار، ومعتبرة تركيا “قوة احتلال”، وبسبب عدم رضاها عن الرسائل الدبلوماسية، المرسلة للأمم المتحدة، فإن بغداد شعرت بحاجتها، للتهديد بحرب إقليمية، في حال عدم سحب تركيا لقواتها.

وذهبت تصريحات أنقرة بين اتجاهين: أولهما حرصها على أمن العراق وسلامة أراضيها، وبين إصرارها على عدم سحب قواتها، ووصفت تركيا تصريحات العبادي بالـ “الخطيرة والاستفزازية”، ونصح رئيس الوزراء التركي، بينالي يلدريم، العراق بالتمسك بالأهم، وعدم لوم تركيا التي ساعدت في إتمام ما كان يجب إتمامه.

وتشير التقديرات التركية إلى أن عددًا من الأطراف ترغب في عرقلة مشاركتها في المعركة، حتى لا يكون لها رأي في مستقبل العراق ، وفي الوقت ذاته تحاول الحكومة التركيةإقحام نفسها للمشاركة في الحشد الشعبي للقوات في بعشيقة، حيث يقدر أن العدد سيكون حوالي 3000 مقاتل، إضافة إلى حوالي 2000 من قوات البشمركة العراقية.

اعتبارات ما بعد داعش

من الواضح، أن موقف حكومة العبادي تجاه تركيا هو سياسي بحت ولا علاقة له بالسيادة، وهذا ليس فقط بسبب عدم اعتراضها على وجود عسكري من دول أخرى، لكن لأن مخيم بعشيقة وجد منذ فترة، دون أن يسبب أي مشكلات، وتصاعدت المشكلة في ديسمبر الماضي، بعد زيادة أنقرة عدد قواتها في المخيم، وهو ما أدى إلى توصية الأمم المتحدة للطرفين، بحل نزاعاتهما عن طريق محادثات ثنائية مباشرة.

بالتالي، فإن النزاع مرتبط بالفترة التي تلي داعش، مع الأخذ في الاعتبار أن من سيشارك في عملية التحرير سيشترك في تشكيل المجتمع في الموصل، والبنية السياسية في العراق في المستقبل، بالتالي هناك عدد من الأطراف المختلفة، التي ترغب في الانضمام للعملية، ومن ضمنهم جيش العراق والحشد الشعبي والبشمركة العراقية والتحالف الدولي وتركيا، وحتى حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا جماعة إرهابية، وهو ما يعقد الأمور.

إصرار أنقرة على المشاركة في معركة الموصل، جنبًا إلى جنب مع الأطراف الأخرى، تعتمد على المحاولة لتقليل الاستقطاب الطائفي، وضمان الاستقرار في السياسة العراقية ، بالشكل الذي يعطيها توازنًا في منافستها مع إيران، والأكثر أهمية هو أملها في منع المحاولات من قبل حزب العمال الكردستاني والأطراف الأخرى لكسب الشرعية الدولية، من خلال مشاركتهم في المعركة كفرع سوري، كما فعل حزب الاتحاد الديموقراطي السوري.

ويبدو أن الموقف التركي ضعيف، بسبب اعتراض الحكومة المركزية في بغداد على وجودها، إضافة إلى تصريحات أمريكا المتعددة، لصالح العبادي، التي تدعو تركيا للتعاون مع العراقيين، بشأن مخيم بعشقية ومعركة الموصل، وسواء أحبت أنقرة ذلك أم لا، فإن حكومة العبادي لديها السيادة على الأراضي العراقية، وهو ما يعني أن تركيا تواجه لوم مجلس الأمن.

وهكذا، فإن بغداد لديها المبادرات سياسيًا وقانونيًا، في الوقت الذي تعلوها أنقرة عسكريًا، وإذا أجبرت تركيا على احتواء الأزمة بينها وبين بغداد، فإن الأخيرة لن يكون بمقدورها المواجهة في المعارك الحربية، حيث أنه عند الحاجة للتدخل العسكري، لمواجهة داعش في أي معارك، ماذا سيكون الحل؟

هناك عدد من السيناريوهات المقترحة، بشأن التحايل على العبادي قانونيا، تم وضعها من رئيس إقليم كردستان العراقي،  مسعود بارزاني، وهو الطلب من تركيا المشاركة بنفسها أو كجزء من التحالف الدولي في مواجهة داعش، وما يبدو أن هذا الاقتراح لا يعتبر مضمونًا أو مقبولًا من قبل الولايات المتحدة، حيث أن واشنطن ترغب أن يكون للمعركة قائد واحد، وذلك لأغراض التنسيق الفعال، الخالي من الصراعات الداخلية والنزاعات الجانبية.

بالتالي، فإن الحل الأكثر واقعية، هو مبادرة تركية للتحدث مع بغداد، وتقديم تطمينات بشأن وجودها عسكريًا في العراق وأهدافها، وهو ما يضمن موافقة تركيا على إشراف حكومة بغداد على مخيم بعشقية، وإتمام التنظيم معها بشأن المعركة في الموصل، كذلك القوات المشاركة واستعداد أنقرة لتدريب أي قوات، تختارها بغداد.

وهو ما يعني الاعتراف بسيادة العراق، واحترام صانعي القرار، إضافة إلى مشاركة تركيا كجزء من التحالف الدولي، لتحقيق الأهداف المشتركة، ومنها النقاشات التي كانت دائرة بين أنقرة وبغداد، ووصلت لمراحل متقدمة، قبل أن تحبطها إيران، ويبدو أن تركيا تريد إعادة هذه النقاشات، تحت رعاية واشنطن، أو حتى موسكو التي تحظى الآن بعلاقات جيدة مع الطرفين.

التقرير