بسبب “تنظيم الدولة”.. أيا كان الفائز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية فالخاسر هو الشرق الأوسط

بسبب “تنظيم الدولة”.. أيا كان الفائز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية فالخاسر هو الشرق الأوسط

screen_shot_2015-12-22_at_12-39-51_am

هيمنت المخاوف من تهديدات تنظيم الدولة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية، حتى أن دونالد ترامب استخدم تلك المخاوف خلال مناظرة الأحد الماضي، لتبرير تعليقاته المخزية، فقد رد على سؤال بشأن لغته البذيئة وألفاظه النابية، قائلا: “نعم، إنني أخجل من هذا، إنني أكره هذا، لكنه حديث في غرف مغلقة، إنه واحد من تلك الأشياء، سأدمر تنظيم الدولة.. نحن سنهزم تنظيم الدولة، لقد تواجد تنظيم الدولة قبل سنوات، نتيجة لحالة فراغ تسبب فيها سوء التقدير، لذا؛ سوف أتولى أمر تنظيم الدولة”.

وخلال المناظرة، وخلال حملته أيضا، تم استخدام تنظيم الدولة، إما لصرف الانتباه عن قضايا داخلية ملحة، أو لإثارة المخاوف بشأن سلامتنا ومستقبلنا وأسلوب حياتنا، لقد أصبحت عبارة “بسبب تنظيم الدولة” شعارا مهيمنا على هذه الانتخابات -وهي عبارة بلا معنى وتثير القشعريرة.

بعد العرض التمثيلي الذي تم مساء الأحد، من السهل أن نتابع تعليقات المرشحين عن تنظيم الدولة والشرق الأوسط، كجزء من عرض السيرك الذي أصبحنا معتادين عليه خلال هذه الانتخابات، لكن هناك الكثير على المحك هنا، ربما يمتلك كل من ترامب وكلينتون أسلوبين مختلفين، فيما يتعلق بمسألة السياسة الخارجية الخاصة بالشرق الأوسط، لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه جميعا، هو ما إذا كان أحدهما يمتلك أي فرصة لتحسين الوضع هناك.

الجدير بالملاحظة أن هناك نقطة واحدة اتفق عليها جميع المرشحين تقريبا، أن أكبر تهديد لأمننا موجود بالشرق الأوسط، الوحيد الذي لديه الشجاعة الكافية للإشارة إلى شيء مختلف، هو بيرني ساندرز، الذي قال إن تغير المناخ هو التهديد الأكبر لأمننا.. بالنسبة لدونالد ترامب، فإن “احتواء انتشار الإسلام الراديكالي يجب أن يكون الهدف الأول للسياسة الخارجية للولايات المتحدة”، أما بالنسبة لهيلاري كلينتون، فإن “التهديد الذي يمثله الإرهاب حقيقي وملح ولا حدود له.. وليس كافيا احتواء تنظيم الدولة وتهديد الجهاديين الراديكاليين.. علينا هزيمتهم”.

ويتفق كلينتون وترامب بشأن مصدر الخطر الذي يهدد أمننا، أما ما يختلفان حوله، كما أخبرانا، فهو أن كل منهما لديه خطة أفضل لحل مجموعة الأزمات الموجودة في الشرق الأوسط. لكن لسوء حظنا جميعا، فكلاهما مخطئ، فقد أظهرت دراسة حديثة أن الخطة التي قدمها كلا المرشحين ستجعل الوضع أسوأ.

وتؤكد ورقة بحثية لـ”فلينت ليفريت” من المعهد الملكي للشؤون الدولية، وهو مؤسسة بحثية دولية، أنه بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية، فإن “سياسة الشرق الأوسط على الأرجح ستصبح أكثر تدخلا ومواجهة، مما كانت عليه خلال الفترة الرئاسية الثانية لأوباما”.

يقول ليفريت إن الرئيس القادم سيواجه مجموعة من الأزمات في المنطقة، ستتطلب منه الانتباه الفوري: “سيتوجب على الرئيس القادم صياغة استراتيجية للتعامل مع مجموعة هائلة من التحديات، في وقت تتغير فيه الأوضاع في الشرق الأوسط، وتشمل هذه التحديات الصعود الإيراني المستمر، والدور التوسعي الروسي، والاصطفاف المحتمل لتركيا بعيدا عن الغرب، والانجذاب المتنامي للأفكار والأنشطة الجهادية في جميع أنحاء العالم السني، والمخاوف المتزايدة بشأن الاستقرار السعودي”.

ويقول ليفريت إن كلينتون أظهرت بالفعل أن هدفها هو السعي لصدارة الولايات المتحدة في المنطقة، وبناء على خبرتها السابقة كوزيرة للخارجية، والآراء التي عبرت عنها خلال حملتها الانتخابية والتشكيل المحتمل للإدارة الأمريكية، فإن كلينتون إذا أصبحت رئيسة، كما يقول ليفريت، “ستكون سياساتها أكثر تدخلا من الناحية العسكرية، وأكثر استيعابا لحلفاء أمريكا التقليديين، وأكثر شدة من أوباما في التعامل مع إيران”.

وهذا يعني أن إدارتها قد تقودنا إلى عمل عسكري موسع، مثل “الضربات الجوية وعمليات القوات الخاصة، وربما نشر وحدات قتالية – ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا”. ولا تحاول كلينتون بالطبع إخفاء نزعاتها المتشددة.

كما أوضحت أيضا أن سياساتها الخارجية يحركها هدف النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء العالم: “إذا لم تقد أمريكا، فسنترك فراغا – وهذا إما أن يتسبب في الفوضى، أو أن تتدافع دول أخرى لملأ هذا الفراغ. ثم سيكونون هم من يتخذون قرارات تتعلق بحياتنا ووظائفنا وسلامتنا – وثقوا بي، فخياراتهم لن تكون في صالحنا”.

ويقول ليفريت إن هذه هي الأجندة “السيادية” -السياسة الخارجية التي تتطلب وجود أمريكا في المركز- مستعدة لاستخدام القوة العسكرية والعقوبات، للتقدم نحو تحقيق مصالحها: “بالنسبة لكلينتون، التشدد مع سوريا وإيران قد يعيد الزخم إلى الأجندة السيادية للولايات المتحدة، التي ستضع الشرق الأوسط تحت نظام أمني عسكري تقوده الولايات المتحدة، بينما تنبذ وتقوض أولئك الذين لا يرغبون في إخضاع استقلالهم الاستراتيجي بشكل كامل”.. هناك القليل من الشك في أن هذه الخطة تعني نشر القوات القتالية أو صراعات أكبر بالمنطقة، ودورًا أكثر تدخلا لحكومتنا.

ويقول ليفريت إن ترامب يبدو كأنه يقدم بديلا؛ لكن المشكلة هي أن مواقف ترامب غير متماسكة بشكل كامل: “إن خطابه بشأن الشرق الأوسط غير متسق، فهو، على سبيل المثال، قد يهاجم، في نفس الخطاب، تغير النظام أو بناء الدولة، بينما يصر على أن الولايات المتحدة يجب أن ‘تستولي على النفط، بعد التدخل في دول مثل العراق وليبيا”.

ويتردد ترامب ما بين الحديث عن الحاجة إلى زيادة ميزانية الدفاع، والقول إننا يجب أن ننفق بشكل أقل على التدخل في صراعات الآخرين، لكن ليفريت يشير إلى عدم اتساق آخر عميق، فمستشاروه من المحافظين الجدد المتشددين، لكن ترامب نفسه يتحدث عن أسلوب “واقعي”، لا يترتب عليه لعب الولايات المتحدة دورا أساسيا في كل صراع في المنطقة.

كما يضيف ليفريت أيضا القلق بشأن مزاج ترامب، الذي ربما يغضب فجأة ويرسلنا إلى الحرب: “إن ميوله للتصرف باندفاع في مواقف معينة، قد تقود سياسته المتعلقة بالشرق الأوسط نحو التدخل العسكري”. ويشير ليفريت، في مناقشته لردود فعل إدارة ترامب المحتملة تجاه الأزمة في سوريا، إلى أن ترامب قد يعطي الأولوية لقتال تنظيم الدولة، على الإطاحة بالأسد، فقد أشار ترامب خلال مناقشته كيفية هزيمة تنظيم الدولة، إلى أنه قد يتعاون مع روسيا، “لكن إذا اعتقد ترامب أن بوتين قد خانه، فإن احتمالية القيام بعمل عسكري مكثف في سوريا ستزيد”. وهذا أيضا قد يؤدي إلى صراع مباشر مع روسيا.

وبعيدا عن تقلبات ترامب المزاجية، يذكرنا ليفريت أن العالم كله شاهد ترامب وهو يقول تصريحاته المعادية لهجرة المسلمين.. تذكروا اللحظة التي طالب فيها ترامب “بمنع كامل وشامل” للمسلمين من دخول الولايات المتحدة، حتى “يتمكن ممثلو دولتنا من معرفة ما يحدث”.

وبينما حاولت الحملة مؤخرا تخفيف حدة الإسلاموفوبيا في هذه التصريحات، إلا أن الضرر الذي تسببت فيه لا يزال واضحا، فقد قال نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، إن “اللغة الاستبدادية الواضحة في قوله (منع كامل وشامل للمسلمين من دخول الولايات المتحدة)، إضافة إلى التصريحات المتعصبة الأخرى- تعكس استخداما ممنهجا وساما للإسلاموفوبيا، ذات التأثير الضار جدا على حياة المسلمين الأمريكيين العاديين، وعلى وحدة أمتنا”.

ويشير ليفريت إلى أن تأثير تصريحات ترامب لا يشعر بها من هم داخل الولايات المتحدة، “إن تصريحات ترامب ومقترحاته في مجملها التي تفهم على أنها معادية للإسلام قد تثير الرأي العام في مجتمعات الشرق الأوسط، بطرق قد تجعل من الصعب على أنظمة المنطقة أن تبدو متعاونة مع إدارة ترامب”، وهذا يعني أن فرص بناء تحالفات والسعي لتحقيق السلام، قد يتم إحباطه من قبل أنظمة لا تريد أن تبدو متعاونة مع ترامب (المعادي للإسلام).

بالطبع، يبدو أن ترامب أيضا لديه صعوبات مع الحقائق، فقد ادعى أن أوباما وكلينتون أسسا تنظيم الدولة، وعندما عرضت عليه فرصة للقول إن سياساتهم هي ما أدت إلى ظهور تنظيم الدولة، تراجع عن قوله، إذا كان لا يستطيع فهم الحقائق بشكل مباشر، أو أن يتذكر موقفه الشخصي، فليس هناك فرصة أن يقدّم أجندة إيجابية، متعلقة بالمنطقة.

وبينما ننظر للمستقبل، فالأمر يستحق النظر للماضي.. يذكرنا “فيجاي براشاد” أن السابع من أكتوبر هو الذكرى الخامسة عشرة لبدء الحرب الأمريكية في أفغانستان، ويشير إلى أن الولايات المتحدة فشلت في تحقيق أهدافها، فـ”طالبان” لا تزال قوية، ولا يزال تنظيم القاعدة موجودا، وحالة الديموقراطية مزرية.

والعراق تماما كأفغانستان، وكرر براشاد نفس الكلام في مقال سابق، حيث قال: “لقد تم قذف العراق وأفغانستان في دوامة هبوط اجتماعية، مع انعدام الأمل في التعافي”. وقال في مقاله إن الأزمة الحالية تسبب فيها فشل الدبلوماسية والسياسية الخارجية الأمريكية.

يأتي هذا الفشل نتيجة لرفضنا السعي إلى إقامة تحالفات سياسة حقيقية، من شأنها إحداث فرق إيجابي في المنطقة، وتأتي نتيجة لميلنا إلى فرض أجندتنا، بدلا من الاستماع إلى احتياجات الشعب الذي ندعي حمايته.

التقرير