أردوغان وبوتين والعجز العربي

أردوغان وبوتين والعجز العربي

441

رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين هما الآن الزعيمان اللذان يستفيدان من الفراغ الذي خلّفه تخاذل إدارة باراك أوباما عن لعب دور القوة العظمى في الأزمة السورية، كما خلّفه العجز العربي عن مواجهة الدعم الروسي والإيراني لنظام بشار الأسد، والهيمنة الإيرانية الكاملة على مقدرات العراق.

في زمن العجز هذا، صار متاحاً للرئيس التركي أن يوجه الإهانات إلى رئيس حكومة العراق، داعياً إياه إلى معرفة «حجمه» والتزام «حدوده». كما صار في إمكان أردوغان أن يقرر متى يتدخل عسكرياً في المدينة الثانية في العراق، وبأي حجم وبأية شروط، وحجته أن أمن تركيا من أمن الموصل، وأن العراق غير قادر على ضمان هذا الأمن لا للموصل ولا لتركيا. وإذا لم يفعل أردوغان ذاك في الموصل، لحمايتها في الوقت ذاته من تنظيم «داعش»، كما من الهجمة المذهبية عليها بحجة تحريرها على يد قوات يفترض أنها تابعة للجيش الوطني العراقي، فيما لا تتردد في رفع الرايات المذهبية فوق عرباتها المدرعة… إذا لم يفعل أردوغان ذلك فمن تراه يفعل؟

أما بوتين فقد جاءه إخلاء باراك أوباما الساحة السورية على طبق من ذهب. وعلى عكس رفض أوباما نجدة المعارضة بالسلاح، أو حتى السماح لحلفائها الإقليميين بذلك، هبّ بوتين إلى تلبية طلب بشار الأسد بالدعم العسكري، فكان التدخل الروسي منذ آخر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، بخمسة آلاف جندي على الأقل، وقوة جوية هائلة، مدعومة بأنظمة صواريخ مضادة للطائرات (أس – 300 وأس – 400)، وقلب هذا التدخل المعادلة العسكرية وأتاح للأسد أن يتطلع إلى البقاء في السلطة، ولو فوق أنهار الدماء السورية وخراب المدن المدمرة، مثلما أتاح لموسكو أن تفرض نفسها كلاعب لا يمكن تجاهل دوره في أي عملية سياسية للتوصل إلى حل للأزمة السورية. لقد بات السعي الأميركي وراء هذا الدور الروسي أشبه بالاستجداء، كما حصل مع الاستعدادات لاجتماع لوزان أمس، إذ حرص جون كيري على دعوة سيرغي لافروف إليه، مستبعداً في الوقت ذاته أطراف المعارضة السورية، فيما جاء الوزير الروسي متردداً ومتذمراً، مع الإعلان المسبق أنه لا يتوقع شيئاً من الاجتماع، فيما القذائف الروسية تمطر مدينة حلب بالنيران.

في سورية نجح حلف المصالح بين الرئيسين التركي والروسي في تكريس معادلة تخدمهما في المنطقة الحدودية بين سورية وتركيا، على رغم الخلاف الذي ما زال قائماً بينهما (كما يبدو) في شأن مصير بشار الأسد. وفي ظل السيطرة الروسية الكاملة الآن على القرار العسكري في سورية، نجح الأتراك في اقتطاع مساحة تقارب ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية على الحدود، ويأمل أردوغان بتوسيعها إلى 4 آلاف كلم، ليحقق بذلك مطلب «المنطقة الآمنة» التي أرادها منذ زمن، ولم يتجاوب الأميركيون معه في تنفيذها، فكان غض النظر الروسي، الذي منع الإيرانيين والسوريين من تنفيذ عمليات في تلك المنطقة تعيق السيطرة التركية، وفي المقابل أتاح لبشار الأسد العثور على منطقة يستطيع أن يرسل إليها المقاتلين المعارضين الذي يتم «تنظيفهم» في حربه على المدن السورية.

في الوقت ذاته، فرض أردوغان نفسه كالقوة الوحيدة القادرة على مواجهة تنظيم «داعش»، أو دعم القوى السنّية المحلية المستعدة لذلك، كما كانت الحال في مدينة جرابلس، واستطاع بذلك أن يستبعد أي دور كردي عن هذه المواجهة، خصوصاً أن هذا الدور يأتي على رأس المشاغل التركية، ويكاد يسبق «داعش» أو يتساوى معه في مستوى القلق الذي يشكله لصانع القرار في أنقرة.

في حلف المصالح بين أردوغان وبوتين، يستخدم كل منهما الآخر. أردوغان «ينتقم» بغزله مع موسكو من التقارب الأميركي مع الأكراد، كما من توفير الملاذ لفتح الله غولن، الغريم الأول لأردوغان. أما الروس فيجدون في تقاربهم الحديث العهد مع أردوغان فرصة للرد على الاتهامات بأنهم يعادون السنّة في المنطقة ويتدخلون ضد مصالحهم في سورية. كما أن هذا التقارب يشكل فرصة كذلك لتركيا لتعزيز علاقاتها مع الدول العربية، الناقمة على الانكفاء الأميركي، والعاجزة عن لعب أي دور أو القيام بأي مبادرة، فيما تتطلع إلى قوة أخرى لتوازن هذا الغياب.

الياس حرفوش

صحيفة الحياة اللندنية