تركيا ومعركة الموصل

تركيا ومعركة الموصل

3f90e1816c

تصاعدت وتيرة التصريحات العنيفة المتبادلة بين تركيا والعراق، على مشارف معركة الموصل لتحريرها من «داعش»، فلتركيا معسكر بشرق الموصل في بلدة بعشيقة، تستخدمه منذ أيام صدام حسين لملاحقة مسلَّحي «حزب العمال الكردستاني». وفي السنوات الأخيرة، وبالتنسيق مع أكراد البارزاني، زادت تركيا من وجودها في المعسكر حيث بلغ 350 جندياً مزوَّدين بالسلاح الثقيل.

قبل نحو السنة بدأ العبادي يُظهر تذمراً من وجود الأتراك بالعراق. والأتراك يقولون تارةً إنهم هناك بعلم وزارة الدفاع العراقية، وطوراً يقولون إنهم هناك بالتنسيق مع البارزاني. وعندما تصاعد الجدل وصار علنياً، وشكا العراق للأمم المتحدة، قال الأميركيون إنّ تركيا ما كانت جزءاً من التحالف الدولي، ولن يشارك في معركة استعادة الموصل إلى جانب الجيش العراقي والبيشمركه غير قوات التحالف الدولي.

عند تركيا أسباب ظاهرة وأُخرى خفية للبقاء على مشارف الموصل، فقد صارت لقوات «العمال الكردستاني» قواعد بسنجار موصولة بسوريا، وبسيطرة القوات العراقية (الشيعية بالحشد الشعبي وبدونه)، سيكون لمقاتلي الكردستاني منفذ طويل وفاعل بين سوريا وسنجار والموصل وتركيا. أما السبب الثاني للحرص التركي فهو الحفاظ على الأقلية التركمانية في الموصل وتلعفر. وتركيا متأكدة أنه سيتم تهجير لنحو المليون شخص من الموصل، بينهم التركمان، ولن يعودوا إلى ديارهم، فيحدث تغيير ديموغرافي طائفي وإثني يتهدد التركمان والعرب السنة. والطريف أنّ التركمان الشيعة والشبك (طائفة شيعية متطرفة بتلعفر) دأبوا في الشهور الأخيرة على إصدار بيانات ضد تركيا واحتلالها بعشيقة!

موقف تركيا في العراق ضعيف، بخلاف موقفها في سوريا، ففي العراق لا تحظى بموافقة الحكومة العراقية الحالية. ولا يريد الإيرانيون مشاركتها في العراق، كما تشاركهم الآن وغصباً عنهم في سوريا. وفي سوريا قوي موقف الأتراك بدخولهم على خط التنافس الروسي الأميركي بحيث أجاز لهم الأميركيون دخول الأرض السورية خوفاً من أن يدخلوا عن طريق الروس! ثم إنه ما كان يمكن سد طريق «داعش» من تركيا إلا بالاستيلاء على عشرات القرى التي كان يحتلها التنظيم على الحدود مع تركيا.

ويتجاوز عدد اللاجئين السوريين في تركيا ثلاثة ملايين. وقد صار من مصلحة دول الاتحاد الأوروبي أيضاً أن يتكون الملاذ الآمن أخيراً داخل الحدود السورية لتركيز مليوني لاجئ في تلك المناطق التي تحاول تركيا مع معاونيها من العرب استردادها من «داعش» بدءاً بجرابلس وانتهاءً بالباب.

لقد عرف التنافس الإيراني التركي على العراق وسوريا خلال السنوات الخمس الماضية فصولاً عديدة. وكانت لإيران ميزات في العلاقة، وهي تحالفها مع الحكومتين العراقية والسورية. إنما كان الثابت أن معاونة الأكراد أو التواصل معهم خط أحمر، باعتبار أنهم يشكلون خطراً على الطرفين، لكنْ حتى نقطة التوافُق هذه تخلخلت عندما قام الجنرال سليماني بمساعدة «العمال الكردستاني» في تحرير عين العرب من «داعش»، ومنذ ظهور «داعش» ظهرت نقاط كثيرةٌ للخلاف. ومنها النقطة الأهم: إيران تريد شراكة في سوريا، وقد حصل ذلك، إلى درجة كبيرة وسيطرت على قرارات النظام، ثم تعاونت مع روسيا عندما تبين لها أنه لا يمكن أخذ حلب إلاّ بالطيران. أما الروس فصاروا حذِرين بعد مضي عام على التدخل، دون أن يعني ذلك انهيار المعارضة، وهكذا فتركيا في شمال سوريا هي محل تقدير أميركي روسي، ومؤقتاً لحين تتضح حدود توسع إيران وطموحاتها، فتركيا الآن تعتبر نفسها حاميةً للسنة، وتتقرب لبعض العرب بالقول إنها حاميةٌ للعرب أيضاً! ولإيران بالطبع حدود مع العراق، وهي مسيطرة بالداخل، وتريد مثل الأكراد خطاً مستقلاً: إيران – العراق- شمال سوريا- لبنان. والوجود التركي بشمال سوريا يزعج إيران كثيراً، كما يزعجها الوجود التركي بالعراق وإن كان ضعيفاً.

ليس واضحاً كيف سينتهي الأمر في معركة الموصل، فقد كان المأمول أن تسيطر أميركا على الأجواء والأرض فلا تتدخل تركيا ولا إيران، ولا يحصل ما حصل بالفلوجة والرمادي، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن، فـ«الحشد الشعبي» يعتزم المشاركة، وقد بدأ بالسيطرة على بعض القرى والبلدات، ونهب مصفاة بيجي وسلّم معداتها لإيران! ومعروفٌ عنه القتل والتهجير، وأنّ سليماني قائده. المؤسف أن يعمل العراقيون عند الإيرانيين، وأن يلجأ السنة العرب إلى تركيا للحماية من الذبح والتهجير!

 رضوان السيد

صحيفة الاتحاد