الطريق إلى الموصل… عقبات وأشواك

الطريق إلى الموصل… عقبات وأشواك

349

تغيّر الهاجس العام لمعركة تحرير الموصل؛ من بشائر نصر مؤزر إلى شعائر انتقامية أطلقتها بعض أهم المليشيات المتحكّمة في المشهد المسلح، المرتبط بالحكومتين، العراقية والإيرانية، بشكل أو بآخر؛ وبعد أن كانت التقديرات تشير إلى تفوّق أرضي وجوي ومعنوي لصالح القوات المهاجمة، باتت هذه على درجةٍ عاليةٍ من الضبابية، بسبب ردود أفعال كل تشكيلات هذه القوات، سواء ما تعلق منها بقوات البشمركة أو القوات العسكرية النظامية العراقية المرتبطة بوزارة الدفاع، أو قوات الحرس الوطني المشكلة من أبناء الموصل، والتي تدعمها تدريباً وتعبئةً جارة العراق، غير المرغوب فيها إيرانيا وعراقيا (رسمياً)، تركيا.
معركة الموصل التي يفترض أن يشارك فيها آلاف المقاتلين والمستشارين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين والكنديين والأسترالييين والإيرانيين وغيرهم، إضافة إلى العراقيين بالطبع، وبمشاركة مئات من الطائرات المقاتلة (إف 16وإف 18 الأميركية، تورنادو البريطانية، رافال وميراج الفرنسييتين) وعشرات الطائرات العمودية المقاتلة، وأرتال من الدبابات وبطاريات إطلاق الصواريخ والمدفعية، قد تكون نتائجها على غير هوى المخططين لها، والقائمين على تنفيذ هذه الخطط، ويتقدّم موضوع وجود مليشيات الحشد الشعبي ضمن القوى التي أصرّت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية بشخص قائدها رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، على مشاركتها في المعركة، معضلات إطلاق ساعة الصفر بشكل قطعي، تحسبا لما قد يتسبب به (الحشد الشعبي) من تجاوزاتٍ قد تقلب المعركة برمتها لصالح تنظيم داعش.

تأكيداً لهذا التخوف السوقي والإستراتيجي لقيادة قوات التحالف التي تدير غرفة العمليات بشكل مركزي، فإن قوى وطنيةً وفصائل مسلحة مهمة عراقية، من أبرزها جيش رجال الطريقة النقشبندية وتجمع مقاتلي العشائر العربية الموصلية وقوات “الحشد الوطني” بزعامة محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، وغيرها، أعلنت النفير العام لمواجهة مليشيات الحشد الشعبي، في حال مشاركتها في العمليات العسكرية داخل الموصل، وأنها ستقتل كل من يسيء لأهل المدينة، أو مقدساتها وتركيبتها السكانية الديموغرافية.
يعترض الأكراد، برئاسة إقليمهم، وبتخوّف كبير، موضوع حصول مليشيا الحشد الشعبي على موطئ قدم في المحافظة التي تمثل كفي الإحاطة بعاصمتهم، أربيل، أي محافظة نينوى، وهم، وإن كانوا يغضون الطرف عن التمدّد الإيراني داخل الأراضي العراقية لحسابات المصالح القومية للأكراد، وإن كانت على حساب العراق برمته، إلا أنهم باتوا على مرمى حجر من حالة الحجز والتمكّن الطائفي والمذهبي الذي تمثله المليشيات المدعومة من إيران، وهو ما يعني بالضبط تحوّل الهدف المقبل إلى إقليم كردستان، لتغييره ديموغرافياً. وبالتالي، إسقاط كامل العراق في قبضة المشروع الإيراني، وإلغاء كل المناطق العازلة بين محيطه الطبيعي (إيران) والمناطق المستدفة غرباً باتجاه سورية وتركيا والأردن وسواها.
معروف موقف أنقرة طبعاً، ومعروف أيضاً عدم اكتراثها بالضجّة الإعلامية التي أثارتها تصريحات حيدر العبادي بشأن وجود قواتها في معسكر بعشيقة، والتي تؤكد وجود رغبة إيرانية ملحّة لاستبعادها عن معركة الموصل، لضمان هيمنة طهران على هذه المحافظة، وتغيير وضعها، بما يجعلها خطراً يهدّد الأمن القومي التركي لاحقاً، وبشكل خطير للغاية. لهذا، لن تتوانى أنقرة عن خوض معركةٍ إستراتيجيةٍ ترمي فيها كل ثقلها إن لزم الأمر. ولعل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أوجز كل هذه المخاوف والموقف التركي، عندما قال “لن تسمح تركيا بأن تتسبب عملية مزمعة لطرد تنظيم الدولة من مدينة الموصل العراقية في دماء ونار”، في إشارة واضحة إلى تداعياتٍ متوقعة في المحافظة ذات الأغلبية (السنيّة) المطلقة.
يراقب تنظيم داعش الوضع عن كثب، ويعلم قادته أن حسابات النصر والهزيمة قد تؤخر حسم المعركة، بسبب تحركات “الحشد الشعبي”، والتي تمركزت بعض طلائعه على حدود قضاء شيخان، شمالي الموصل، وجنوباً في الشرقاط وحولها، بهدف المشاركة في عملية استعادة الموصل. ومع حالة التأهب القصوى بين مقاتليه في المدينة، يبقى رهانه على وقوف أهالي المدينة معه، خوفاً من حملات قتل وانتقام وترويع سترتكبها مليشيا الحشد، أو تغير استراتيجي أميركي تجاه استحقاقات المعركة، خصوصاً بعد تطورات الأوضاع في حلب السورية، والتصعيد المتبادل بين واشنطن وموسكو. واعتماداً على ما سينشب من خلاف عقائدي وجيوسياسي بين إيران وتركيا للحفاظ على الموصل، أو كسبها منطقة نفوذ استراتيجي مهمة لأي منهما.
متابعةً دقيقة للمتغيرات السياسية المتسارعة، وسرعة تهافت كل دول العالم للمشاركة في معركة تحرير الموصل، تظهران أن الهدف النهائي لهذه المعركة ليس محافظة نينوى، بقدر ما يمثله من رسم خارطة جديدة للمنطقة، يحرص الجميع على أن يكون لهم نصيب فيها، وهو ما يعني أن كل المظاهر الجغرافية والسياسية والسكانية قد لا تشبه ما هي عليه بعد انتهاء العمليات. ولكن، تبقى هناك مزيد من العقبات والأشواك في الطريق إلى الحدباء، والمستقبل شاهد.

فارس الخطاب

صحيفة العربي الجديد